الوقت - منذ اندلاع العدوان على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، تُواصل "إسرائيل" دفع ثمنٍ باهظ نتيجة لاستمرار العدوان على القطاع، حيث فقدت آلاف الأرواح من الفلسطينيين وتعرضت البنية التحتية في غزة لدمار واسع.
في المقابل، تعيش "إسرائيل" حالة من الاستنزاف العسكري والإنساني لم تحقق خلالها الأهداف التي أعلنت عنها الحكومة، وفي مقدمتها "هزيمة حماس" و"إطلاق سراح الرهائن"، ومع مرور الوقت، تتزايد الدعوات من داخل الجيش والمجتمع الإسرائيلي لإنهاء الحرب أو التوصل إلى صفقة، ما يعكس حالة من الارتباك والصراع داخل القيادة العسكرية والسياسية.
غضب داخلي في الجيش الإسرائيلي
تسربت مؤخرًا تقارير من داخل الجيش الإسرائيلي تشير إلى حالة من الغضب المتصاعد بين كبار الضباط، الذين يطالبون باتخاذ قرار حاسم بشأن الحرب في غزة، حسب ما نقلت "القناة 14" الإسرائيلية، فإن بعض الضباط الكبار في الجيش أعربوا عن اعتقادهم أنه "يجب اتخاذ قرار إما بتدمير غزة أو الخروج منها"، مُضيفين إن "دماء الجنود ليست رخيصة"، تأتي هذه التصريحات في وقت حساس للغاية، حيث يعاني الجنود الإسرائيليون من غياب الهدف الواضح في العمليات العسكرية، كما نقل المراسل العسكري لـ"القناة 12" الذي قال إن "الجيش يتصرف في غزة منذ انتهاء وقف إطلاق النار دون هدف واضح"، مشيرًا إلى غياب العملية العسكرية الشاملة أو تحرك سياسي حقيقي.
انتقادات لسياسة الحكومة الإسرائيلية
إلى جانب الانتقادات الداخلية داخل الجيش، وجه العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية الإسرائيلية انتقادات لاذعة لسياسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في التعامل مع الحرب، وكان رئيس وزراء الاحتلال الأسبق، إيهود باراك، قد وصف استمرار الحرب على غزة بأنها "عبثية"، قائلًا إن الحرب تخدم المصالح السياسية لنتنياهو بدلاً من تحقيق حاجة أمنية حقيقية، وأضاف باراك: "إسرائيل اليوم في حرب عبثية، ونتنياهو مضطر لاستمرار الحرب ليس لأن ذلك يمثل حاجة أمنية، بل لأنه حاجة سياسية لبقائه في السلطة".
تأتي هذه التصريحات في وقت يعاني فيه الجيش الإسرائيلي من فشل واضح في تحقيق أهدافه العسكرية في غزة، حيث لا يزال القطاع تحت سيطرة حركة حماس بعد أكثر من عام من الحرب، بينما تتحدث التقارير الإسرائيلية عن استمرار تحكم حماس في القطاع، مقابل فشل الحكومة في استعادة الأسرى العسكريين الإسرائيليين الذين وقعوا في قبضة الحركة.
شهادات جنود الاحتياط: رفض متزايد للحرب
ومع تصاعد حالة الغضب بين الجنود في الجيش الإسرائيلي، بدأت تتزايد الشهادات من جنود الاحتياط الذين يرفضون استكمال خدمتهم العسكرية في غزة، ومن بين هؤلاء، يبرز الجندي يوفال بن آري الذي انضم مؤخرًا إلى جبهة القتال في غزة بعد استدعائه للخدمة الاحتياطية، وفي حديثه مع راديو حيفا، قال بن آري: "بعد بضعة أيام من القتال، أدركت أنني ارتكبت خطأ، وأشعر بحزن عميق وذنب بسبب ما يحدث"، وأضاف إنه "لن يرتدي الزي العسكري مجددًا في ظل الحكومة الحالية"، مُشيدًا بحالة الإحباط التي تسود بين الجنود بسبب غياب الأفق لإنهاء الحرب.
وتعد هذه الشهادات جزءًا من موجة متزايدة من الاحتجاجات التي تعبر عن رفض جنود الاحتياط الاستمرار في القتال في غزة، سواء لأسباب أخلاقية أو بسبب غياب الهدف العسكري الواضح، وقد أسس بعض الجنود مثل يوفال غرين، الذي خدم في وحدة المظليين، حركة "جنود من أجل الرهائن"، وهي حركة مناهضة لاستمرار الحرب، وتدعو هذه الحركة إلى إنهاء العمليات العسكرية في غزة مقابل التفاوض لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.
الاحتجاجات تتسع: جنود النخبة والمنظمات الدولية تدخل على الخط
تشير التقارير إلى أن الاحتجاجات قد انتشرت لتشمل وحدات النخبة في الجيش الإسرائيلي، مثل الطيارين والجنود من وحدات الاستخبارات، ففي العاشر من نيسان/أبريل 2024، وقع نحو ألف شخص من طيارين وجنود احتياط ومتقاعدين رسالة تحذيرية إلى الحكومة الإسرائيلية، مطالبة بإطلاق سراح الرهائن حتى لو كان ذلك يستدعي إنهاء الحرب في غزة، جاء في الرسالة: "إن الحرب تخدم في المقام الأول مصالح سياسية وشخصية، وليس مصالح أمنية".
وقد انضم إلى هذه الاحتجاجات مئات من جنود الاحتياط في البحرية، وأعضاء من وحدة 8200 للاستخبارات، بل حتى موظفون في الموساد، الذين دعوا الحكومة إلى المساءلة، وفي رد فعل على هذه التحركات، أعلن رئيس الحكومة نتنياهو أن "التصريحات التي تضعف الجيش وتؤدي إلى تعزيز قوة الأعداء في وقت الحرب هي أمر غير مقبول".
الجيش الإسرائيلي في مأزق: بين التصعيد العسكري والمطالب السياسية
من جانب آخر، تسلط تصريحات العديد من الشخصيات العسكرية الإسرائيلية الضوء على المأزق الذي يواجهه الجيش الإسرائيلي، اللواء المتقاعد إسحاق بريك، الذي يُلقب بـ "نبي الغضب"، تحدث عن فشل الجيش في تحقيق الأهداف العسكرية في غزة، مشيرًا إلى أن الجيش لم يُحقق "إنجازات عسكرية كبيرة"، وأنه تعرض "لهزيمة مؤلمة" في الحرب ضد حماس، وأضاف بريك إن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع هزيمة حماس في ظل الوضع الحالي، وإنه بحاجة لإعادة بناء قواته البرية وتوسيعها لمواجهة التهديدات المستقبلية.
الضغط الشعبي: 70% من الإسرائيليين يؤيدون إنهاء الحرب
تُظهر استطلاعات الرأي في "إسرائيل" أيضًا تأييدًا متزايدًا من الرأي العام لإنهاء الحرب، حيث أظهرت دراسة حديثة أن حوالي 70% من الإسرائيليين يدعمون إنهاء الحرب مقابل التوصل إلى صفقة لإطلاق سراح الرهائن. هذه النسبة تشير إلى أن الضغط الشعبي على الحكومة قد يساهم في تغيير المسار العسكري الذي انتهجته الحكومة الإسرائيلية طوال الأشهر الماضية.
مع مرور الوقت، تزداد الدعوات داخل الجيش والمجتمع الإسرائيلي إلى إنهاء الحرب أو التوصل إلى صفقة تضمن تحرير الرهائن، لكن استمرار الحرب دون تحقيق الأهداف المنشودة يشير إلى وجود أزمة عميقة في القيادة العسكرية والسياسية في "إسرائيل"، وبينما يعاني الجيش من الاستنزاف البشري والعسكري، فإن الشارع الإسرائيلي يطالب بوقف القتال الذي لا يبدو أن له أفقًا واضحًا، في وقت يزداد فيه الاستياء الداخلي من سياسة الحكومة في التعامل مع هذا النزاع الممتد.