الوقت- تألقت صناعة المسيرات الإيرانية في العقود الأخيرة بتقدم خارق للعادة، حتى غدت من أبرز معالم القوة الدفاعية والصناعية للقوات المسلحة في المشهد العالمي. وقد تحقق هذا الارتقاء المرموق في ظل حصار اقتصادي خانق وقيود دولية صارمة، وهو ثمرة الاستثمار في المعرفة الوطنية والاكتفاء الذاتي في التقنيات العسكرية.
سمت صناعة المسيرات الإيرانية، متكئةً على العلم الوطني والابتكار، من مسيرات متواضعة في القرن المنصرم إلى إنتاج مسيرات فائقة التطور بعيدة المدى متعددة المهام. وقد عززت هذه الصناعة ليس فقط القدرة الرادعة العسكرية لإيران، بل تحولت إلى أداة استراتيجية في السياسة الخارجية والنفوذ الإقليمي.
تبوأت إيران اليوم مكانةً مرموقةً كإحدى القوى العظمى في ميدان المسيرات عالمياً، بفضل طائراتها المتطورة كـ"شاهد" و"مهاجر" و"غزة"، إلى جانب بنى تحتية متقدمة مثل السفن الحاملة للمسيرات.
ورغم الحصار المضروب، استقطبت إيران أنظار العالم بفضل إنتاجها الوفير لشتى أصناف المسيرات وكفاءتها العالية. وتتناقل وسائل الإعلام الدولية اليوم تقارير عن القدرات الإيرانية في هذا المضمار. ووفقا لخبراء غربيين، فإن وتيرة التقدم الإيراني في هذا المجال قد غيّرت موازين القوى العسكرية إقليمياً وعالمياً.
ازدهار صناعة المسيرات الإيرانية وتنافسها في الساحة العالمية
تواصل صناعة المسيرات الإيرانية اليوم، رغم العقوبات الدولية القاسية، مسيرتها التطويرية بوتيرة تخطف الأبصار، متجاوزةً كل العراقيل والتحديات.
ارتقت هذه الصناعة من إنتاج مسيرات استطلاعية بسيطة إلى تصميم وتصنيع مسيرات قتالية معقدة، وانتحارية، وخفية كـ"شاهد-129" و"غزة" و"حديد-110".
كما رسّخت إيران مكانتها كقوة عظمى في مجال المسيرات عبر تطوير بنى تحتية متقدمة مثل السفينة الحاملة للمسيرات “الشهيد باقري” ومنظومات الحرب الإلكترونية، وهي ماضية بخطى واثقة في تعزيز قدراتها العسكرية والمدنية.
يعكس هذا التقدم المستمر عزم إيران على الاكتفاء الذاتي والحفاظ على تفوقها الاستراتيجي إقليمياً وعالمياً. وتواصل إيران اليوم بعزيمة لا تلين تطوير شتى طرازات المسيرات المتقدمة، متنافسةً بندّية مع الدول الرائدة في هذا المجال، وترتقي بمكانتها كإحدى أبرز القوى العالمية في صناعة المسيرات.
الحرب الاثنا عشرية وتحطيم مسيرات الكيان الصهيوني المتطورة
خلال الحرب التي خاضتها إيران على مدى اثني عشر يوماً في مواجهة اعتداءات الكيان الصهيوني، سعى جيش الاحتلال إلى مهاجمة أهداف متنوعة في مناطق مختلفة من إيران مستخدماً طائرات مسيرة متعددة، لكنه جوبه بتصدٍّ موحّد ودقيق من وحدات الدفاع الجوي التابعة للجيش والحرس الثوري الإيراني، مما أسفر عن إسقاط عدد وافر من مسيرات وطائرات العدو المعتدي.
في هذا السياق، وبعد نحو أسبوعين من الغارات الجوية الصهيونية على إيران والمواجهات بين الطرفين، انتشرت صور لإسقاط مؤكد لمسيرات إسرائيلية حديثة ومتطورة في وسائل الإعلام المحلية والدولية.
ورغم التزام الصهاينة الصمت طوال عملياتهم العسكرية بشأن إسقاط هذه المسيرات، إلا أن الصور ومقاطع الفيديو الموثقة من مواقع في وسط وغرب إيران، قدّمت سرداً جلياً للمسيرات الإسرائيلية المحطمة خلال العمليات في إيران.
وفي هذا الصدد، واستناداً إلى الصور التي نشرتها مصادر عسكرية، أسقطت خلال هذه الحرب ما لا يقلّ عن ثمان مسيرات إسرائيلية داخل الأراضي الإيرانية على يد قوات الدفاع الجوي.
كانت أولى عمليات الإسقاط المؤكدة لمسيرة من طراز “هرمس 900” تحمل الرقم التسلسلي 997، والتي وفقاً للتقارير هوت قرب مدينة أصفهان وسط إيران. هذه المسيرة الإسرائيلية الصنع صممت لمهام الاستطلاع والمراقبة وجمع المعلومات بعيدة المدى.
ووفقاً للوثائق المنشورة، أسقطت مسيرة أخرى من النوع نفسه في محافظة لرستان غرب إيران. كما أسقطت مسيرة ثالثة من طراز “هرمس 900” تحمل الرقم التسلسلي 939 في محافظة "مركزي".
وبحسب خبراء التسليح الصهاينة، فإن هذه المسيرات الثلاث من طراز “هرمس” تعد من أكثر الأصول تطوراً في أسطول المسيرات الإسرائيلي، وهي قادرة على التحليق على ارتفاعات شاهقة وحمل حمولات متعددة المستشعرات.
ومن بين أضخم المسيرات الإسرائيلية التي تأكد إسقاطها، طائرة ثقيلة بعيدة المدى من طراز “إيتان” من شركة IAI للصناعات العسكرية، والتي طورتها صناعات الفضاء الإسرائيلية. وأظهرت الصور المنشورة أن هذه المسيرة أسقطت في غرب إيران.
كما عثر السكان المحليون في محافظة لرستان على حطام مسيرتين من نوع IAI تحملان الرقمين التسلسليين 298 و248، ونشرت صور لبقاياهما التي تحمل شارة الصناعات الصهيونية على وسائل التواصل الاجتماعي.
ووفقاً للتقارير، عثر على مسيرتين إسرائيليتين أخريين من طراز غير معروف قرب مدينة "كاشان"، حيث تشير الخصائص الهيكلية لإحداهما، مع الرقم التسلسلي 8373، إلى احتمال أن تكون هذه المسيرات من الطرازات الأحدث في سلسلة “أوربيتر” المستخدمة للاستطلاع التكتيكي واستهداف الأهداف في الوقت المناسب.
نظرة على المسيرات الإسرائيلية المسقطة في إيران
كما ذُكر آنفاً، من بين المسيرات المعادية التي أسقطتها الدفاعات الإيرانية، تعد طرازات “هرمس 900” و"إيتان" و"أوربيتر" الأكثر تميزاً، إذ تحتوي على تقنيات تسليحية نادرة.
1. مسيرة هرمس 900 (Hermes 900)
الصانع: شركة “إلبيت سيستمز” الإسرائيلية
النوع: مسيرة تكتيكية متوسطة الارتفاع طويلة التحمل (MALE)
الأبعاد: طول 8.3 متر، امتداد الجناح 15 متراً، وزن الإقلاع الأقصى 1180 كيلوغراما
مدة التحليق: تصل إلى 36-40 ساعة
سقف التحليق: يصل إلى 30,000 قدم (نحو 9,100 متر)
القدرات: مزودة بمستشعرات كهروبصرية، وأشعة تحت الحمراء، ورادار ذي فتحة اصطناعية (SAR)، وأنظمة حرب إلكترونية. قادرة على حمل صواريخ موجهة وقنابل خفيفة.
الاستخدام: الاستطلاع والمراقبة وجمع المعلومات والهجوم الدقيق. صُمّمت للعمل في ظروف جوية قاسية ولمدى يتجاوز 1,000 كيلومتر باتصالات فضائية.
تعدّ هذه المسيرات من الأصول الرئيسية لـ "إسرائيل" نظراً لقدرتها على التحليق على ارتفاعات شاهقة وحمل مستشعرات فائقة التطور. وإسقاطها لم يضعف القدرات الاستخبارية الإسرائيلية فحسب، بل إن حطامها يتيح لإيران إمكانية الهندسة العكسية والوصول إلى تقنيات متقدمة.
2. مسيرة إيتان (IAI Eitan)
الصانع: صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI)
النوع: مسيرة ثقيلة بعيدة المدى ذات قدرات قتالية واستطلاعية
الأبعاد: طول نحو 12 متراً، امتداد الجناح 26 متراً، وزن الإقلاع الأقصى 5,400 كيلوغرام
مدة التحليق: تتجاوز 36 ساعة
سقف التحليق: يصل إلى 45,000 قدم (نحو 13,700 متر)
القدرات: مزودة بمستشعرات متطورة للاستطلاع والمراقبة، وقادرة على حمل أسلحة ثقيلة كالصواريخ الموجهة. مصممة للمهام الاستراتيجية والعمليات في عمق أراضي العدو.
تعدّ “إيتان” من أهم المسيرات الإسرائيلية نظراً لمداها البعيد وقدرتها على حمل حمولات ثقيلة. وقد شكّل إسقاطها ضربةً للقدرات الهجومية والاستخبارية الإسرائيلية، كما أن حطامها وفّر معلومات حساسة عن التقنيات الإسرائيلية لإيران.
3. مسيرة أوربيتر (Orbiter)
الصانع: شركة “أيرونوتكس سيستمز” الإسرائيلية
النوع: مسيرة خفيفة وتكتيكية للمهام قصيرة المدى
الأبعاد: طول نحو 1.3 متر، امتداد الجناح 3-4 أمتار (حسب الطراز)، وزن الإقلاع 10-30 كيلوغراما
مدة التحليق: 3-7 ساعات (حسب الطراز)
سقف التحليق: يصل إلى 18,000 قدم (نحو 5,500 متر)
القدرات: مزودة بمستشعرات كهروبصرية وأشعة تحت الحمراء للاستطلاع التكتيكي والاستهداف. مصممة للعمليات السريعة والرشيقة، مع إمكانية الإطلاق اليدوي أو من منصة.
أسقطت مسيرتان من الطرازات الجديدة في سلسلة “أوربيتر” (يُرجّح أنها أوربيتر 3 أو 4) تحمل الرقم التسلسلي 8373 قرب كاشان، وكانت تستخدم للاستطلاع التكتيكي والاستهداف اللحظي. وتتميز “أوربيتر” بحجمها الضئيل ورشاقتها، وهي مصممة للعمليات السرية والاستطلاع السريع.
مغانم استراتيجية وآفاق مستقبلية
يعدّ إسقاط المسيرات الإسرائيلية المتطورة مثل “هرمس 900” و"إيتان" و"أوربيتر" في الحرب الاثني عشرية (يونيو 2025)، إنجازاً جليلاً للقوات المسلحة الإيرانية. فحطام المسيرات المسقطة، خاصةً “هرمس 900” و"إيتان"، يحتوي على تقنيات حساسة مثل المستشعرات الكهروبصرية، والرادارات المتطورة، وأنظمة الحرب الإلكترونية، والاتصالات الفضائية.
وبفضل خبرتها الراسخة في الهندسة العكسية (كما في نموذج المسيرة الأمريكية RQ-170 عام 2011)، يمكن لإيران تحليل هذه التقنيات وتوظيفها في تصميم مسيراتها الجديدة مثل سلسلة “شاهد” أو “حديد”. وهذا قد يؤدي إلى تحسين الدقة والمدى والتخفي والقدرات القتالية للمسيرات الإيرانية.
لقد عزّز هذا النجاح مكانة إيران كقوة في مجال المسيرات إقليمياً وعالمياً. فالقدرة على إسقاط مسيرات إسرائيلية، التي تعدّ من أكثر المسيرات تطوراً في العالم، قد تزيد من ثقة العملاء الدوليين بالتقنيات الإيرانية، وتوسّع سوق صادرات المسيرات الإيرانية.
كما أظهر إسقاط هذه المسيرات أن منظومات الدفاع الجوي الإيرانية، مثل “مجيد” أو “الثالث من خرداد”، قادرة على رصد وتدمير مسيرات متطورة ذات تقنية التخفي. وتوفّر هذه التجربة العملية معلومات ثمينة لتطوير منظومات الدفاع الجوي الإيرانية، مما يسهم بشكل غير مباشر في حماية البنى التحتية للمسيرات وتعزيز تفوق إيران.
