الوقت- دخلت العلاقات العسكرية الإسرائيلية الهندية مرحلة استراتيجية في أعقاب التوتر الأخير مع باكستان، ما أتاح لتل أبيب فرصة جديدة لتوسيع نفوذها في السوق العسكرية في جنوب آسيا من خلال بيع الأسلحة.
تتمتع الهند بعلاقات وثيقة مع الكيان الإسرائيلي، وهي من أبرز موردي الأسلحة لنيودلهي، كما يوجد تعاون اقتصادي كبير بين نيودلهي وتل أبيب، تُمثل الحرب بين الهند وباكستان فرصة للكيان الإسرائيلي لاختبار الطائرات من دون طيار التي باعها للهند، وهي طائرات أعلنت باكستان أنها أسقطت عدداً منها في الأيام الأخيرة، كما أنها فرصة لتل أبيب لزيادة صادراتها العسكرية إلى الهند.
في الأيام الأولى للحرب، صرّح رؤوفين عازار، السفير الإسرائيلي لدى الهند، بصراحة تامة: "إسرائيل" تدعم حق الهند في الدفاع عن نفسها، مؤكدًا أن نيودلهي تعلم أنها تستطيع الاعتماد على "إسرائيل".
أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن رؤوفين عازار، في مقابلة مع وسائل إعلام هندية، أكد موقف تل أبيب الواضح بدعمها "لحق الهند في حماية سيادتها ومواطنيها" في مواجهة باكستان، المعروفة بعدائها لـ"إسرائيل" ومنعها مواطنيها من زيارتها، وصرح السفير الإسرائيلي في مقابلة: "تدعم إسرائيل حق الهند في الدفاع عن نفسها، على الإرهابيين أن يدركوا أنه لا مكان للاختباء من الجرائم التي يرتكبونها ضد الأبرياء".
رؤوفين عازار، السفير الإسرائيلي لدى الهند
أفاد موقع صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية يوم الخميس الماضي بأن صحفيين هنود أشاروا إلى أن تل أبيب كانت من أوائل دول العالم التي دعمت الهند بعد عملية سيندورا (الاسم الذي أطلقه الجيش الهندي على عمليته العسكرية الحالية ضد باكستان، التي يتهمها بالتورط في هجوم كشمير).
كما قارنوا هجوم الـ 7 من أكتوبر بهجوم باهالغام في كشمير الهندية، وطرح السفير الإسرائيلي أسئلة حول "النصائح التي يمكن أن تقدمها إسرائيل للهند في جهودها لمكافحة الإرهاب".
وفقًا لرؤوفين عازار، يُمثل هجوم باهالغام لحظةً فارقةً نظرًا لوحشيته، إذ تُشبه خصائصه خصائص هجوم الـ 7 من أكتوبر، ليس أمام الدول الديمقراطية خيارٌ سوى مواجهة هذه التهديدات الخطيرة لأمنها، لقد مارست الهند حقها في الدفاع عن النفس، ونحن على ثقةٍ بأنها ستفعل ذلك انسجامًا مع مسؤوليتها في حماية مواطنيها.
العلاقات الهندية الإسرائيلية المتغيرة
تُؤكد تل أبيب أنها تُشارك الهند قيمها في مجالات الابتكار، والزراعة المتقدمة، والرعاية الصحية، والتكنولوجيا العسكرية، كما يعمل الجانبان على تعزيز علاقاتهما في مجالات التكنولوجيا الزراعية، وحلول المياه، وإدارة الكوارث.
شهدت العلاقات بين "إسرائيل" والهند تحولًا استراتيجيًا في السنوات الأخيرة، من جمود دبلوماسي إلى تعاون أمني مُوسّع، وقد تجلى هذا التحول بشكلٍ خاص منذ صعود حزب بهاراتيا جاناتا القومي المتطرف (BJP) إلى السلطة في الهند، بقيادة رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، وقد تغير الموقف تجاه "إسرائيل" بشكلٍ كبير، ما أدى إلى زيادة التعاون في مختلف المجالات، وخاصةً في المجال الأمني.
وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "إسرائيل هيوم" الصهيونية نهاية أبريل الماضي، لعبت "إسرائيل" إلى جانب دول أخرى، دورًا بارزًا في التطوير المستمر للجيش الهندي، يستخدم سلاح الجو الهندي طائرات مسيرة وذخائر موجهة إسرائيلية الصنع، وقد دُمجت أنظمة إسرائيلية في الأسلحة التي يستخدمها الجيش الهندي في عملياته العسكرية.
ومن أبرز مؤشرات التعاون الأمني بين "إسرائيل" والهند دمج نظام الدفاع الجوي "باراك 8"، الذي تنتجه صناعات الفضاء الإسرائيلية، في القوات البحرية والجوية والبرية الهندية، ووفقًا لصحيفة "إسرائيل اليوم"، فقد تم اختبار النظام وتصنيعه من قبل شركة تابعة لصناعات الفضاء الإسرائيلية تعمل في الهند، وقد حسّن بشكل كبير قدرات اعتراض الصواريخ في البلاد، كما أن خبرة "إسرائيل" في استخدام الصواريخ روسية الصنع تناسبت مع احتياجات الهند الأمنية ومخاطرها.
طائرة هيرمس 900 مسيرة إسرائيلية الصنع في معرض سنغافورة الجوي (2024)
أسلحة إسرائيلية بحوزة الهند
كما كان متوقعًا، استُخدمت أنظمة أسلحة إسرائيلية في المعركة بين الهند وباكستان، وفقًا لما ذكرته وكالة الأنباء الصهيونية "فالا"، بينما توقعت الصناعات الأمنية الإسرائيلية أن يؤدي تصعيد التوترات إلى إبرام عقود جديدة مع الهند، أكبر مشترٍ للأسلحة الإسرائيلية في العالم، حدثت تطورات غير متوقعة.
وأضاف التقرير: "كانت المفاجأة في إسقاط باكستان لطائرات هاربون الإسرائيلية الصنع، والتي استخدمتها الهند في هجماتها هذا الأسبوع، وفقًا لتقارير إعلامية متعددة، وخاصة من باكستان، هذه طائرة هجومية مسيرة يمكنها التحليق لساعات في انتظار تحديد هدف، ويتحكم بها مشغل عن بُعد من مسافة مئات الكيلومترات".
ومع ذلك، أضاف المصدر إن هذا لا يبدو كافيًا لمساعدة الهند، حيث استخدم الجيش الهندي أيضًا طائرات داسو رافال التي تم شراؤها من فرنسا، إلى جانب ذخيرة فرنسية، في ضرباته ضد تسعة أهداف في كشمير وباكستان، تُعد طائرة رافال المقاتلة ذات المحركين الطائرة الرائدة في الصناعات الأمنية الفرنسية والقوات الجوية الهندية، وقد طلبت الهند مؤخرًا المزيد من الطائرات لاستخدامها كجزء من حاملة طائراتها، بينما قالت باكستان إنها أسقطت خمس طائرات رافال.
وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ أول شخص يقود طائرة مقاتلة فرنسية من طراز رافال
يعتقد المصدر أن الأداء الضعيف لطائرة رافال يمكن أن يمنح الصناعات الأمنية الإسرائيلية ميزة تنافسية على الشركات الفرنسية في السوق الهندية الضخمة، تُعد "إسرائيل" واحدة من أكبر موردي الأسلحة للهند، والتي، بتوجيهات رئيس الوزراء مودي، تتطلب من الموردين إنشاء خطوط إنتاج محلية في البلاد، وبناءً على ذلك، تمتلك الهند منشآت لإنتاج صاروخ باراك 8، الذي تصنعه شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، وطائرات هيرميس 900 المسيرة التي طورتها شركة إلبيت الإسرائيلية، وصاروخ سبايك المضاد للدبابات، الذي تصنعه شركة رافال الإسرائيلية.
صرح أوشيريت برافادكر، الباحث في معهد الأمن الاستراتيجي والدولي في القدس المحتلة، لصحيفة تايمز أوف إسرائيل أن استخدام الهند لطائرات هاربون وهيرون مارك 2 المسيرة في المعارك الحالية يُظهر كيف تلعب "إسرائيل" دورًا بارزًا ومتناميًا في الاستراتيجية العسكرية الهندية الحالية، ولا سيما في ظل التوترات المتصاعدة مع باكستان، وقد مكّنت هذه الطائرات المسيرة المتطورة الهند من توسيع قدراتها في مجال المراقبة على ارتفاعات عالية، بالإضافة إلى قدراتها الهجومية.
ووفقًا لبرافادكر، من وجهة نظر "إسرائيل"، فإن الهند ليست مستوردًا رئيسيًا فحسب، بل هي أيضًا شريك استراتيجي يتشارك معها المخاوف بشأن الإرهاب وأمن الحدود والتطرف الإسلامي.
على مدار العامين الماضيين، شدّدت الهند شروطها على الشركات الأجنبية التي تسعى إلى التعامل معها، مُلزمةً إياها بتطوير أنظمة بالتعاون مع شركات هندية وتصنيعها محليًا قبل تصديرها، وحتى الآن، تمكّنت الصناعات الأمنية الإسرائيلية من التكيف مع هذه الشروط من خلال الاستفادة من الفرص التجارية الواعدة التي تُتيحها السوق الهندية، وقد اشترت الهند أنظمة أسلحة من "إسرائيل" بقيمة 15 مليار دولار خلال العقد الماضي.
ويمكن لهذه الشراكات، ولا سيما في مجال تطوير أنظمة الأسلحة التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي أيضًا، مثل نظام صواريخ باراك، أن تُوفّر لـ"إسرائيل" مصدرًا إضافيًا للمعدات العسكرية من الولايات المتحدة، كما تُمهد هذه الإجراءات الطريق لاحتمال تعليق الرئيس دونالد ترامب للمساعدات الأمنية الأمريكية لـ"إسرائيل"، والتي تبلغ 3.3 مليارات دولار سنويًا وتسري حتى عام 2028، وفقًا لموقع "فالا" الإخباري العبري.
دانيال كارمون، السفير الإسرائيلي السابق في نيودلهي، وأجيت دوفال، مستشار الأمن القومي الهندي.
تقرير سري قديم
حسب تقرير نشرته صحيفة "إنديان إكسبريس"، رفعت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) السرية عن دراسة سرية أجرتها عام ١٩٩٣، تناولت احتمال نشوب حرب بين الهند وباكستان في التسعينيات، وقيّمت أسبابها وعقباتها.
ويشير التقرير، الذي أعده مراسل الصحيفة للشؤون الدفاعية، مان أمان سينغ تشينا، إلى أن احتمال نشوب حرب تقليدية بين الهند وباكستان منخفض، إذ لا يتجاوز ١ من ٥، لكنه يزعم أيضًا أن "هجومًا إرهابيًا كبيرًا" قد يكون الشرارة التي تُشعل نار المواجهة.
وأكد تقرير الصحيفة أن معظم الفرضيات الواردة في الوثيقة، التي نُشرت قبل ثلاثة عقود، لا تزال صحيحة، ويشكل وضع كشمير مصدرًا رئيسيًا للتوتر بين البلدين، حيث أفادت وكالة المخابرات المركزية بأن "القوات الهندية تخوض معركة تبدو بلا نهاية مع المتمردين في كشمير".
ذكرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أيضًا أن الهند قادرة على منع كشمير من الانفصال أو الانضمام إلى باكستان، لكن من غير المرجح أن تتمكن من القضاء على التمرد خلال العقد الذي تغطيه الوثيقة.
وأفادت الصحيفة أيضًا بأن الهند وباكستان تدعمان جماعات مسلحة على أراضي كل منهما، كما تدعم الهند الجماعات الانفصالية في باكستان.
ورغم هذه التوترات، لا يزال احتمال اندلاع حرب شاملة بين الهند وباكستان منخفضًا، وقد سعى المسؤولون باستمرار إلى منع مثل هذا السيناريو، لكن هذا لا يستبعد التصعيد.
أسباب الردع
خلص تقرير وكالة المخابرات المركزية إلى وجود عدة أسباب لتجنب حرب تقليدية شاملة بين الهند وباكستان، أهمها:
الخوف من التصعيد النووي: يذكر التقرير أن قادة البلدين قلقون من أن أي صراع تقليدي قد يؤدي إلى تصعيد نووي لا يمكن السيطرة عليه.
استمرار الردع النووي: أوضح التقرير أن نشر الصواريخ القادرة على حمل رؤوس نووية وتطويرها سيزيد من حدة التوترات على المدى القصير، ولكنه سيعزز أيضًا الردع النووي، ولا سيما على الجانب الباكستاني.
ضعف الاستعداد العسكري: يُظهر التقرير أن قادة جيشي البلدين يدركون أنهم غير مستعدين لحرب تقليدية كبرى وأن تكلفتها ستكون باهظة للغاية.
انعدام الدافع الاستراتيجي: على الرغم من تفوق الهند العسكري على باكستان، إلا أنها لا تملك أي دافع لبدء حرب.
خوف باكستان من الانهيار: وفقًا لهذا التقرير، أدرك القادة العسكريون الباكستانيون أن أي حرب جديدة قد تؤدي إلى انهيار الجيش، وربما الحكومة نفسها.