الوقت- شهدت مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة خلال الأسبوع الماضي عملية عسكرية إسرائيلية خاصة، مثّلت واحدة من أكثر المحاولات جرأة وإثارة للجدل في مسار الحرب المستمرة منذ أكثر من سبعة أشهر. العملية، التي نُفّذت بوساطة وحدة خاصة إسرائيلية متخفية بملابس نسائية، فشلت فشلاً ذريعًا بعد انكشاف أمرها من قِبل المقاومة الفلسطينية، ما أثار موجة من السخط داخل "إسرائيل" والقلق على مصير الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس.
رغم إعلان جيش الاحتلال أن الهدف لم يكن إنقاذ الأسرى، إلا أن طبيعة العملية تشير إلى عكس ذلك، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول نوايا الحكومة الإسرائيلية وتكتيكاتها المتبعة في التعامل مع هذا الملف شديد الحساسية.
في الساعات الأولى من صباح الأحد، 19 مايو 2025، حاولت وحدة خاصة من الجيش الإسرائيلي التوغل في حي السطر الغربي بخان يونس، وحسب وسائل إعلام ، فإن الجنود كانوا متنكرين بملابس نسائية محلية ويحملون حقائب نسائية للتخفي عن أعين الرصد الفلسطيني.
لكن الوحدة اصطدمت بجاهزية فصائل المقاومة، وتحديدًا "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، التي رصدت التحرك وتعاملت معه سريعًا، ما أدى إلى اشتباك مسلح انسحب على إثره الجنود الإسرائيليون تحت تغطية نارية كثيفة من الطيران الحربي.
العملية، التي وصفتها حماس بأنها محاولة فاشلة لتحرير أسرى، تزامنت مع قصف مكثف على مناطق مدنية، منها منشآت صحية كمصنع الأدوية داخل مجمع ناصر الطبي، ما أدى إلى سقوط ضحايا من المدنيين (تسنيم، 19 مايو 2025).
ورغم نفي الجيش الإسرائيلي أن يكون الهدف تحرير أسرى، إلا أن وسائل إعلام عبرية كشفت أن أحد أهداف العملية هو "التحقق من معلومات استخباراتية بشأن موقع محتمل للأسرى"، دون التنسيق الكامل بين الأجهزة الأمنية، وهو ما ساهم في فشل المهمة.
ملف الأسرى وتعقيداته
منذ عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها فصائل المقاومة في 7 أكتوبر 2023، يحتفظ الجناح العسكري لحماس بعدد من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين كأسرى داخل قطاع غزة، ويُعدّ هذا الملف من أكثر النقاط الحساسة في السياسة الداخلية الإسرائيلية.
عائلات الأسرى، من جهتها، تتظاهر باستمرار للمطالبة بإبرام صفقة تبادل، بينما تتمسك حكومة نتنياهو برفض إطلاق سراح "أسرى أمنيين فلسطينيين كبار" كجزء من أي اتفاق. هذا الجمود دفع جيش الاحتلال الاسرائيلي لتنفيذ أكثر من محاولة استخبارية وعسكرية خلال الشهور الماضية، أبرزها عملية فاشلة في رفح في يناير 2024.
فشل هذه المحاولات وتكرارها يثير قلقًا متزايدًا بشأن مدى استعداد حكومة الاحتلال الإسرائيلي للتضحية بسلامة الأسرى مقابل تجنب تقديم تنازلات سياسية لحماس، وهو ما تعتبره المعارضة استغلالًا سياسيًا خطيرًا.
ما وراء الفشل
عملية خان يونس ليست فقط فشلًا ميدانيًا، بل مؤشّر على إخفاق استراتيجي أوسع، فاختراق مدينة خان يونس المتماسكة أمنيًا والمليئة بالأنفاق والمواقع العسكرية لحماس، دون دعم استخباراتي محكم، يعكس استخفافًا بالواقع الميداني من قِبل القيادة العسكرية الإسرائيلية.
أسلوب التخفي بملابس نسائية، رغم أنه تكتيك استخباراتي معروف، أثبت عدم فاعليته في هذه البيئة، وخاصة بعد أن أصبحت المقاومة تعتمد على شبكة رصد بشري دقيقة داخل المدن.
كما أن غياب التنسيق بين مختلف أذرع الجيش والشاباك (جهاز الأمن الداخلي) أضعف من فرص نجاح العملية، الأمر الذي اعتبره بعض المحللين في القنوات العبرية كدليل على "تشتت القرار العملياتي" في حكومة نتنياهو (القناة 12 الإسرائيلية، 19 مايو 2025).
تداعيات إقليمية ودولية
العملية وما تبعها من قصف مكثف، أثارت ردود فعل غاضبة من المنظمات الحقوقية الدولية، فقد نشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بيانًا أكدت فيه استهداف منشآت طبية ومنازل مدنيين خلال تغطية انسحاب الوحدة الخاصة، معتبرة ذلك "جريمة حرب محتملة.
كما طالبت منظمة "أطباء بلا حدود" بتحقيق دولي في استهداف مصنع الأدوية داخل مجمع ناصر الطبي، مشيرة إلى أن الغارات شلّت خدمات الرعاية الطبية في المنطقة لعدة أيام.
سياسيًا، أعربت بعض الدول الأوروبية عن قلقها من استمرار "الاستخدام غير المتكافئ للقوة" من قبل "إسرائيل"، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، كما فعلت إسبانيا والنرويج عقب الحادثة.
خيارات محدودة ووقت ينفد
تكشف عملية خان يونس عن محدودية البدائل المتاحة أمام الحكومة الإسرائيلية، فبين ضغوط العائلات والرأي العام ورفض نتنياهو تقديم تنازلات، يبدو أن الحكومة تستهلك كل ما تبقى من خيارات عسكرية دون نتائج حقيقية.
إذا كانت النية الحقيقية هي تحرير الأسرى، فإن استمرار هذا النهج العسكري لن يؤدي سوى إلى تعقيد الوضع أكثر، وربما تعريض حياة الأسرى للخطر. بل يرى بعض المحللين أن الحكومة الإسرائيلية، عن قصد أو لا، تخلق واقعًا يجعل صفقة التبادل غير ممكنة، لتفادي ضغوط داخلية أكبر.
في الختام.. الفشل المتكرر للعمليات الخاصة، كعملية خان يونس، يطرح تساؤلات جوهرية حول فعالية الاستراتيجية الإسرائيلية الحالية. إذ بات من الواضح أن هذا النهج لا يفضي إلى تحرير الأسرى، بل يفاقم الأزمة السياسية والإنسانية في المنطقة.
المطلوب اليوم هو تحوّل نوعي في التفكير، يقود إلى تبني مقاربة سياسية مرنة وعملية تشمل وساطات إقليمية ودولية. وإلا، فإن تكرار هذه العمليات لن يؤدي إلا إلى نتائج أكثر كارثية، سواء على المستوى الإنساني أو السياسي.