الوقت- تسببت الحرب في سورية في إفراغ العديد من المناطق من سكانها الأصليين، خاصة مع تصاعد العنف و المواجهات، التي استهدفت الأقليات بالقتل والخطف والتدمير الثقافي والديني. كما أدى التدخل الخارجي، سواء من الولايات المتحدة، تركيا، أو قوى إقليمية أخرى، إلى تعقيد المشهد، مما جعل الأقليات بين سندان العنف ومطرقة المصالح السياسية.
في ظل التخوف من تكرار السيناريو العراقي عبر نائب الرئيس الأمريكي عن ما يحصل في سورية مؤكداً أن بلاده لا تفكر في إرسال قوات إلى سورية خصوصا بعد أن أقدمت القوات الأمريكية على تدمير المجتمعات المسيحية في العراق.
في هذا السياق، يبرز التساؤل: هل يمكن حماية هذا التنوع التاريخي في سورية، أم أن البلاد تسير نحو تكرار السيناريو العراقي، حيث انتهى الأمر بتهجير معظم الأقليات وتحولهم إلى مجتمعات مشتتة في الشتات؟
إقرار بالذنب
اقر نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس بأن الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 أسفر عن تدمير "أعظم المجتمعات المسيحية التاريخية في العالم"، محذرا من تكرار هذا السيناريو في سورية، مؤكدا ضرورة حماية الأقليات هناك.
وفي مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، أشار فانس إلى أن الإدارة الأمريكية يجب أن تكون على دراية كاملة بعواقب تعاملها مع الأوضاع في سورية، وأكد ضرورة ضمان حماية المجتمعات المسيحية والتاريخية في المنطقة. وقال: "يجب أن نتذكر من نتعامل معهم في سورية وأن نضمن حماية هذه المجتمعات العريقة."
وأضاف فانس: "ما يحدث للأقليات في سورية مؤلم للغاية، ونحن نحاول تحديد مدى خطورة الوضع. نسعى لمعرفة إذا كان ما تعرضت له هذه الأقليات يمثل حادثا محدودا أم إبادة جماعية."
وأوضح فانس أن الولايات المتحدة تعمل مع حلفائها وتقوم بإجراءات غير معلنة لحماية الأقليات في سورية، مثل المسيحيين والدروز. ومع ذلك، شدد على أن واشنطن لن ترسل قوات عسكرية إلى سورية، ولكنها ستعتمد على الجهود الدبلوماسية والاقتصادية لحماية هذه المجتمعات.
وفي تعليقه على الغزو الأمريكي للعراق، قال فانس: "غزو العراق أدى إلى تدمير أحد أعظم المجتمعات المسيحية التاريخية في العالم. لا نريد أن نسمح بتكرار هذا السيناريو وتدمير مجتمع مسيحي آخر."
الاحتلال الأمريكي للعراق 2003دمر المجتمع المسيحي
عندما غزت الولايات المتحدة العراق عام 2003، كان التبرير الرسمي للحرب قائمًا على مزاعم امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وإقامة نظام ديمقراطي جديد، لكن النتائج الفعلية كانت كارثية، خاصة على الأقليات، وخصوصًا المسيحيين الذين كانوا يشكلون جزءًا أصيلًا من النسيج العراقي.
قبل الاحتلال، كان العراق يضم واحدة من أقدم الجاليات المسيحية في العالم، تقدر بأكثر من 1.5 مليون شخص، يعيشون بسلام نسبي بين بغداد والموصل وسهل نينوى، لكن بعد الغزو، تحولت هذه الجالية إلى هدف للعنف والتهجير المنظم، حيث أدت السياسات الأمريكية والتغيرات التي أحدثها الاحتلال إلى تدمير بنيتها الاجتماعية.
1. تفكيك الدولة وإطلاق العنان للفوضى
عندما قررت الولايات المتحدة حل الجيش العراقي وتفكيك مؤسسات الدولة، تركت البلاد في حالة من الفراغ الأمني، مما أدى إلى صعود الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية، مثل تنظيم القاعدة ومن بعده داعش. في ظل هذه الفوضى، أصبحت الأقليات، وخصوصًا المسيحيين، هدفًا سهلًا للاضطهاد والاعتداءات.
2. العنف الطائفي واستهداف المسيحيين
بعد عام 2003، تصاعد العنف الطائفي في العراق، ومع تزايد نفوذ الميليشيات والجماعات المتطرفة، أصبح المسيحيون ضحايا لعمليات خطف وقتل وتهجير قسري. تم استهداف الكنائس بالمتفجرات، وأُجبر المسيحيون على دفع "الجزية" أو ترك منازلهم، لا سيما في بغداد والموصل.
3. تهجير المسيحيين وتغيير التركيبة السكانية
مع تصاعد العنف، اضطر مئات الآلاف من المسيحيين إلى الهجرة القسرية. وبحلول عام 2020، انخفض عددهم إلى أقل من 250 ألفًا، أي أن أكثر من 80% من المجتمع المسيحي العراقي تم تهجيره خلال أقل من عقدين. هذه الهجرة الجماعية غيرت التوازن الديموغرافي في مناطق مثل سهل نينوى، الذي كان تاريخيًا مركزًا مسيحيًا.
4. التواطؤ الأمريكي والفشل في حماية الأقليات
على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت ترفع شعار "الديمقراطية وحقوق الإنسان"، إلا أنها فشلت في حماية الأقليات. لم تتخذ أي إجراءات لمنع استهداف المسيحيين، بل إن بعض سياساتها، مثل دعم الجماعات المسلحة لمحاربة النظام العراقي السابق، ساهمت في خلق بيئة معادية للأقليات.
هل يتكرر السيناريو في سورية؟
ما حدث في العراق خلال العقدين الماضيين يثير مخاوف كبيرة بشأن مستقبل الأقليات في سورية، خصوصًا في ظل استمرار الحرب والصراع بين القوى الإقليمية والدولية على الأراضي السورية.
1. التهديد المتزايد للمسيحيين في سورية
قبل اندلاع الأزمة السورية عام 2011، كان المسيحيون يشكلون حوالي 10% من سكان سورية، لكن مع تصاعد الحرب، تعرضوا لتهجير واسع، خصوصًا في المناطق التي وقعت تحت سيطرة الجماعات المسلحة، مثل داعش وجبهة النصرة. هُجّر عشرات الآلاف من المسيحيين من الرقة، وإدلب، وريف حلب، وتم تدمير الكنائس وسرقة ممتلكاتهم كما حدث في العراق بعد 2003.
2. تفكك الدولة وخطر الفوضى الأمنية
كما حدث في العراق بعد حل الجيش ومؤسسات الدولة، أدى ضعف الحكومة السورية في بعض المناطق، وسيطرة الجماعات المتشددة، إلى خلق بيئة غير آمنة للأقليات. وهذا يجعل السيناريو العراقي، من تهجير وتصفية الأقليات، خطرًا قائمًا في سورية، خصوصًا إذا استمرت حالة عدم الاستقرار السياسي والعسكري.
3. التغيير الديموغرافي المدفوع بالقوى الخارجية
في العراق، لعبت بعض القوى الإقليمية دورًا في إعادة تشكيل التركيبة السكانية لمناطق الأقليات. أما في سورية، فقد تم استخدام التهجير القسري كأداة سياسية، سواء عبر الحرب أو عبر إعادة توطين مجموعات سكانية جديدة في مناطق الأقليات، مما يهدد الوجود التاريخي لهم.
4. التدخل الأمريكي والدولي وتأثيره على الأقليات
كما ساهم الاحتلال الأمريكي في إطلاق العنان للفوضى في العراق، فإن التدخلات العسكرية الأمريكية والتركية في سورية تثير مخاوف مماثلة. في بعض المناطق، أدى الانسحاب الأمريكي المفاجئ، مثلما حدث في شمال سورية عام 2019، إلى تعريض الأقليات للخطر، وتركهم عرضة لهجمات الميليشيات المتشددة.
ختام القول، بين العراق وسورية.. مصير مجهول للأقليات
يظهر الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 كواحد من أكثر النماذج تدميرًا للأقليات، حيث أدى إلى تهجير أكثر من مليون مسيحي، وتدمير كنائسهم، وخلق بيئة طائفية غير مستقرة. واليوم، تلوح نفس المخاوف في سورية، حيث تواجه الأقليات خطر الاضطهاد، والتهجير القسري، والتغيير الديموغرافي. ومع استمرار الصراعات الإقليمية والتدخلات الأجنبية، يظل السؤال الأهم: هل سيتكرر السيناريو العراقي في سورية، أم أن المجتمع الدولي سيتدخل لحماية ما تبقى من التنوع الديني والعرقي في المنطقة؟