الوقت- بعد الحرب الأخيرة بين حزب الله والكيان الصهيوني، تكثفت التطورات الداخلية في بيروت، وبعد سنوات عديدة من انعدام الجنسية في بيروت، تم تشكيل الحكومة اللبنانية أخيراً بتصويت من البرلمان، وتجدر الإشارة إلى أن خمسة من وزرائها من أنصار حزب الله وممثليه.
وكما أنه بعد كل حرب تحاول الحكومات المختلفة الاستفادة من ظروف ما بعد الحرب في البلدان المشاركة من أجل الحصول على فوائد وامتيازات سياسية في البلد المشارك في الحرب، فإن لبنان يشهد اليوم جهوداً وتنافساً بين بلدان مختلفة من أجل الحصول على امتيازات سياسية واقتصادية من أجل تثبيت وتعزيز مكانتها في هذا البلد.
والآن، إلى جانب الدول الأوروبية والولايات المتحدة والمنطقة، فإن أحد الأطراف التي تحاول بشكل جدي العودة إلى مشهد التطورات الداخلية والخارجية في لبنان هي المملكة العربية السعودية، وتعتبر زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى لبنان في الأسابيع الأخيرة رمزاً للاهتمام المتجدد من جانب آل سعود بحكومة السدر وفرصة لتغيير التوازنات في لبنان.
وكانت عائلة آل سعود قد دعمت في السابق القوى السياسية المتحالفة مع التيار السني في لبنان لتأمين موطئ قدم لها في البلاد، لكن الرياض قلصت بشكل كبير خلال العقد الماضي تدخلها ومساعداتها المالية للبنان بسبب تراجع حلفائها المحليين، بما في ذلك رئيس الوزراء السابق سعد الحريري.
وعلى خلفية التطورات الأخيرة، تم تعيين جوزيف عون رئيساً للجمهورية ونواف سلام رئيساً للحكومة، وكلاهما ينتميان إلى تيار المعارضة لحزب الله ويدعمهما السعوديون، وبذلت السعودية، إلى جانب الأمريكيين، جهداً فعالاً لانتخاب جوزيف عون، قائد الجيش اللبناني، رئيساً للجمهورية اللبنانية.
وأجرى يزيد بن فرحان مستشار الشؤون اللبنانية في وزارة الخارجية السعودية عدة لقاءات مع أحزاب سياسية وتيارات نيابية في بيروت قبل إجراء الانتخابات النيابية في لبنان لانتخاب رئيس الجمهورية، وصرح بعد عودته من رحلته إلى بيروت أن قائد الجيش اللبناني هو المرشح الرئيسي للرئاسة، وفي لقاء قصير نسبيا مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، أعلن أن "الحكومة السعودية تدعم ترشيح قائد الجيش للرئاسة".
وصل تدخل السعودية في التطورات الأخيرة في لبنان إلى درجة أن أحد أعضاء مجلس النواب اللبناني، وفي احتجاج ساخر على تدخل يزيد بن فرحان مستشار وزير الخارجية السعودي للشؤون اللبنانية في عملية الانتخابات الرئاسية اللبنانية، كتب ساخراً اسمه جوزيف عاموس بن فرحان على أوراق الاقتراع، وهو ما يشير إلى الدعم الكامل من الولايات المتحدة والسعودية لجوزيف عون، ويبدو أن السعوديين سعداء بهذه التطورات، ويعتبرونها فرصة لإعادة تأكيد نفوذهم في لبنان، وهو ما يمكن ملاحظته في كلام وزير الخارجية السعودي قبل زيارته الأخيرة إلى لبنان، وقال بن فرحان عشية زيارته الأخيرة إلى بيروت: "بالنظر إلى ما رأيته حتى الآن والمفاوضات الجارية في لبنان، أستطيع أن أكون متفائلاً للغاية بشأن مستقبل التطورات في لبنان".
وبالطبع لا يجب أن ننسى اهتمام الزعماء اللبنانيين الحاليين بالسعودية، الذين وصلوا إلى السلطة بمساعدة وأموال سعودية، وسيكون القادة الحاليون في لبنان سعداء أيضاً باستئناف الدعم والمساعدات المالية السعودية، وليس من دون سبب أن أعلن عون أن رحلته الأولى خارج لبنان ستكون إلى المملكة العربية السعودية، إن الاستثمار المتوقع من السعودية ليس فقط لاحتياجات جيوسياسية، بل أيضاً بالنسبة لجوزيف عون ونواف سلام، ضرورة اقتصادية، في واقع الأمر، كانت القوة الوحيدة التي تمتلكها المملكة العربية السعودية في لعب دور في التطورات الأخيرة والمستمرة في لبنان هي مواردها المالية.
وفي الوقت نفسه، هناك أيضاً مصلحة واضحة للنظام الصهيوني في زيادة النفوذ السعودي في بيروت، إذا كان ذلك من شأنه تهميش حزب الله وإيران، في واقع الأمر، إن الهجمات العسكرية الإسرائيلية على لبنان وحزب الله هي التي تعطي السعودية الحافز لبدء مخططاتها لاستكمال المخططات المناهضة لإيران التي ينفذها الصهاينة والغرب في المنطقة، إن الكيان الصهيوني والمملكة العربية السعودية كلاهما جريحين بسبب الصراع مع حزب الله في لبنان في مختلف الساحات، وبالتالي فإن إضعاف حزب الله في لبنان هو الهدف والمشروع المشترك لتل أبيب والرياض.
لقد كانت المملكة العربية السعودية دائما على الجانب الخاسر من المعادلة في المنافسات الإقليمية مع إيران في السنوات الأخيرة، إن هزيمة داعش والجماعات الإرهابية المدعومة من السعودية من إيران ومحور المقاومة في العراق وسوريا (2012-2019)، والهزيمة في حرب اليمن وقبول وقف إطلاق النار والسلام مع أنصار الله (2014-2022)، وفقدان رئيس الوزراء الحليف في لبنان (سعد الحريري)، وعدم القدرة على إقناع ترامب والدول الأوروبية بمهاجمة إيران، وأخيراً الجلوس على طاولة المفاوضات مع إيران وتوقيع اتفاقية سلام مع طهران في بكين عام 2022، كل هذا يؤكد الفشل المطلق والهزيمة للسياسات الإقليمية السعودية تجاه إيران على مدى العقد الماضي.
ولذلك، يبذل آل سعود، بمساعدة تل أبيب والبيت الأبيض، جهوداً للتعويض عن بعض إخفاقاتها الإقليمية في السنوات الأخيرة، مستخدمة قوتها الوحيدة، أي البترودولارات، لاستعادة جزء من هيبتها ومكانتها المفقودة بين الدول العربية والمنطقة.
وفي هذا الإطار ينبغي أيضاً تحليل ودراسة جهود السعوديين واستعدادهم لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني ووضع شروطه، بما في ذلك الاعتراف بالدولة الفلسطينية كرمز لدفاع الأسرة السعودية عن فلسطين وشعبها، وبطبيعة الحال، يجب على حكام السعودية أن يدركوا أنهم في سبيل تعزيز موطئ قدمهم في لبنان يواجهون لاعباً مهماً وحاسماً هو حزب الله، الذي لم تتمكن أي قوة محلية أو خارجية من إزاحته عن مسرح التطورات اللبنانية حتى الآن، وقد ذاق السعوديون طعم الهزيمة مرات عديدة في مواجهته، ومن المؤكد أنهم سوف يكررون في المستقبل تجاربهم السابقة في مواجهة حزب الله.