الوقت - أدّى تدخل الولايات المتحدة لعرقلة دفع رواتب 200 ألف من أعضاء الحشد الشعبي الرسميين، إلى تأجيج أزمة سياسية جديدة في العراق. وعلى الرغم من أن الحشد الشعبي، بموجب الدستور العراقي، يُعتبر جزءاً من القوات النظامية للجيش العراقي، إلا أن الحكومة العراقية أعلنت، تحت ذريعة ما وصفته بـ"الأسباب الفنية"، أنها غير قادرة على دفع مستحقات أعضاء الحشد الشعبي.
وفي هذا السياق، كشف “ميثم الزيدي”، أحد كبار مسؤولي الحشد الشعبي، أن وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الاحتياطي الفيدرالي قد أبلغا مصرف الرافدين العراقي، المسؤول عن دفع رواتب الحشد الشعبي، بوجوب تعليق هذه المدفوعات تحت إطار العقوبات الأمريكية.
وتذرّعت واشنطن بأن قوائم رواتب الحشد الشعبي تفتقر إلى الشفافية، وزعمت أن الأسماء المدرجة قد تكون وهميةً، وأن الأموال تُستخدم لأغراض أخرى. كما تضغط الولايات المتحدة لدفع الحشد الشعبي نحو الاندماج ضمن قوات الأمن الداخلي العراقية، وهي خطوة تؤدي عملياً إلى تفكيك الحشد كمكوّن مستقل ومنسجم داخل الجيش العراقي.
ويأتي وقف دفع رواتب الحشد الشعبي بالتزامن مع تجميد مصرف الرافدين الشهر الماضي للميزانية التشغيلية الخاصة بالحشد، والتي كانت تُستخدم لتأمين الوقود والمعدات وسائر الاحتياجات اللوجستية.
يرى المراقبون أن هذه الاضطرابات ليست إلا جزءاً من حملة أمريكية مُمنهجة ضد الحشد الشعبي، وهي امتداد لمشروع أكبر تقوده واشنطن وتل أبيب ضد محور المقاومة، والذي يمتد في الوقت ذاته إلى غزة ولبنان واليمن وسوريا.
التكتيكات الاقتصادية والإعلامية والميدانية: أدوات متزامنة للضغط
تأتي هذه الضغوط الاقتصادية، التي تستهدف البنية الأساسية للحشد الشعبي، متزامنةً مع حملة إعلامية شرسة ضد قوات المقاومة. ويرى البعض أن هذا التلاقي بين الضغوط الاقتصادية والتصعيد الإعلامي، يحمل دلالات تنذر بتنفيذ عمليات اغتيال ممنهجة تستهدف القادة السياسيين والعسكريين المرتبطين بالحشد، بالتزامن مع قصف مستودعات الأسلحة التابعة له.
وعلى صعيد المشهد السياسي، هناك من يرى أن التطورات الأخيرة، مثل انسحاب التيار الصدري من الانتخابات وتحركات ائتلاف النصر بقيادة “حيدر العبادي”، لا يمكن فصلها عن هذه الأحداث. فبعض القوى السياسية تسعى لتقديم نفسها كقوى شيعية “معتدلة” تختلف عن التيارات الداعمة للحشد الشعبي، في محاولة لتأمين موطئ قدم بعيداً عن تبعات الضغوط الدولية.
رهانات صهيونية وأمريكية على اضطرابات داخلية
وفي الوقت ذاته، يبدو أن هناك تصوراً لدى المسؤولين الأمريكيين والصهيونيين بأن تأخير دفع مستحقات أعضاء الحشد الشعبي قد يؤدي إلى اضطرابات واسعة النطاق، بما في ذلك مظاهرات احتجاجية أو حتى تحركات أمنية مسلحة. وقد يرون في هذه الاضطرابات فرصةً لاستغلال الجيش العراقي وأجهزة استخباراته لقمع الحشد، مما يُمهّد الطريق نحو نشوب حرب داخلية تُضعف المكون الشيعي في المشهد السياسي العراقي.
في المحصلة، يتضح أن الوضع الحالي في العراق يزداد تعقيداً، إذ يتحرك المشهد، تحت توجيه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، نحو مزيد من اللااستقرار وأزمات سياسية خانقة.