الوقت- يشهد الكيان الصهيوني واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا، حيث اجتاحت مظاهرات حاشدة شوارع تل أبيب ومدن أخرى، في تحدٍ صريح لحكومة بنيامين نتنياهو، قرار إقالة رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار أشعل فتيل الغضب، ما دفع عشرات الآلاف إلى النزول إلى الشوارع، رافعين شعارات تندد بسياسات نتنياهو وتصفه بـ"الخطر الواضح والمباشر على أمن الدولة".
إقالة بار... القشة التي قصمت ظهر البعير
جاء قرار نتنياهو بإقالة بار نتيجة "انعدام الثقة"، وفقًا لما أعلنه رئيس الوزراء، إلا أن هذا القرار أثار تساؤلات عميقة حول دوافعه الحقيقية، فإقالة رئيس جهاز أمني حساس، في توقيت حساس كهذا، يُنظر إليها على أنها خطوة تهدف إلى إخضاع المؤسسة الأمنية لإرادة نتنياهو السياسية، وليس بناءً على معايير مهنية.
الاحتجاجات التي قادها "منتدى الجنرالات"، وهو تجمع يضم قادة عسكريين وأمنيين سابقين، عكست استياءً متزايدًا في صفوف النخبة العسكرية والأمنية، هذه الشخصيات، التي عاصرت نتنياهو لسنوات، لم تتردد في التعبير عن رفضها العلني لسياساته، معتبرة أنه يقود الدولة نحو الهاوية.
نتنياهو... زعيم بلا ضمير؟
الرئيس السابق لجهاز الموساد، تامير باردو، أطلق تصريحات غير مسبوقة، وصف فيها نتنياهو بأنه شخص "بلا ضمير ولا بوصلة"، مؤكدًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي فشل في حماية أمن الدولة وأدار ظهره للتحذيرات الأمنية قبل اندلاع الحرب مع حماس في الـ 7 من أكتوبر 2023، لم يكن باردو الوحيد الذي وجه انتقادات حادة، بل انضم إليه قائد فيلق الشمال السابق نوعم تيبون، الذي اتهم حكومة نتنياهو بالفشل والتقصير في التعامل مع ملف الأسرى الإسرائيليين في غزة.
هذه الانتقادات لم تأتِ من فراغ؛ إذ تواجه حكومة نتنياهو اتهامات متزايدة بأنها تستخدم الحرب كأداة سياسية للبقاء في السلطة، وليس من أجل تحقيق أهداف استراتيجية حقيقية، فبينما يزعم نتنياهو أن استئناف الحرب ضروري لاستعادة الأسرى، يرى محللون أن الهدف الحقيقي هو تمرير الميزانية وإنقاذ حكومته من السقوط.
مستقبل قاتم لحكومة نتنياهو
مع تصاعد الاحتجاجات، يزداد الحديث عن احتمالات انهيار حكومة نتنياهو، فالتصدع داخل الائتلاف الحاكم أصبح أكثر وضوحاً، وخاصة مع استقالة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ثم عودته السريعة بعد استئناف الحرب، هذه المناورات السياسية قد تمنح نتنياهو وقتاً إضافياً، لكنها لن تنقذه على المدى البعيد.
يواجه نتنياهو تحديين رئيسيين: الأول، تزايد الغضب الشعبي، ليس فقط بين المعارضة، ولكن أيضًا داخل معسكره السياسي، حيث بدأ بعض حلفائه يشككون في قدرته على قيادة المرحلة المقبلة، والثاني، الضغوط الدولية المتزايدة، حيث تواجه "إسرائيل" اتهامات بارتكاب "جرائم إبادة" في غزة، وهو ما يزيد من عزلتها السياسية.
هل ينجو نتنياهو أم تكون هذه نهايته؟
في ظل هذه التطورات، يبدو أن نتنياهو يخوض معركة يائسة للبقاء في السلطة، لكن، مع تزايد الاحتجاجات واتساع الفجوة بينه وبين المؤسسة الأمنية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى يستطيع الصمود؟إذا استمرت الاحتجاجات وتزايد الضغط الداخلي والخارجي، فإن سقوط حكومة نتنياهو قد يصبح مسألة وقت. فهل تكون هذه النهاية السياسية لزعيم هيمن على المشهد الإسرائيلي لعقود؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف الإجابة، لكن المؤكد أن "إسرائيل" تعيش واحدة من أكثر الفترات اضطرابًا في تاريخها الحديث، ونتنياهو في عين العاصفة.
انقسامات داخلية.. وانهيار محتمل
إلى جانب الاحتجاجات، تتعمق الانقسامات داخل حزب الليكود نفسه، حيث يتزايد عدد المنتقدين من داخل الحزب لسياسات نتنياهو، معتبرين أن استمراره في السلطة بات يشكل عبئًا على مستقبل اليمين الإسرائيلي. وقد بدأ بعض الأعضاء في البحث عن بدائل محتملة لقيادة الحزب في المرحلة المقبلة، وهو ما ينذر بانفجار داخلي قد يؤدي إلى سقوط حكومة نتنياهو حتى قبل أي استحقاقات انتخابية.
من جهة أخرى، فإن تزايد الاحتجاجات المناهضة له يضعف موقفه في المفاوضات السياسية، مع كل يوم يمر، تزداد صعوبة احتفاظه بالتحالفات التي يعتمد عليها لضمان استمراريته في الحكم، فالأحزاب المتطرفة التي دعمته في السابق بدأت تلوح بإمكانية التخلي عنه إذا تراجعت شعبيته بشكل أكبر.
الخيار العسكري والورقة الأخيرة
في محاولة للالتفاف على الأزمة الداخلية، قد يلجأ نتنياهو إلى تصعيد عسكري جديد في غزة أو لبنان، مستخدمًا الأمن القومي كذريعة لحشد الدعم الداخلي، لكنه يدرك أن أي مغامرة عسكرية فاشلة قد تؤدي إلى نتائج عكسية تزيد من عزله وتسرّع بسقوطه، يمكن القول إن حكومة نتنياهو باتت في وضع هشٍّ غير مسبوق، والمظاهرات المستمرة ليست مجرد موجة عابرة، بل تعكس تحولًا عميقًا في المزاج السياسي الإسرائيلي. وعلى الرغم من محاولاته المستميتة لتجنب السقوط، فإن الخيارات أمامه تضيق يومًا بعد يوم، وقد تكون النهاية أقرب مما يتوقع.
شبح الانتفاضة الثالثة يخيّم على المشهد الإسرائيلي
لم تعد الاحتجاجات مجرد تعبير عن غضب النخبة الأمنية أو استياء المعارضة السياسية، بل تحولت إلى حركة عارمة تهدد بتقويض أركان الكيان، الشباب الإسرائيلي، الذي سئم من الحروب العبثية والوعود الكاذبة، خرج إلى الشوارع رافضًا أن يكون وقودًا لصراعات نتنياهو الشخصية، هؤلاء الشباب، باتوا يرون في نتنياهو رمزًا للفساد والاستبداد، ولا يرون في سياساته سوى طريقًا مسدودًا يقود إلى مزيد من العنف والدمار.
لم تعد القضية مجرد إقالة رئيس الشاباك أو تمرير الميزانية، هل سينجح إلكيان الصهيوني في التخلص من هذا المغامر الذي جره إلى الهاوية، أم الكيان سيستمر في الانحدار نحو مستقبل مجهول؟ شبح الانتفاضة الثالثة يخيّم على المشهد الإسرائيلي، والجميع يترقبون اللحظة التي سينفجر فيها الغضب الشعبي.
نتنياهو، الذي اعتاد على المراوغة والمناورة، يجد نفسه اليوم في مواجهة حقيقية، ولا يبدو أن لديه أي أوراق رابحة، لقد خسر ثقة المؤسسة الأمنية، وخسر دعم حلفائه، والأهم من ذلك، خسر ثقة الشعب.
هل ينجح نتنياهو في قمع هذه الانتفاضة الشعبية، أم إنه سيضطر إلى التنحي تحت ضغط الشارع؟ الأيام القادمة ستكون حاسمة، وستكشف ما إذا كانت "إسرائيل" قادرة على تجاوز هذه الأزمة، أم إنها ستغرق في دوامة من الفوضى والعنف.
المؤسسة الأمنية في مواجهة نتنياهو... صراع البقاء
لم يعد الصراع بين نتنياهو والمؤسسة الأمنية مجرد خلافات في وجهات النظر، بل تحول إلى حرب مفتوحة على السلطة، قادة الجيش والمخابرات، الذين ضاقوا ذرعًا بتدخلات نتنياهو في شؤونهم، قرروا أن الوقت قد حان لوضع حد لطموحاته الشخصية، لقد أدركوا أن نتنياهو لا يرى فيهم شركاء في إدارة الدولة، بل مجرد أدوات لتنفيذ أجندته الخاصة.
إقالة رونين بار كانت بمثابة إعلان حرب من نتنياهو على المؤسسة الأمنية، لكنها كانت أيضًا نقطة تحول في هذا الصراع. الجنرالات، الذين اعتادوا على العمل في الخفاء، خرجوا إلى العلن متحدين نتنياهو، ومؤكدين أنهم لن يسمحوا له بتدمير المؤسسة الأمنية، لقد أدركوا أن صمتهم لم يعد مجديًا، وأن بقاءهم يتطلب منهم الوقوف في وجه هذا الزعيم الذي يقود الدولة إلى الهاوية.
المؤسسة الأمنية، التي تتمتع بنفوذ واسع في المجتمع الإسرائيلي، باتت تشكل تحديًا حقيقيًا لسلطة نتنياهو، لقد أدرك الشعب الإسرائيلي أن هذه المؤسسة هي الضامن الحقيقي لأمنه واستقراره، وأن نتنياهو يسعى إلى تدميرها من أجل مصالحه الشخصية، هذا التحالف بين الشعب والمؤسسة الأمنية يجعل موقف نتنياهو أكثر ضعفًا، ويزيد من احتمالات سقوطه.
هل ينجح نتنياهو في كسر شوكة المؤسسة الأمنية، أم إنه سيضطر إلى الاستسلام أمام قوتها؟ الصراع بينهما وصل إلى نقطة اللاعودة، والنتيجة ستحدد مستقبل الكيان الصهيوني.