الوقت- بعد سنوات من الاحتجاز في سجون الاحتلال الإسرائيلي، أُطلق سراح عشرات الأسرى الفلسطينيين المحكومين بالسجن المؤبد. جاء إطلاق سراح هؤلاء الأسرى في إطار صفقة تبادل أسرى بين الكيان الصهيوني وحركة حماس، تأتي صفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس والإسرائيلية بعد أن فشل الكيان الصهيوني في الإفراج عن كامل أسراه المطلوبين نتيجة حرب غزة التي استمرت عامين، واضطر أخيرًا إلى التفاوض وتبادل الأسرى مع حركة حماس بقبول وقف إطلاق النار.
إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين بالأرقام
أعلنت مصادر فلسطينية أنها نجحت خلال العامين الماضيين في تحرير العديد من أسراها، إحصائيات الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين خلال حرب غزة هي كما يلي:
3 اتفاقيات: عدد اتفاقيات تبادل الأسرى التي أبرمتها حركة حماس وقوات الاحتلال خلال حرب غزة التي استمرت عامين.
3,985 أسيرًا فلسطينيًا: إجمالي عدد الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم خلال حرب غزة التي استمرت عامين، ونتيجةً للاتفاقيات الثلاثة.
1,968 أسيرًا فلسطينيًا: العدد النهائي للأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم في المرحلة الثالثة، بالتزامن مع مؤتمر شرم الشيخ، والذي أكدته المديرية العامة للسجون في الكيان الصهيوني.
486 أسيرًا: الإفراج عن الأسرى المحكومين بالسجن المؤبد.
319 أسيرًا: الإفراج عن الأسرى المحكومين بالسجن لفترات طويلة.
297 أسيرًا: أسرى أطفال.
114 أسيرًا: أسيرات فلسطينيات.
33 أسيرًا: الأطفال أو الأسرى الإناث الذين قد يُحكم عليهم بالسجن المؤبد أو لفترات طويلة.
2,724 أسيرًا: عدد الأسرى الذين أفرجت عنهم قوات الاحتلال الصهيوني من قطاع غزة بعد الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول.
فشل رواية نتنياهو
مع تطبيق المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2025، والتي تضمنت انسحاب القوات الإسرائيلية من جزء من غزة، وإطلاق سراح 20 أسيرًا إسرائيليًا ونحو 2000 أسير فلسطيني، انتهت حرب غزة التي استمرت عامين مؤقتًا، وقد وضع الاتفاق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في موقف سياسي معقد، فمن جهة، يصفه نتنياهو بأنه انتصار دبلوماسي؛ لكن الواقع هو أنه بعد عامين من القتال غير الحاسم والخسائر الفادحة، فشلت حملته العسكرية المكثفة في تحقيق أهدافها الرئيسية، وهي إطلاق سراح الرهائن والقضاء التام على حماس، واضطر في النهاية إلى الجلوس على طاولة المفاوضات والتوصل إلى اتفاق مع حماس التي سعى إلى تدميرها.
من جهة أخرى، يواجه نتنياهو أيضًا ضغوطًا داخلية ناجمة عن خلافات ائتلافية، وتحقيقات متعلقة بالتحقيق في أسباب فشل اتفاق الـ 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقضية المحاكمة القضائية، وتجدد الصراعات السياسية التي سبقت الحرب في غزة، والانتخابات المقبلة.
في الواقع، لن يتمكن نتنياهو بعد الآن من التهرب من العديد من القضايا بحجة الحرب والأمن، ومع انتهاء القتال في غزة، على رئيس وزراء النظام أن يستعد لاستقبال موجات التطورات الداخلية.
رواية سجين
من بين السجناء المحكوم عليهم بالسجن المؤبد والذين ذاقوا طعم الحرية، روى أربعة سجناء قصص أسرهم لقناة الجزيرة، والتي سنناقشها لاحقًا:
سمير أبو نعمة: الحرية بعد 39 عامًا
عندما اعتُقل سمير أبو نعمة عام 1986، كان شابًا في السادسة والعشرين من عمره، حاصلًا على بكالوريوس في إدارة الفنادق، كان أيضًا مقاتلًا في صفوف حركة فتح وعضوًا في خلية عسكرية عملت ضمن سلسلة هجمات ضد قوات الاحتلال. تم اعتقاله بعد تحقيقات قاسية في سجن المسكوبية بالقدس، وحُكم عليه بالسجن المؤبد. خلال فترة أسره، تنقل بين سجون مختلفة، وشارك في إضرابات عن الطعام، وشارك في أنشطة الحركة الأسيرة.
عانى من أمراض عديدة وخضع لست عمليات جراحية في السجن، ولم يُفرج عنه قط. فقد سمير والدته وثلاثة من أشقائه خلال فترة اعتقاله، دون أن يُسمح له بزيارتهم أو توديعهم، توفي شقيقه وليد ليلة استعداده للقائه عام ٢٠١٦، وانتظرته والدته حتى وفاتها، لكنه لم يعد إلى منزله إلا مؤخرًا بعد ٣٩ عامًا في الأسر.
محمود عيسى: النخبة العسكرية
لم يكن محمود موسى عيسى مجرد أسير فلسطيني، بل كان نموذجًا فريدًا للمناضل المثقف، صاحب إحدى أبرز التجارب الفكرية والتنظيمية بين الأسرى، وُلد عيسى في 21 مايو/أيار 1968 في مدينة عناتا قرب القدس، ونشأ في عائلة متدينة، وكان من أوائل الشباب الذين انضموا إلى كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) فور تأسيسها. وهناك، أسس وحدة عسكرية عُرفت لاحقًا بالوحدة الخاصة 101. في 13 ديسمبر/كانون الأول 1992، أسرت الوحدة الجندي الإسرائيلي نسيم طوليدانو ضمن عملية "الوفاء للشيخ أحمد ياسين"، مؤسس وزعيم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بهدف مبادلته بالشيخ ياسين الذي كان آنذاك في السجن. ورغم فشل عملية التبادل واكتشاف جثة الجندي، إلا أن ذلك أحدث زلزالاً في دوائر الاحتلال، تبعته موجة اعتقالات شملت آلاف الفلسطينيين، وترحيل مئات من قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى جنوب لبنان. إلا أن عيسى ورفاقه واصلوا هجماتهم.
ففي مارس 1993، أسروا الجندي الصهيوني نوعام كولر، وفي الشهر نفسه، وفي عملية بارزة، قتلوا شرطيين إسرائيليين وأصابوا عقيداً إسرائيلياً بجروح خطيرة بمسدس، أُلقي القبض على عيسى في 3 يونيو 1993، بعد شهر من المطاردة، وخضع لاستجوابات مكثفة في مراكز الاعتقال الصهيونية لمدة شهرين حتى حكم عليه الاحتلال بالسجن المؤبد ثلاث مرات و46 عاماً. قضى 13 عاماً من هذه الفترة في الحبس الانفرادي، حرم خلالها من زيارات عائلته، عُرف عيسى أيضًا ككاتب ومفكر، ونشر عددًا من الأعمال التي جمعت بين الفقه السياسي والنقد والتحليل الأدبي والفكري.
باهر بدر واعتقال أفراد العائلة
في يوليو/تموز 2004، كانت عائلة بدر تستعد لحفل زفاف ابنها باهر، لكن الاحتلال قرر اعتقال باهر. اعتُقل باهر قبل أيام قليلة من زفافه في منزل شقيقه في رام الله، وتعرض بعدها الى 21 عامًا من التعذيب والاضطهاد .
بعد تحقيق استمر لأكثر من أربعة أشهر، حكمت المحكمة على باهر بالسجن المؤبد 12 مرة لانتمائه إلى كتائب القسام ومساعدته في الهجمات، لم يكن باهر وحيدًا في هذا المصير؛ فقد اعتُقل شقيقه، بهيج بدر، في الليلة نفسها وحُكم عليه بالسجن 18 مؤبدًا، حتى والدتهما لم تنجُ من قبضة الاحتلال، حيث اعتُقلت بعد أسابيع ووُضعت في الحبس الانفرادي رغم مرضها المزمن وتقدمها في السن.
محمد أبو طبيخ: عقلٌ مُثقَّفٌ في زنزانة سجن
وُلد محمد أبو طبيخ في جنين، واعتقل لأول مرة عام ١٩٩٩، بعد عامه الجامعي الأول. بعد إطلاق سراحه، انضم إلى صفوف المقاومة، وخاصةً سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي). في ٢٨ يوليو ٢٠٠٢، وبعد مشاركته في معركة مخيم جنين، اعتقلته قوات الاحتلال مجددًا وحكمت عليه بالسجن المؤبد مرتين و١٥ عامًا إضافية. إلا أن هذه القيود لم تمنعه من النجاح، فخلال وجوده في السجن، حصل على ثلاث شهادات بكالوريوس، وألّف كتابًا من جزأين بعنوان "درب الصادقين"، وثّق فيه قصص ٤٢ أسيرًا، التحق ببرنامج الماجستير في الدراسات الإسرائيلية، وأكمل دراسات متخصصة عديدة، ليصبح من أبرز الخبراء في الشؤون الإسرائيلية في سجون الاحتلال.