الوقت- في تصريح لافت يحمل أبعادًا سياسية عميقة، وجّه زعيم الطائفة الدرزية الشكر للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مطالبًا بتحقيق دولي في أحداث العنف الأخيرة التي شهدتها محافظة السويداء جنوب سوريا. هذه الدعوة ليست مجرد موقف إنساني، بل تأتي في سياق تاريخي وسياسي معقد، حيث تشوب العلاقة بين الدروز والحكومة السورية الحالية حالة من التوتر الواضح، تفاقمت في السنوات الأخيرة بسبب سياسات الإقصاء والتهميش.
السويداء… محافظة مهمشة على هامش الصراع
رغم أن السويداء ظلت إلى حد كبير خارج نطاق المعارك الكبرى في الحرب السورية، فإنها لم تسلم من آثار الأزمة. فالسياسات الاقتصادية والأمنية للحكومة السورية، بالإضافة إلى تفشي الفساد، دفعت قطاعات واسعة من سكانها إلى الشعور بالإحباط والاستياء.
الطائفة الدرزية، التي تشكل الغالبية في السويداء، تتهم السلطات بعدم الاستجابة لمطالبها الاقتصادية والأمنية، وبتجاهل خصوصية المحافظة وتركها عرضة للفوضى الأمنية وانتشار عصابات الخطف والتهريب.
تصريحات الزعيم الدرزي: تحدٍ مباشر لدمشق
عندما يوجّه الزعيم الدرزي شكره لترامب تحديدًا، فإن الرسالة تتجاوز الشكر الشخصي، لتصبح إعلانًا سياسيًا بأن الطائفة لا ترى في الحكومة السورية الحالية حليفًا يمكن الوثوق به.
ترامب، الذي اشتهر بمواقفه الحادة تجاه دمشق ودعمه لبعض القوى المناهضة لها، يمثل بالنسبة للبعض في السويداء رمزًا للضغط الدولي على السلطة السورية. لذا فإن شكر ترامب في هذا السياق يُقرأ كإشارة بحث عن دعم خارجي في مواجهة سياسات الحكومة.
المطالبة بتحقيق دولي: ورقة ضغط سياسية
المطالبة بتحقيق دولي في أحداث السويداء الأخيرة ليست مجرد دعوة شكلية، بل ورقة ضغط تستهدف إحراج الحكومة السورية أمام الرأي العام الدولي.
الزعيم الدرزي يدرك أن تحقيقًا كهذا قد يكون صعب المنال بسبب معارضة روسيا والصين في مجلس الأمن، لكنه يعلم أيضًا أن مجرد طرحه سيعيد تسليط الضوء على ما تعتبره السويداء "انتهاكات" بحق أهلها.
خلفية التوتر بين الدروز والحكومة الحالية
منذ وصول الحكومة السورية الجديدة إلى السلطة، دخلت علاقتها بالطائفة الدرزية في مرحلة توتر علني وغير مسبوق. الدروز في السويداء شعروا أن الإدارة الجديدة لم تُبدِ أي نية لمعالجة ملفاتهم العالقة، بل اتبعت سياسات زادت من تهميش المحافظة وعزلها اقتصاديًا وأمنيًا.
فبدلًا من الاستجابة لمطالب تحسين الوضع المعيشي وضمان الأمن المحلي، اتهمت شخصيات درزية بارزة الحكومة الحالية بالتقصير المتعمد، وترك المحافظة عرضة للفوضى وانتشار عصابات الخطف والتهريب.
كما رأت أوساط واسعة في السويداء أن الحكومة الجديدة تحاول فرض إرادتها بالقوة، سواء عبر ضغوط أمنية أو محاولات لتغيير موازين القوى المحلية، ما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات وفتح الباب أمام مواجهات مسلحة محدودة في الأشهر الأخيرة.
هذه السياسات عززت القناعة لدى جزء كبير من الدروز بأن الحكومة الحالية لا تمثل شريكًا موثوقًا، بل طرفًا يسعى لإضعاف مكانة السويداء وتقليص دورها في المعادلة الوطنية.
البعد الأمريكي والإقليمي
شكر ترامب ليس معزولًا عن سياق السياسة الأمريكية في المنطقة. فخلال رئاسته، تبنى ترامب مواقف اعتبرها كثيرون في السويداء داعمة لمصالح الأقليات السورية، خاصة موقفه من الجولان الذي يضم شريحة من الدروز، وفرضه عقوبات قاسية على دمشق عبر قانون "قيصر".
كما أن التصريح قد يحمل رسالة إلى دول إقليمية مثل الأردن وإسرائيل، اللتين تتابعان عن كثب التطورات في السويداء لما لها من موقع جغرافي حساس، إضافة إلى بعض دول الخليج الفارسي.
ردود الفعل المحتملة
1- دمشق: قد تعتبر التصريح تصعيدًا وخروجًا عن الخطوط الحمراء، وقد ترد بتشديد القبضة الأمنية في السويداء أو محاولة احتواء الموقف عبر قنوات محلية.
2- المعارضة السورية الدرزية: قد تجد في الموقف دعمًا لروايتها حول انتهاكات الحكومة، وتوظفه سياسيًا في المحافل الدولية.
3- الولايات المتحدة وحلفاؤها: ربما تستخدم هذه الدعوة لتبرير استمرار العقوبات والضغط الدبلوماسي على دمشق.
السويداء بين خيارين
الطائفة الدرزية اليوم أمام خيارين أحلاهما مر: إما الانخراط في تسويات مع دمشق رغم انعدام الثقة، أو تصعيد الموقف والسعي للحصول على دعم خارجي، وهو خيار محفوف بالمخاطر في ظل التعقيدات الإقليمية.
وفي الحالتين، يظل خطر الفوضى الأمنية ماثلًا، خاصة إذا استمرت المواجهات المسلحة أو تصاعدت الاحتجاجات.
التحديات المستقبلية
1- الوحدة الداخلية: الطائفة ليست كتلة سياسية متجانسة، والانقسام الداخلي قد يضعف قدرتها على فرض أي موقف موحد.
2- الضغط الاقتصادي: استمرار التدهور الاقتصادي في سوريا يفاقم معاناة السويداء ويزيد من احتمالات الانفجار الاجتماعي.
3- التدخلات الخارجية: أي انفتاح على دعم خارجي قد يفتح الباب أمام صراعات إقليمية داخل المحافظة.
في النهاية، تصريحات زعيم الدروز الأخيرة تمثل لحظة فارقة في علاقة الطائفة الدرزية بالحكومة السورية. فهي ليست مجرد موقف عابر، بل رسالة تحدٍ صريحة تشير إلى أن الدروز لم يعودوا مستعدين للصمت أمام ما يرونه انتهاكات وتهميشًا متعمدًا.
وبينما قد لا يتحقق التحقيق الدولي في القريب العاجل، فإن هذا المطلب يضع السويداء على خريطة الصراع السياسي والإعلامي مجددًا، ويعيد طرح سؤال جوهري: هل يمكن للدروز أن يحافظوا على خصوصيتهم ومطالبهم في ظل سلطة مركزية متصلبة، أم أن المرحلة المقبلة ستشهد تحولات جذرية في موقعهم داخل المشهد السوري؟