الوقت-بمناسبة الذكرى السنوية لعملية طوفان الأقصى التي أضحت في عامها الثالث، قال خبير شؤون الشرق الأوسط “سيد هادي أفقهي”: “منذ الأيام الأولى لهذه الملحمة المهيبة، قدّم المرشد الأعلى للثورة في إيران رؤيةً ثاقبةً لطوفان الأقصى، عادّاً إياها ضربةً استراتيجيةً وهزيمةً محوريةً للكيان الصهيوني، وكلما انقضت الأيام وتعاقبت الليالي تجلّت أبعاد هذه الهزيمة الاستراتيجية بصورة أجلى وأبين”.
وأردف الخبير في شؤون الشرق الأوسط قائلاً: “ثمة من يتساءل الآن: أين تكمن الضربة الاستراتيجية في ملحمة طوفان الأقصى؟ فقد دُكّت غزة وهُدمت، واستُشهد أكثر من سبعين ألفاً من أبنائها البررة، وفقدت حماس صفوة قياداتها السياسية والعسكرية، ومع ذلك تزعمون: إن السابع من أكتوبر عام 2023 كان ضربةً استراتيجيةً أصابت مقتلاً في جسد الكيان الصهيوني! أرى أن هذا حكم متعجل وسطحي النظرة، بعيد عن عمق التحليل وسبر أغوار الحقائق”.
وأوضح أفقهي أن الضربة الاستراتيجية تتباين جوهرياً عن الضربة الميدانية والتكتيكية، فأبان: “ما يقترفه الكيان الصهيوني في غزة هو ضربة ميدانية وتكتيكية، رغم أن حماس أيضاً سدّدت ضربات موجعة للكيان الصهيوني من الناحية العسكرية والأمنية. نشهد الآن كيف تهاوت مكانة الكيان الصهيوني في المحافل الدولية، وانحدرت إلى حضيض لم تبلغه من قبل”.
وعدّ أفقهي تفاقم المعضلات الاجتماعية، والهجرة المعاكسة للصهاينة، وتفشي ظاهرة الانتحار وفرار الجند، وتعميق الشروخ الداخلية، وتداعي الاقتصاد الصهيوني، من ثمار عملية طوفان الأقصى المباركة، مضيفاً: “كشفت هذه العوامل عن هشاشة الكيان الإسرائيلي وزيف قوته المزعومة، وأن السند الأمريكي وحده هو ما حال دون سقوطه في هاوية الهزيمة الساحقة. وأجزم بأن تداعيات وأصداء ملحمة طوفان الأقصى ستظل تتردد في أرجاء المنطقة”.
واعتبر هذا المحلل لشؤون الشرق الأوسط أن تحرك الأسطول العالمي “الصمود” لفك طوق الحصار عن غزة، يعدّ من أنبل ثمار عملية طوفان الأقصى، مؤكداً: “هذا الأسطول أحكم الطوق معنوياً على الكيان الصهيوني، وأرى أن هذه المبادرة الجليلة ينبغي أن تستمر وتتحول إلى نهج راسخ وثقافة متجذرة”.
وبخصوص عدوان الكيان الصهيوني على قطر، قال: “هذا الهجوم الرعناء كشف عن مدى عجز بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني وتخبطه. على أية حال، ارتدّ هذا العدوان ليصبّ في صالح فلسطين ومحور المقاومة، والدول التي كانت تزعم أن إيران تشكّل خطراً محدقاً بالمنطقة، باتت تقر اليوم بأن الكيان الصهيوني هو رأس الأفعى وبيت الداء. عقب هذا العدوان، هرع المسؤولون السعوديون إلى باكستان ووقعوا معاهدة دفاع مشترك، وكل هذه المؤشرات تنبئ بأنه لم يبق في جعبة الكيان الصهيوني سوى سلاح البطش والعدوان. وإذا ما جرى تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب ذات البنود العشرين لوقف آلة الحرب في غزة، فقد ينهار صرح حكومة نتنياهو ويتداعى”.
وأكد أفقهي بقوله: “رغم الآلام والخسائر الجسام المادية والمعنوية التي تكبدها الشعب الفلسطيني الأبي في حرب غزة، لم تنحن هامة حماس ولم ترفع الراية البيضاء، ولم يبلغ الكيان الصهيوني مراميه. في ميزان الحروب، المنتصر هو من يظفر بأهدافه. تُسجل الخسائر في ساحة الحرب - كم بذلتم من أرواح وكم بذلوا هم، كم تجرعتم من مرارة الخسائر وكم تجرعوا هم - بيد أن المعوّل عليه هو بلوغ الغاية المنشودة. فلسطين وحماس حققتا غايتهما المتمثلة في توجيه ضربة قاصمة واستراتيجية للكيان الصهيوني، ولا تزال أصداؤها تتردد وارتداداتها تتوالى حتى يومنا هذا”.
وعن آفاق المقاومة في مستقبل المنطقة، قال: “تتلألأ للمقاومة آفاق وضاءة. أكد المرشد الأعلى للثورة في إيران أن المقاومة ليست كياناً مادياً ينكسر ويتلاشى إذا ما تلقى ضربةً، بل هي ثقافة راسخة وسلوك قويم وعقيدة راسخة، نهج متواصل ومثمر. كم ارتقى من الفلسطينيين إلى العلياء، وكم زُفَّ من أبناء حزب الله شهداء، لكن المقاومة باقية ما بقي الليل والنهار. في غارة غادرة شنها الكيان الصهيوني على اليمن، ارتقى نصف أعضاء حكومة هذا البلد الصامد شهداء، بيد أننا نشهد تصاعد الهجمات اليمنية بالمسيّرات والصواريخ على فلسطين المحتلة. لماذا؟ لأنها عقيدة راسخة بعدم الانحناء أمام صلف المستكبرين وغطرستهم”.
وشدّد هذا الخبير الضليع في شؤون الشرق الأوسط: “إذا ما وهن عود محور المقاومة، فستكون الوخيمة على الجميع، حتى الدول التي هرولت نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني كالبحرين وقطر والإمارات. هذه الدول أدركت أنه إذا اندثر محور المقاومة، فسيحل بها الدور غداً. تأملوا أنه لا توجد دولة أشدّ قرباً إلى أمريكا والكيان الصهيوني من قطر. قدّم أمير قطر هديةً سخيةً لترامب عبارة عن طائرة فارهة بقيمة أربعمائة مليون دولار، ومع ذلك، شهدتم ما حلّ بها (عدوان الكيان الإسرائيلي على الدوحة). من السذاجة بمكان أن يتوهم حكام الدول العربية أنهم بتوقيع صكوك التطبيع مع الكيان الصهيوني، سينعمون بالأمان من شر هذا الكيان الغادر”.
واختتم أفقهي حديثه قائلاً: “رغم الضربات والخسائر الفادحة التي نالت من محور المقاومة، يبقى هذا المحور متوهجاً كالجمر تحت الرماد، والمقاومة متجذرة في أعماق وجدان الشعوب، ولا أحد يرتضي أن يفرط في عرضه ويتنازل عن حقه الأصيل في أرضه وترابه الطهور”.