الوقت - يعيش الكيان الصهيوني لحظة فارقة في تاريخه السياسي والاجتماعي، لحظة تتشابك فيها الأزمات الداخلية مع المخاطر الأمنية الخارجية، لتُشكل مشهدًا ينذر بانفجار محتمل من الداخل، فمع استمرار حكومة بنيامين نتنياهو في تنفيذ أجندتها الراديكالية، وتصعيد المواجهة مع القضاء والمؤسسات الأمنية، تتزايد التحذيرات من سيناريو مرعب "حرب أهلية إسرائيلية" بات كثير من الإسرائيليين يرونه ممكنًا، بل وشيكًا.
أزمة بنيوية متراكمة
منذ تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الأخيرة في ديسمبر 2022، بدا أن "إسرائيل" تدخل مرحلة جديدة من التصدع الداخلي، فالحكومة التي تضم أحزابًا قومية ودينية متطرفة دفعت بقوة نحو ما وصفته المعارضة بـ"انقلاب قضائي"، تمثل بمحاولات تقويض استقلالية القضاء لمصلحة السلطة التنفيذية.
لم يكن رد الفعل الشعبي بسيطًا، فقد اندلعت موجة احتجاجات ضخمة عمّت شوارع تل أبيب والمدن الكبرى، وسط تزايد المخاوف من انزلاق البلاد نحو "ديكتاتورية انتخابية" على غرار ما يحدث في دول تفككت فيها مؤسساتها الدستورية.
استطلاعات رأي تفضح عمق الشرخ
كشفت القناة السابعة العبرية عن نتائج استطلاع أجرته مؤسسة "معهد سياسة الشعب"، يُظهر أن 60% من الإسرائيليين يعتقدون بأن خطر الحرب الأهلية "حقيقي وملموس"، وفي تحليل الردود على تصريحات رئيس المحكمة العليا السابق آريه باراك، أقر 27% بصحة تحذيراته، و33% قالوا إن تحذيره مبالغ فيه قليلًا لكنه يستند إلى واقع مقلق.
هذه الأرقام تعكس أزمة ثقة بين الجمهور والمؤسسات الحاكمة، وتُظهر أن المجتمع الإسرائيلي بات منقسمًا في نظرته إلى شرعية القضاء، والحدود الفاصلة بين السلطات.
المحكمة العليا vs الحكومة: معركة الشرعية
المواجهة بين المحكمة العليا وحكومة نتنياهو تصاعدت مع محاولة إقالة رئيس الشاباك رونين بار، والمستشارة القضائية غالي بهاراف ميارا، قرارات رفضتها قطاعات واسعة، ودفعت المحكمة للتدخل.
استطلاع القناة السابعة أشار إلى أن 51% يرون أنه لا يجب التدخل في قرار إقالة بار، لكن الغالبية تتفق على ضرورة امتثال الحكومة لقرارات المحكمة إذا صدرت، منعًا لأزمة دستورية.
ومع اقتراب المحكمة من إصدار حكمها بشأن إقالة رئيس الشاباك في الـ 8 من أبريل 2025، يتساءل الشارع الإسرائيلي: هل ستحترم الحكومة القرار؟ أم إن نتنياهو سيُكمل مسيرة المواجهة مع القضاء؟
أزمة دستورية بلا دستور
صحيفة "يديعوت أحرونوت" وصفت "إسرائيل" بأنها على عكس الولايات المتحدة: دولة بلا دستور، مؤسساتها ضعيفة، وتقاليدها القانونية قابلة للنقض، هذا ما يجعل احتمال اندلاع أزمة دستورية فيها أكثر خطورة.
السفير السابق مايكل أورين ذهب إلى حد القول إن على "إسرائيل" أن تُعيد التفكير جذريًا، وتبدأ في صياغة دستور واضح يضمن توازن السلطات ويمنع التغول.
استمرار الحرب كأداة سياسية
بعد "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، توحد الإسرائيليون مؤقتًا ضد ما اعتبروه تهديدًا خارجيًا، لكن بمجرد ما خفت صوت المعركة، عاد الخلاف الداخلي إلى الواجهة، بل بات أكثر حدة، وسط اتهامات لنتنياهو بإطالة أمد الحرب من أجل مصالحه السياسية.
عودة حزب "القوة اليهودية" المتطرف إلى الائتلاف بعد استئناف العدوان، وتمرير الميزانية، يعززان الشكوك حول توظيف الحرب لإحكام قبضة نتنياهو على الحكم.
القادة يحذرون من الهاوية
من آريه باراك إلى إيهود أولمرت وبيني غانتس، وصولًا إلى المؤرخين والنخب الفكرية، تتكرر التحذيرات من حرب أهلية. الحديث لم يعد نظريًا. هو تحذير من "الجبهة الثامنة"، أي جبهة الانقسام الداخلي، كما سمّاها باراك، والتي قد تكون أخطر من أي جبهة خارجية.
غانتس وآيزنكوت يؤكدان أن التهديد الحقيقي ليس خارجيًا، بل داخلياً، ومجتمع لم يعد موحدًا على مفهوم الدولة، سيصعب عليه الصمود في وجه التحديات.
سيناريوهات الحرب الأهلية: من التظاهر إلى الاشتباك
المشهد يتبلور بالفعل: اشتباكات متزايدة بين الشرطة والمتظاهرين، اعتداءات على رموز عسكرية سابقة، مظاهرات يومية تُقابل بالقمع، يشير الخبير مهند مصطفى إلى أن تعبير "الحرب الأهلية" لا يعني بالضرورة حربًا تقليدية، بل عنفًا داخليًا مستمرًا يُقوّض الدولة من الداخل.
هجرة معاكسة، تآكل ثقة بالمؤسسات، والشرطة التي باتت "ذراعًا لليمين" حسب منتقدي الحكومة... كلها مؤشرات لحالة انهيار داخلي وشيك.
ما يعيشه الداخل الإسرائيلي اليوم ليس مجرد أزمة سياسية، هو لحظة تفكك محتملة لكيان بُني على توازنات دقيقة بين مجموعات إثنية وسياسية متباينة.
الخطر الحقيقي اليوم هو أن يستمر نتنياهو وحلفاؤه في تجاهل صوت الشارع، وتكريس الصراع الداخلي كأداة للبقاء السياسي، فإن حدث ذلك، فقد لا يكون سيناريو الحرب الأهلية مجرد فزاعة إعلامية، بل واقعًا دمويًا سيتفوق في خطورته على أي تهديد خارجي.