الوقت- أثار إعلان القوات المسلحة اليمنية عن استهداف مطار بن غوريون في قلب الأراضي المحتلة بصاروخ فرط صوتي صدمة في الأوساط السياسية والعسكرية الإقليمية والدولية، يأتي هذا الهجوم في وقتٍ تتصاعد فيه التوترات في المنطقة، ويشكل تحوّلًا نوعيًا في أدوات الردع والمواجهة التي باتت تملكها قوى غير تقليدية في الشرق الأوسط، هذه الضربة لا تعكس مجرد هجوم صاروخي عابر، بل تعبر عن انتقال اليمن من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم القادر على التأثير الاستراتيجي، ما يشير إلى معادلة جديدة فرضتها صنعاء على معادلات الردع في المنطقة.
العملية وأهدافها العسكرية والسياسية
البيان الصادر عن القوات المسلحة اليمنية أشار بوضوح إلى أن العملية نُفذت بصاروخ باليستي فرط صوتي أصاب مطار بن غوريون بدقة، وأدى إلى تعطيل المطار لنحو ساعة كاملة، وهروب الآلاف إلى الملاجئ، من الناحية العسكرية، فإن استخدام الصواريخ الفرط صوتية يعد تطورًا كبيرًا في قدرات اليمن، حيث إن هذه النوعية من الصواريخ تمتاز بسرعة خارقة للسرعة الصوتية وقدرة عالية على المناورة، ما يجعل اعتراضها من قِبل الدفاعات الجوية التقليدية أمرًا بالغ الصعوبة.
سياسيًا، يحمل هذا الهجوم رسالة واضحة إلى الكيان الصهيوني مفادها بأن الدعم الغربي، وخاصة الأمريكي، لن يوفر له مظلة آمنة في ظل اتساع نطاق المقاومة وتطور أدواتها، كما أنه رسالة إلى الشعوب الحرة مفادها بأن اليمن لم يعد بلدًا منكوبًا يعاني فقط من ويلات الحرب، بل أصبح فاعلًا إقليميًا يمتلك إرادة سياسية وعسكرية واضحة للانخراط في معركة الأمة المركزية: فلسطين.
اليمن ومعادلة الردع الجديدة
هذا الهجوم لم يكن مجرد فعل عسكري، بل إعلان عن معادلة ردع جديدة فرضتها صنعاء، فاليمن، الذي ظل لعقود يعاني من الحصار والحروب الداخلية، كشف اليوم عن امتلاكه صواريخ فرط صوتية – تكنولوجيا لا تملكها سوى قوى كبرى أو دول إقليمية متقدمة، هذا التطور يشكل نقطة تحوّل في موازين القوى، إذ لم يعد اليمن الطرف الأضعف في معادلات المنطقة، بل أصبح رقماً صعباً في مواجهة التحالفات التقليدية التي كانت تعتقد أن السيطرة على اليمن مسألة وقت لا أكثر.
الرسالة الأوضح كانت موجهة إلى "إسرائيل" وحلفائها الإقليميين: لم تعد القواعد القديمة صالحة، فكما أن الطائرات الإسرائيلية تضرب في سوريا ولبنان دون ردع حقيقي، فإن قواعد الاشتباك تغيرت الآن، أي عدوان أو مشاركة في العدوان سيقابل برد مباشر من قلب الجزيرة العربية، من طرفٍ لم يعد محصورًا في نطاقه الجغرافي، بل بات قادرًا على التأثير في عمق جغرافيا الخصم.
التكنولوجيا العسكرية اليمنية وتداعياتها الجيوسياسية
تطوير واستخدام صواريخ فرط صوتية من قبل القوات المسلحة اليمنية يمثّل طفرة غير متوقعة في مسار الصراع الإقليمي، هذا الإنجاز يعكس قدرة اليمنيين على إنتاج وتوظيف تقنيات عسكرية متقدمة رغم الحصار الشديد والضغوط الاقتصادية والسياسية، من الناحية الفنية، تصنيع صواريخ فرط صوتية يتطلب بنية تحتية صناعية، منظومات توجيه دقيقة، ومواد مقاومة للحرارة العالية الناتجة عن السرعات الفائقة، وهي تقنيات لم يكن متوقعًا أن تمتلكها دولة منهكة كاليمن.
لكن ما حدث يثبت أن اليمن لم يكن فقط يقاتل، بل كان يبني، هذه القدرات الجديدة لا تقتصر على تعزيز قوة الردع، بل تفتح الباب أمام تحالفات إقليمية جديدة، حيث يمكن لليمن أن يلعب دور الموازن في وجه الهيمنة الغربية الإسرائيلية على المنطقة، إن التطور التكنولوجي العسكري اليمني يحمل تأثيرات جيوسياسية عميقة، لأنه يعيد توزيع أوراق القوة، ويخلق مساحات جديدة للمقاومة والنفوذ خارج الأطر التقليدية التي ظلت لعقود تحت هيمنة أمريكا وحلفائها.
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها الشرق الأوسط، لم يعد بالإمكان تجاهل اليمن كفاعل إقليمي عسكري واستراتيجي، الضربة التي وجهتها القوات المسلحة اليمنية إلى مطار بن غوريون ليست فقط ردًا على العدوان الإسرائيلي أو دعمًا للقضية الفلسطينية، بل هي إعلان عن دخول اليمن في نادي الدول القادرة على التأثير العسكري بعيد المدى، هذا التطور يعني أن اليمن لم يعد "هامشًا جغرافيًا" في حسابات القوى الكبرى، بل أصبح قلبًا نابضًا في معادلات الردع والمواجهة الإقليمية.
الرسائل التي بعثت بها هذه العملية تتجاوز الحدود الجغرافية: إلى واشنطن، بأن وكلاءها في المنطقة لم يعودوا محصنين؛ إلى تل أبيب، بأن العمق الإسرائيلي لم يعد آمنًا؛ وإلى حلفاء أمريكا في المنطقة، بأن زمن الهيمنة بلا منازع قد انتهى، كما أنها دعوة لكل الشعوب الحرة للالتفات إلى أن النصر لا يأتي بالاعتماد على الدعم الخارجي، بل ببناء القوة الذاتية والاعتماد على الإرادة الوطنية.
تأثير الضربة اليمنية على حسابات التحالفات الإقليمية
الضربة التي نفذتها القوات المسلحة اليمنية على مطار بن غوريون لا تقتصر نتائجها على الجانب الإسرائيلي، بل تمتد إلى إعادة تشكيل حسابات التحالفات الإقليمية بشكل أوسع، فالدول الخليجية التي سعت خلال السنوات الماضية إلى التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي تجد نفسها اليوم أمام مأزق أمني واستراتيجي جديد، إذ إن تصعيدًا كهذا قد يفتح الباب أمام جبهة جنوبية تتهدد المصالح الإسرائيلية وحتى القواعد الغربية في البحر الأحمر والخليج الفارسي.
من جهة أخرى، فإن هذه الضربة تعزز موقع محور المقاومة في المنطقة، وتمنح اليمن دورًا متقدمًا في المشهد الجيوسياسي، وخاصة بعد أن أثبتت صنعاء امتلاكها أدوات استراتيجية قادرة على فرض تكلفة حقيقية على أعدائها، التحالفات التقليدية التي كانت تُبنى على أساس موازين القوة السابقة أصبحت اليوم مطالبة بإعادة تقييم مواقفها، حيث بات هناك فاعل جديد يمتلك الإرادة والقدرة على التأثير.
في هذا السياق، يمكن القول إن اليمن لم يعد مجرد ساحة صراع داخلي أو وكيل إقليمي، بل تحول إلى لاعب مباشر في الصراعات الكبرى، يضع شروطه الخاصة، ويرسل رسائله الصاروخية إلى عمق الدول التي لطالما ظنّت نفسها بعيدة عن خطر المواجهة، إن اليمن بموقفه الثابت، وتطوره العسكري، وارتباطه العميق بقضية فلسطين، يكتب فصلًا جديدًا من فصول مقاومة المشروع الصهيوني.