الوقت- نشرت قناة "دراسات الشرق الاستراتيجية" على تيليجرام مقالاً حول تقييم السياسة الخارجية لإدارة ترامب الثانية واعتباراتها المتعلقة بأفغانستان:
بعد فوزه في انتخابات نوفمبر 2024، نجح ترامب في تشكيل إدارته الثانية بعد انقطاع دام أربع سنوات، واتباع استراتيجيته الخاصة في السياسة الخارجية، ويمكن استخلاص هذه الاستراتيجية من سلوك هذه الإدارة وتوجهات ترامب الشخصية والشخصيات المؤثرة في حكومته في مجال السياسة الخارجية، قبل تشكيل إدارة ترامب الثانية، اقترح محللو السياسة الخارجية الأمريكية نموذجين لسياسته الخارجية الجديدة:
استمرار استراتيجية الإدارة الأولى
التعلم من إخفاقات الإدارة الأولى واعتماد مسار جديد
لكن بات واضحاً الآن أن السياسة الخارجية لإدارة ترامب الثانية تتشابه كثيراً مع إدارته الأولى، من أهم هذه التشابهات الارتباك والتضارب في التصريحات والسلوكيات، وتقديم ادعاءات كبيرة فاشلة، وعدم استقرار مواقف المسؤولين المؤثرين في السياسة الخارجية (على سبيل المثال، إقالة مستشار الأمن القومي والتز)، وتجنب المؤسسية والتعددية، وتبني مواقف متطرفة ومتذبذبة، ولا سيما في مجالات التجارة، إلخ.
لذلك، ونظرًا لقصر فترة تولي إدارة ترامب الثانية للسلطة، فإن الجوانب الرئيسية لسياسات ترامب في ولايته الأولى يمكن أن تساعد أيضًا في فهم كيفية تشكيل استراتيجيته الخارجية في ولايته الثانية، لذلك، يحاول ما يلي شرح سياسة ترامب الخارجية واعتباراتها تجاه أفغانستان، بالاعتماد على تجربة الإدارة الأولى ونهجه وسلوكياته ورجال دولته خلال الأشهر الماضية.
المحاور الرئيسية لسياسة ترامب الخارجية
يمكن وصف سياسة دونالد ترامب الخارجية بأنها سياسة تركز على نوع من القومية المتطرفة، والدبلوماسية التبادلية، والتشكك في التعددية، تُشدد مذهبه في السياسة الخارجية، الذي يُشار إليه غالبًا باسم "أمريكا أولًا"، على أهمية سيادة الولايات المتحدة وتفوقها، وضرورة تقليص التدخل العسكري الأمريكي في الخارج، والتردد في الاعتماد على أطر الحوكمة العالمية والتحالفات التقليدية، وقد كان لهذا النهج دورٌ حاسم في إعادة تشكيل الدبلوماسية الأمريكية، ولا سيما في الشرق الأوسط وأفغانستان، وفي هذا الصدد، تُمثل استراتيجية ترامب في السياسة الخارجية في الشرق الأوسط وأفغانستان حتى الآن استمرارًا لاستراتيجية إدارته الأولى.
خلال إدارته الأولى، سعى ترامب إلى تحرير الولايات المتحدة من "الحروب التي لا تنتهي"، ولا سيما في أفغانستان والعراق وسوريا، وتُوجت جهود الإدارة الأولى لإنهاء التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان بمحادثات السلام مع طالبان واتفاقية الدوحة عام 2020.
وقد انتقد ترامب تعامل إدارة بايدن مع الاتفاقية، ومن المرجح أن يتخذ موقفًا أكثر حزمًا في المفاوضات المحتملة مع طالبان، وردًا على ذلك، علّق ترامب جزءًا كبيرًا من المساعدات المالية الأمريكية لأفغانستان في الأشهر الأخيرة، باختصار، ترتكز السياسة الخارجية لإدارة ترامب الثانية على ما يلي:
أ) فك الارتباط الاستراتيجي: من المرجح أن يواصل ترامب سياسته المتمثلة في تقليص الالتزامات العسكرية الأمريكية في الخارج، مؤكدًا على ضرورة تجنب الولايات المتحدة "بناء الدول" والصراعات العسكرية التي لا تخدم مصالحها الوطنية المباشرة.
ب) الدبلوماسية التبادلية: من المرجح أن يُفضل ترامب المفاوضات الثنائية مع الجهات الفاعلة الدولية الرئيسية، بالإضافة إلى خصوم الولايات المتحدة مثل طالبان وكوريا الشمالية وإيران، بدلًا من الاعتماد على المؤسسات الدولية أو الدبلوماسية متعددة الأطراف؛ على الأقل هذا ما كان عليه الحال مع إيران حتى الآن، حيث انحصرت مفاوضات إيران مع القوى الست الكبرى خلال خطة العمل الشاملة المشتركة في مفاوضات إيرانية أمريكية. ويجري اتباع النموذج نفسه مع روسيا، وقد ينطبق الأمر نفسه على المفاوضات المحتملة مع طالبان.
ج) المصلحة الوطنية الأمريكية: من المرجح أن يُبرر ترامب قرارات السياسة الخارجية بتأطيرها على أنها تخدم المصالح الأمريكية، مع التركيز على الأمن، والهيمنة على سوق الطاقة، ومكافحة الإرهاب، بدلًا من حماية حقوق الإنسان أو تعزيز الديمقراطية في الخارج، هذا يعني تحولاً في بعض أولويات السياسة الخارجية الأمريكية.
غياب أولوية حقوق الإنسان في ولاية ترامب الثانية
يُعدّ نهج إدارة ترامب تجاه حقوق الإنسان مصدر قلق رئيسي في السياسة الخارجية لإدارة ترامب، سواءً في ولايتيها الأولى والثانية. وكثيراً ما وُجهت انتقادات لسياسة ترامب الخارجية لتقليصها من شأن حقوق الإنسان لمصلحة السياسة الواقعية والمصلحة الوطنية.
ويُعدّ نهج إدارة ترامب الأولى تجاه دول مثل المملكة العربية السعودية وروسيا وكوريا الشمالية مثالاً على ذلك.،فكثيراً ما تم تهميش انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها هذه الأنظمة لمصلحة التحالفات الاستراتيجية أو المصالح الاقتصادية، ويبدو أن هذا النهج سيستمر على الأرجح في ولاية ترامب الثانية، أما في أفغانستان، فسيستمر تدهور وضع حقوق الإنسان خلال ولاية ترامب الثانية، ولا سيما فيما يتعلق بحقوق المرأة.
أدت عودة طالبان إلى السلطة عام ٢٠٢١ إلى فرض قيود واسعة النطاق على تعليم المرأة وعملها ونشاطها في أفغانستان، تُمثل هذه السياسات تراجعًا حادًا عن مكاسب ما بعد عام ٢٠٠١، ومن المرجح أن يُفاقم عدم إعطاء ترامب الأولوية لحقوق الإنسان هذا التراجع.
علاوة على ذلك، من المرجح أن يُخفف تركيز إدارة ترامب الثانية على عدم التدخل الضغط على طالبان للالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، هذا لا يعني أن ترامب وكبار مسؤولي إدارته لن يتخذوا موقفًا بشأن حقوق الإنسان إطلاقًا، بل إن ترامب سيتخذ موقفًا بشأن حقوق الإنسان "بشكل عام" ولن يجعلها المحور الرئيسي للسياسة الأمريكية تجاه أفغانستان.
ومن المرجح أيضًا أن تُقدم الولايات المتحدة شكلًا من أشكال المساعدة الإنسانية للنساء والفتيات الأفغانيات، ومن المرجح أن تكون هذه المساعدة مشروطة بتعاون حكومة طالبان في مكافحة الإرهاب بدلًا من التزامها بتعزيز المساواة بين الجنسين، بالإضافة إلى ذلك، قد يعتمد ترامب على الجهات الفاعلة المحلية، والمنظمات غير الحكومية الدولية، أو دول أخرى في المنطقة لدعم حقوق الإنسان، لكنه سيركز بشكل أساسي على المخاوف الأمنية الأمريكية، نهج إدارة ترامب الثانية تجاه أفغانستان.
تمثلت استراتيجية إدارة ترامب الأولى تجاه أفغانستان في مزيج من الضغط العسكري، متبوعًا بتحول سريع نحو المفاوضات مع طالبان، وكان هذا التحول جزءًا من رغبته الأوسع في إنهاء التدخل العسكري الأمريكي طويل الأمد في المنطقة، ومن المرجح أن يواصل ترامب، في ولايته الثانية، السعي إلى تقليص التدخل العسكري الأمريكي، مقدمًا هذا القرار على أنه تحقيق لأجندته "أمريكا أولاً".
كان هدف ترامب المعلن في ولايته الأولى هو سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، ورغم أن الطبيعة الفوضوية للانسحاب الأمريكي في عهد بايدن شوهت صورة ذلك الاتفاق، إلا أن ترامب قد يرى في استيلاء طالبان على أفغانستان في نهاية المطاف نتيجة طبيعية لسياسة الانسحاب الأمريكية، بل قد يقلل من شأن التداعيات الإنسانية، مركّزًا على خفض الضرائب الأمريكية وضرورة تدخل دول أخرى وتحمل مسؤوليتها، وبالتالي، من المرجح أن يتأثر الوضع في أفغانستان خلال ولاية ترامب الثانية بالمتغيرات التالية:
أ) المفاوضات مع طالبان: قد يستأنف ترامب التواصل الدبلوماسي مع طالبان لضمان وفاء الحركة بالتزاماتها في مكافحة الإرهاب، مع التركيز على منع أفغانستان من أن تصبح ملاذًا آمنًا للجماعات المتطرفة مثل "داعش" والقاعدة.
ب) مساعدات إنسانية محدودة: بدلًا من برنامج مساعدات خارجية شامل، قد تقدم إدارة ترامب الثانية مساعدات إنسانية محدودة، مشروطة بتعاون طالبان في تحقيق أهداف محددة لمكافحة الإرهاب أو حماية بعض ضمانات حقوق الإنسان.
ج) عدم الاعتراف بطالبان: على الرغم من الأمرين المذكورين أعلاه، واللذين يصبان في صالح طالبان إلى حد كبير، من المرجح أن تواصل إدارة ترامب الثانية سياستها المتمثلة في عدم الاعتراف بطالبان، أو على الأقل ألا تبادر بالاعتراف بها.
د) استمرار الوضع الكارثي للمرأة في أفغانستان: من المرجح أن تواجه حقوق المرأة، التي كانت محور الاهتمام الرئيسي للمجتمع الدولي في أفغانستان في حقبة ما بعد طالبان، المزيد من العقبات في رئاسة ترامب الثانية، هذا ليس مفاجئًا بالنظر إلى موقف ترامب المتقلب ونهج إدارته المتشدد في خفض التكاليف في الشؤون الخارجية.
من المرجح أن تُعطي إدارة ترامب الثانية الأولوية للمصالح الوطنية الأمريكية، مثل مكافحة الإرهاب والانسحاب العسكري والاعتبارات الاقتصادية، على حساب مخاوف حقوق الإنسان في السياسة الخارجية، ولا سيما في أفغانستان، كما أن سياسة ترامب الخارجية قد تُشجع طالبان على مواصلة قمع حقوق المرأة، مع العلم أن الولايات المتحدة أقل ميلًا للتدخل في هذه القضايا.
علاوة على ذلك، فإن التركيز على المصالح الأمريكية، بدلًا من تعزيز الديمقراطية أو حماية حقوق الإنسان، من المرجح أن يُضعف قدرة المجتمع الدولي على محاسبة طالبان على معاملتها للنساء والفتيات، هذا لا يعني أنه سيُعزز طالبان؛ لأن السياسة الخارجية لإدارة ترامب الثانية من المرجح أن تضع أفغانستان في وضع حرج بعيدًا عن اهتمام المجتمع الدولي، وسيستمر الضغط الدولي المحدود لضمان حماية النساء والفتيات.