الوقت - انبثق مؤتمر رؤساء برلمانات العالم من رحم الألفية الجديدة عام 2000، إذ وُجهت الدعوة إلى صفوة قادة المجالس النيابية في شتى بقاع الأرض، وتمحورت أطروحاته الرئيسة حول ثالوث السلام والديمقراطية والتنمية من منظور المؤسسات التشريعية، يُعد هذا المؤتمر حلقةً في سلسلة اجتماعات رفيعة المستوی تفضي إلى الملتقى السنوي للأمم المتحدة الذي عُقد في أواخر سبتمبر 2015، والذي شدّد على غايات التنمية المستدامة.
يتولى تنظيم هذا المؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي (IPU) - أکبر اتحاد غير حكومي في العالم - ويقتصر على صفوة رؤساء البرلمانات، يضاهي هذا الاتحاد منظمة الأمم المتحدة من حيث الشمول والاتساع، مع التنويه بالدور المحوري للبرلمانات في نسيجه، تتمثل غاية الاتحاد البرلماني الدولي في توطيد دعائم السلام والأمن عبر الحوار البنّاء، وترسيخ قيم الديمقراطية، والتشديد على صون حقوق الإنسان، حيث يهيئ مناخاً مواتياً لفضّ المنازعات ودرء الصراعات، وتعزيز التعاون متعدد الأطراف بين الدول الأعضاء.
يرتبط هذا الاتحاد البرلماني بوشائج متينة مع الأمم المتحدة، وإن توثيق عرى التفاعل بينهما يسهم في الانتفاع الأمثل من مقدرات هاتين المؤسستين الدوليتين، لتوطيد أركان الأمن والسلام العالميين، تأسس هذا الاتحاد في عام 1889، وقد دأب منذ مطلع الألفية الثالثة على عقد مؤتمر كل خمس سنوات يجمع تحت قبته رؤساء برلمانات الدول الأعضاء.
نظراً للصلة الوثقى بين “مؤتمر رؤساء برلمانات العالم” كفرع من الاتحاد البرلماني الدولي والأمم المتحدة، شكّل المؤتمر السادس المنعقد في جنيف فرصةً سانحةً للذود عن حقوق الشعب الفلسطيني، حيث سعى الوفد الإيراني إلى تحقيق هذه الغاية من خلال تسليط الأضواء على مأساة غزة النازفة، شارك في هذا الاجتماع أكثر من 110 دول، وانعقد بصورة مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد البرلماني الدولي.
الدبلوماسية الإيرانية الفاعلة في جنيف
حققت البعثة الإيرانية في وفادتها إلى جنيف مكاسب دبلوماسية جليلة، يمكن إيجازها في المحاور الآتية:
فضح فظائع الكيان الصهيوني في غزة: اعتلى رئيس مجلس الشورى الإيراني منصة الخطابة في اليوم الثاني من زيارته إلى جنيف، خلال الجلسة الرئيسة للمؤتمر السادس لرؤساء برلمانات العالم، حيث أسهب في بيان جرائم الكيان الصهيوني في أرجاء المنطقة، ولا سيما في غزة، والعدوان السافر على إيران، وقد رفع صورة الشهيد ريان قاسميان ابن الشهرين، الذي ارتقى في الحرب التي استعرت اثني عشر يوماً على يد الکيان الصهيوني، وصورة طفل من غزة تحت عنوان “قفوا في وجه نازية القرن الحادي والعشرين”، ما استرعى أنظار الحاضرين ووسائل الإعلام العالمية إلى بشاعة جرائم الكيان الصهيوني.
عقد ندوة “الالتزام بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لضمان السلام والأمن الدوليين”: بمبادرة إيرانية رائدة، تناولت هذه الندوة الفظائع التي يقترفها الكيان الصهيوني، ما أدى إلى إحباط مساعي اللوبي الصهيوني الحثيثة على الساحة الدولية ضد إيران، حظيت هذه الندوة بمشاركة واسعة شملت 31 وفداً برلمانياً، بمن في ذلك ممثلون عن برلمانات روسيا والمملكة العربية السعودية وقطر وباكستان والصين وعُمان وكوبا، إضافةً إلى ثلاث منظمات دولية مرموقة.
لقاءات ثنائية مكثفة: عقد رئيس مجلس الشورى الإيراني سلسلة مباحثات مع أكثر من عشرة من نظرائه من شتى الدول، فضلاً عن مسؤولين بارزين من المنظمات الدولية، وكانت قضية جرائم الكيان الصهيوني في غزة وإدانة العدوان الإسرائيلي الغاشم على إيران الذي امتد اثني عشر يوماً، المحور الرئيس لجميع هذه اللقاءات.
انزواء الوفد الصهيوني وانكفاؤه
على النقيض من الدبلوماسية الإيرانية النشطة في مؤتمر جنيف، واجه الصهاينة استقبالاً فاتراً وعزلةً دبلوماسيةً باديةً للعيان:
انسحاب الوفود الدبلوماسية أثناء خطاب رئيس الكنيست: اتسمت كلمة “أمير أوهانا” رئيس برلمان الكيان الصهيوني (الكنيست) بالإثارة والجدل، فبالتزامن مع إلقائه خطابه، غادرت الوفود البرلمانية الإيرانية واليمنية والجزائرية والفلسطينية قاعة المؤتمر احتجاجاً على جرائم الكيان الصهيوني، وقد حظيت هذه الخطوة الاحتجاجية بتغطية إعلامية واسعة النطاق.
ردود فعل ساخطة على اقتراح رئيس الكنيست المنافي للإنسانية: عجز رئيس برلمان الكيان الصهيوني عن كتمان سورة غضبه من تصريحات رئيس مجلس الشورى الإيراني، ورفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة، زاعماً أن “الدولة الفلسطينية يمكن أن تُنشأ في لندن أو باريس”، وهو ما أثار موجةً من السخط والاستنكار في أرجاء القاعة، حيث عُدّت إهانة صارخة لحقوق الشعب الفلسطيني وأعراف الدبلوماسية الدولية.
إقرار الصهاينة بانزوائهم وانكفائهم
يعترف العديد من الخبراء والشخصيات الصهيونية بانزواء تل أبيب على الساحة الدولية:
اعتراف وزير الحرب الصهيوني السابق: قبل أسبوعين، أقرّ “أفيغدور ليبرمان” وزير الحرب السابق للكيان الصهيوني بانزواء "إسرائيل" وحكومة بنيامين نتنياهو عالمياً، وشدّد ليبرمان على ضرورة استعادة (الكيان) الإسرائيلي لمكانته في العالم، قائلاً إن الحرب في غزة حوَّلتنا إلى منبوذين على الساحة الدولية.
الانهيار الدبلوماسي: نقلت صحيفة “هآرتس” عن المحلل الصهيوني في الشؤون السياسية “يوسي فرتر” قوله: “إسرائيل تشهد تداعياً دبلوماسياً يشمل الإخفاق الداخلي والانزواء العالمي، وتضاؤل الدعم من الحلفاء القدامى”.
فقدان التأييد العالمي: أكد “ناداف إيال” الصحفي الصهيوني أن "إسرائيل" في حرب غزة قد أوقعت نفسها في شرك الهزيمة بسبب الإخفاق السياسي وتلاشي الدعم العالمي وانهيار الشرعية الأخلاقية، وخاصةً في ظل غياب أي أفق واضح لإنهاء الحرب من قبل حكومة نتنياهو وتجاهل مطالب المجتمع الدولي.
الانزلاق نحو العزلة: کتب “بن كاسبيت” محلل صحيفة “معاريف” في مقال: “نتنياهو ينشد نصراً مستحيلاً ويدفع إسرائيل نحو الانزواء التام، لقد أضحينا منبوذين، تنكر لنا حلفاؤنا، والعالم يوصد أبوابه في وجوهنا، بيد أن نتنياهو لا يأبه، وبينما يسعى العالم إلى نبذ "إسرائيل" من الإجماع الدولي، فإنه لا يفكر إلا في استئصال شأفة سكان غزة”.