الوقت – في أعقاب الغارة الصهيونية الآثمة التي استهدفت الدوحة، حيث طالت قادة حماس تحت سمع وبصر القوات الأمريكية المتمركزة هناك، انبثقت تساؤلات جوهرية حول الدور الأمريكي المريب في نسيج الأحداث الإقليمية، يرى الخبراء أن هذا العدوان يجسّد نمطاً متكرراً من المكر والخداع، يستحضر في الأذهان الهجمات الغادرة السابقة على إيران واليمن، ويسلط الضوء بجلاء على المخاطر الجسيمة التي تشكّلها القواعد الأمريكية المنتشرة في الخليج الفارسي.
في حوار أجرته صحيفة “طهران تايمز”، سلط منير دعير، المحلل السياسي البارز، سهام النقد اللاذع على استراتيجيات واشنطن والكيان الصهيوني، واصفاً قمة الدوحة بأنها لم تتجاوز حدود الرمزية الجوفاء وافتقرت إلى الفاعلية الحقيقية في مواجهة التهديدات المتصاعدة. وحذر بلهجة صارمة من أن تقاعس الدول الإسلامية - رغم تجارتها السنوية الضخمة البالغة عشرين مليار دولار مع الكيان الصهيوني - قد أذكى جذوة الجرأة لدى تل أبيب، داعياً إلى اتخاذ خطوات عملية حاسمة تشمل قطع شرايين التجارة وإغلاق الأجواء وإنهاء العلاقات الدبلوماسية لكبح جماح العدوان المتمادي.
وفيما يلي نص الحوار:
كيف تقيّمون أهمية القمة الطارئة في الدوحة التي تصدرت قطر مشهدها بحضور زعماء العرب والمسلمين رداً على عدوان الكيان الصهيوني؟ وما الأثر الذي قد تتركه هذه القمة على صعيد الدبلوماسية والأمن الإقليمي؟
منير دعير: حملت القمة في طياتها أهميةً بالغةً، غير أن ما يثير في النفس لواعج القلق هو ما تمخضت عنه من نتائج، ورغم أنها لم تكن خارجةً عن دائرة التوقع، إلا أنها تبعث في الروح شجوناً وهواجس عميقة.
يتجلى دور قطر محورياً في استضافة وقيادة دفة هذه القمة، ما رؤيتكم لسياسة الدوحة الخارجية في خضم التطورات المتلاحقة في غرب آسيا، ولا سيما فيما يتصل بدعم حماس والقضية الفلسطينية؟
منير دعير: أرى أن قطر وشقيقاتها من دول مجلس التعاون قد تلقت صيحة تنبيه مدوية؛ فقد تحقق ما ظللنا نحذّر منه أنا وكثيرون غيري منذ أمد بعيد، لقد غدرت أمريكا ليس بقطر وحدها، بل بمجلس التعاون قاطبةً، وكشفت عن وجهها الحقيقي الذي لا يستحق ذرةً من الثقة.
لم يكن ليقع هذا العدوان الصهيوني لولا الضوء الأخضر الأمريكي، وتشير الوثائق المنشورة إلى أن دونالد ترامب لم يكن على دراية به فحسب، بل أصدر بنفسه الإذن بتنفيذه، وما لا يدع مجالاً للشك أن القاعدة العسكرية الأمريكية في العديد بقطر قد استُخدمت كمنصة لتنسيق هذا الهجوم الغادر؛ وهذا ما يفسّر صمت منظومات الدفاع الجوي الأمريكية الباهظة التكلفة إبان الغارة، لقد جرى تعطيلها عمداً لتيسير العدوان، ولا يحتاج المرء إلى عبقرية فذة ليدرك من كان وراء هذا الصمت المريب في تلك اللحظة المصيرية، إن القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في ربوع المنطقة تمثّل خطراً داهماً ليس على الدول المضيفة فحسب، بل على أمن المنطقة برمتها. وقد جسّد الهجوم على قطر بجلاء مدى خطورة هذه القواعد، لا أحد يسمح لأفعى بالعيش في غرفة نومه.
كان ذلك العدوان بمثابة استنساخ للهجوم الذي استهدف إيران، ففي قضية إيران، روّج دونالد ترامب لوهم اجتماع سلام مزعوم في مسقط لحلحلة القضايا النووية، وقد انتظرنا جميعاً ذلك الاجتماع بقلوب مفعمة بالتفاؤل، غير مدركين أن ترامب ونتنياهو كانا يحيكان طوال الوقت مؤامرةً لضرب إيران، وها هو السيناريو ذاته يتكرر مع قطر؛ إذ تشدّق دونالد ترامب بخطة السلام الأمريكية بينما كان الأمريكيون والصهاينة يدبرون في الخفاء مكيدة الهجوم، والعبرة المستخلصة من هذه الواقعة جلية: في المرة القادمة التي تسمع فيها أمريكا تتغنى بأنشودة السلام، فلتستعد لقرع طبول الحرب.
دعا رئيس الجمهورية ووزير الخارجية في إيران إلى رصّ صفوف المسلمين ومقاطعة الكيان الصهيوني، ما الخطوات العملية التي ترون أن الدول الإسلامية قد تتخذها رداً على هذه المحنة؟ وإلى أي مدى تعتقدون أن استدامة هذه الوحدة أمر واقعي في ظل تشابك المصالح وتباينها في المنطقة؟
منير دعير: في قمة الدوحة، أطلق أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية، دعوةً للعالم لاتخاذ إجراءات ضد الكيان الصهيوني، بما في ذلك ممارسة ضغوط اقتصادية، والمفارقة المؤلمة أن بعض الدول التي التقى بها أبو الغيط في رحاب الدوحة، تتبادل سنوياً ما يناهز عشرين مليار دولار من التجارة مع الكيان الصهيوني، وقد استمر هذا النهج حتى في خضم الإبادة الجماعية في غزة وبعد أن طال العدوان الدوحة ذاتها؛ عدوان وقع على مرمى حجر من مقر انعقاد القمة، وفي الوقت نفسه، نجد أن دولاً نائيةً كإسبانيا والنرويج تتخذ خطوات حقيقية وملموسة لفرض عقوبات اقتصادية رادعة على الكيان الصهيوني، ولعل السيد أبو الغيط غافل عما يجري من حوله.
لقد أصغيت إلى جميع كلمات تلك القمة، وما قدّمه المتحدثون لم يتجاوز تکرار الأخبار المكررة عن جرائم الصهاينة، ونحن على دراية تامة بكل هذا؛ بل إن هذا هو السبب الجوهري لانعقاد الاجتماع، كنت أتوق بشغف لسماع ما ستفعله هذه القمة رداً على تلك الفظائع، إنها القمة الرابعة التي تنعقد منذ بدء الإبادة الجماعية في غزة، وكان كل اجتماع سابق بمثابة تبديد محض للوقت والموارد الثمينة.
تسألون عن الخطوات العملية؟ حسناً، تأملوا معي. بوسع سبع وخمسين دولة إسلامية أن توقف فوراً كل التجارة البالغة عشرين مليار دولار التي يمارسها بعضها مع الكيان الصهيوني. ويمكنها أن تحظر على الطائرات القادمة والمغادرة من المطارات الخاضعة للسيطرة الصهيونية عبور الأجواء الإسلامية، وبإمكانها تطبيق المنهج ذاته على السفن، لقد طالبوا الأمم المتحدة بتعليق عضوية الكيان الصهيوني، وهذا مسعى محمود، لكن لماذا لا يبدؤون من بيوتهم أولاً فيقطعون علاقاتهم الدبلوماسية والتجارية؟ هذه إجراءات عملية من شأنها ليس فقط شلّ حركة الكيان الصهيوني تماماً، بل أيضاً إيصال رسالة قوية للعالم بأننا على قدر من الجدية والحزم، وستضع هذه الخطوات حداً فورياً لاستمرار هذه الإبادة الجماعية، تلك هي الإجراءات التي كان ينبغي اتخاذها منذ الاجتماع الأول في جدة.
أدانت منظمة التعاون الإسلامي الهجوم الصهيوني على قادة حماس في الدوحة، في رأيكم، ما الدور الذي يمكن أن تضطلع به منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية في التأثير على ردود الفعل الدولية إزاء ممارسات الكيان الصهيوني؟
منير دعير: لا يمكن أن ينبثق الدور الفاعل إلا من مراكز القوة التي تتحكم في زمام هذه المنظمات، فحينما تعرضت إيران للعدوان، لم تلجأ إلى الدعوة لعقد قمة ولم تطالب بعقوبات اقتصادية أو مناشدات دبلوماسية؛ بل ردت بقوة صاعقة وحاسمة، وأوضحت للكيان الصهيوني عواقب غطرسته.
ما أقدمت عليه إيران أذهل كل من خلط بين صبرها الاستراتيجي والضعف، وشكّك في قدرتها على الرد بالمثل. ولعلكم تذكرون كم الدعوات إلى ضبط النفس التي انهالت من لندن وباريس وبرلين والاتحاد الأوروبي، كانت تلك إشارةً جليةً على أن الكيان الصهيوني سيلقى من العقاب ما يفوق توقعاته وتوقعات داعميه، ولو كان الموقف معكوساً وكانت إيران على شفا الهاوية، لما سمعتم قط مثل هذه النداءات لضبط النفس، لقد برهنت إيران كيف تقف الدول الأبية شامخةً في وجه أعدائها.
كيف تفسّرون التداعيات القانونية والدبلوماسية الدولية للعدوان الصهيوني على قطر؟ وهل يمكن أن تفضي هذه الواقعة إلى تطورات جديدة في القانون الدولي أو فرض عقوبات رادعة؟
منير دعير: كلا، لن يتحرك ساكن ما لم تنهض الدول المستهدفة بروح واحدة وإرادة موحدة لإحداث تغيير حقيقي. فالعالم ليس تحت وصاية أحد، والقوانين لا تُصاغ للضعفاء ولا من أجلهم.
