الوقت- في تصريح هو الأشد من نوعه، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن غزة أصبحت "جحيمًا على الأرض"، هذا التوصيف ليس مجرد استعارة عاطفية، بل هو صورة دقيقة وحقيقية لحجم الكارثة الإنسانية التي تشهدها هذه البقعة الصغيرة من العالم.
فمنذ أشهر، يتعرض قطاع غزة لقصف متواصل ومنهجي من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، أسفر عن استشهاد عشرات الآلاف من المدنيين، معظمهم من النساء والأطفال، كما تم استهداف البنية التحتية الحيوية من مستشفيات ومدارس ومحطات مياه وكهرباء ومراكز إغاثة، ولم تسلم حتى الأماكن المقدسة وفرق الإسعاف والصحفيين والمنظمات الإنسانية من هذا العدوان الهمجي.
غزة تحت الحصار والإبادة الممنهجة
منذ أكثر من 17 عامًا، تخضع غزة لحصار شامل من قبل الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن ما يجري مؤخرًا يتجاوز مفهوم الحصار أو الحرب التقليدية، ليصل إلى مستوى الإبادة المنظمة لشعب بأكمله، استهداف المدارس والجامعات والمراكز الصحية وتدمير النظام الصحي ومنع الغذاء والدواء، هي مؤشرات واضحة على جريمة غير مسبوقة قد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية وفقًا للعديد من خبراء القانون الدولي.
جرائم حرب موثقة ومنتشرة
وفقًا لتقارير ميدانية وصور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو الموثقة من قبل وسائل إعلام عالمية مثل واشنطن بوست والجزيرة وبي بي سي، ارتكب جيش الاحتلال انتهاكات جسيمة بحق المدنيين في غزة، بما في ذلك حرق المنازل عمدًا، إطلاق النار المباشر، وتجويع السكان كوسيلة حرب.
وحسب اتفاقيات جنيف، يُعتبر استهداف المدنيين وتدمير الممتلكات ومنع المساعدات الإنسانية جرائم حرب صريحة، كما أن المحكمة الجنائية الدولية (ICC) لديها الصلاحية للتحقيق في هذه الجرائم، إلا أن الضغوط السياسية الغربية حالت دون أي تحرك فعال حتى الآن.
تصريحات اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي عادةً ما تعتمد لغة دبلوماسية حيادية، تعكس عمق الكارثة، حين يصف هذا الجسم الدولي المحايد الوضع بأنه "جحيم"، فهذا يعني أن الجرائم تجاوزت كل الخطوط الحمراء.
لكن المقلق أكثر هو صمت كثير من الحكومات، وخصوصًا الغربية التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، ففي الوقت الذي تُدان فيه دول صغيرة على أبسط الانتهاكات، يُمنح الاحتلال الإسرائيلي غطاءً سياسياً لارتكاب المجازر دون حساب.
مظلومية الشعب الفلسطيني: قصة تتكرر ولكنها تُهمّش
رغم كل الظروف القاسية، لا يزال الشعب الفلسطيني صامدًا، النساء اللواتي يلدن أطفالهن تحت الخيام، والأطفال الذين يُولدون ويموتون تحت الأنقاض، والأطباء الذين يجرون العمليات الجراحية بلا أدوات؛ جميعهم شواهد على مظلومية لا توصف.
المأساة لا تقتصر على القصف فقط، بل تشمل التعتيم الإعلامي، والتحيّز في السردية، وحذف الصوت الفلسطيني من وسائل التواصل، بينما يُقدَّم الاحتلال كمعتدى عليه، يُشيطن الضحايا ويُمنع إيصال روايتهم للعالم.
مسؤولية المجتمع الدولي: لا لمشاهدة الجريمة بصمت
لم يعد هناك أدنى شك بأن ما يحدث في غزة هو كارثة إنسانية بكل المقاييس، وعلى المجتمع الدولي - من الأمم المتحدة، إلى المنظمات الحقوقية، إلى الإعلام، إلى الشعوب الحرة - أن يتحرك فورًا.
المطالبة بوقف العدوان، ورفع الحصار، وضمان دخول المساعدات الإنسانية، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، هي مطالب بديهية لأي نظام يدّعي الإنسانية.
تصريحات الصليب الأحمر حول تحوّل غزة إلى "جحيم على الأرض" ليست مجرد تحذير، بل وثيقة تاريخية قد تُستخدم يومًا كدليل على جرائم القرن، الجرائم التي بدأت بالقصف والحصار، واستمرت بصمت العالم.
في عالم تحوّلت فيه حقوق الإنسان إلى أداة سياسية، فإن الدفاع عن الشعب الفلسطيني هو دفاع عن جوهر الإنسانية، غزة اليوم جحيم، وغدًا قد يمتد هذا الجحيم إلينا جميعًا، الضمير البشري يُمتحن في غزة - وحتى الآن، نحن راسبون.