الوقت - كشفت تقارير إعلامية عن مفاوضات سرية تجريها الولايات المتحدة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بهدف تأمين الإفراج عن أسرى أمريكيين محتجزين في قطاع غزة. أثارت هذه المحادثات مخاوف إسرائيلية عميقة، وسط قلق متزايد من التداعيات السياسية والأمنية لأي اتفاق محتمل.
وفقًا لتقرير نشرته وكالة "أكسيوس"، فإن إسرائيل اكتشفت هذه المفاوضات من خلال قنواتها الخاصة، على الرغم من تحذيراتها المسبقة للإدارة الأمريكية بعدم التفاوض مع حماس دون شروط مسبقة. وعندما واجهت إسرائيل المسؤولين الأمريكيين بشأن الأمر، أكدوا أنهم لم يصلوا إلى أي اتفاق بعد، لكنهم لم ينفوا استمرار المحادثات.
وذكرت مصادر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجنب انتقاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب علنًا بعد الكشف عن المحادثات، مكتفيًا بالتأكيد على أن إسرائيل أوضحت موقفها للولايات المتحدة. إلا أن مستشاره المقرب، رون ديرمر، كان أكثر صراحة، معبرًا عن رفضه القاطع لهذه المحادثات خلال مكالمة هاتفية وصفها المصدران بأنها "صعبة" مع مبعوث الرهائن الأمريكي آدم بولر.
مفاوضات مباشرة في الدوحة وتوترات متزايدة
تمحورت المحادثات في الدوحة بين بولر وقيادات من حماس حول الإفراج عن الأسير الأمريكي عيدان ألكسندر (21 عامًا) وجثث أربعة أمريكيين قُتلوا خلال النزاع. ووفقًا لمسؤولين أمريكيين، فإن إدارة ترامب كانت تأمل في تحقيق اختراق قبل خطاب الرئيس أمام الكونغرس، حيث سعت إلى التوصل لاتفاق يمكن أن يشمل هدنة طويلة الأمد، وخروجًا آمنًا لقادة حماس من غزة، إضافة إلى إطلاق سراح جميع الأسرى المتبقين.
لكن الرد الأولي من حماس لم يكن كافيًا لتحقيق هذا الهدف، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى تصعيد الضغط، حيث أطلق ترامب تهديدًا علنيًا عبر منصته على "تروث سوشيال"، قائلًا: "هذا هو تحذيركم الأخير!"، في إشارة واضحة إلى ضرورة امتثال حماس للمطالب الأمريكية بشأن الإفراج عن الأسرى.
الضغوط الإسرائيلية والمخاوف من تداعيات الاتفاق
من جانبها، أعربت إسرائيل عن قلقها البالغ من أن هذه المفاوضات قد تفرض عليها دفع ثمن سياسي أو أمني كبير. ونقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مسؤولين إسرائيليين أن تل أبيب تخشى أن تؤدي هذه المحادثات إلى اتفاق يضعف موقفها التفاوضي أو يؤدي إلى وقف إطلاق نار يعيق عملياتها العسكرية في غزة.
وكانت حكومة الاحتلال قد رفضت في وقت سابق التعاون مع الجهود التي تركز على إطلاق سراح أسرى أمريكيين فقط، خشية أن يؤدي ذلك إلى انتقادات داخلية من عائلات الأسرى الإسرائيليين الذين ما زالوا محتجزين لدى حماس. ونتيجة لهذا الموقف، قررت واشنطن المضي قدمًا في مفاوضاتها مع حماس دون مشاركة إسرائيلية مباشرة.
إسرائيل تحاول عرقلة المفاوضات
تشير التقارير إلى أن إسرائيل حاولت عدة مرات تعطيل المحادثات بين واشنطن وحماس. فقد أبلغت مصادر إسرائيلية صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن حكومة نتنياهو تواصلت مع مجلس الأمن القومي الأمريكي للتعبير عن رفضها القاطع لهذه المفاوضات، ما أدى إلى تأجيل لقاء كان من المقرر عقده بين مسؤول أمريكي رفيع وقيادي في حماس.
ومع استمرار المحادثات، تتزايد المخاوف الإسرائيلية من أن تثمر هذه الجهود عن اتفاق يُمكّن حماس من تحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية على حساب تل أبيب. وتزامنًا مع ذلك، من المقرر أن يعقد نتنياهو مشاورات أمنية مع قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لتقييم التطورات واتخاذ قرارات بشأن كيفية التعامل مع هذه المحادثات.
الولايات المتحدة تؤكد تقدم المفاوضات رغم العرقلة الإسرائيلية
رغم الضغوط الإسرائيلية، تؤكد مصادر أمريكية أن المفاوضات أحرزت تقدمًا، حيث تسعى واشنطن، بمساعدة قطر ومصر، إلى التوصل لاتفاق يضمن إطلاق سراح عشرة أسرى أحياء مقابل تمديد وقف إطلاق النار في غزة لمدة شهرين.
وفي ظل هذا التطور، أعلنت حركة حماس عن "مؤشرات إيجابية" لاستمرار التهدئة والانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق. لكن إسرائيل سارعت إلى نفي وجود أي تقدم ملموس، مؤكدة أنها لم تتلقَّ أي تأكيدات بشأن اتفاق وشيك.
بينما تستمر المفاوضات في الدوحة، يتوقع أن تزداد الضغوط الإسرائيلية على إدارة ترامب لمنع التوصل إلى اتفاق قد يمنح حماس مكاسب استراتيجية. وفي المقابل، يبدو أن واشنطن مصممة على المضي قدمًا في جهودها، مدفوعة بالضغوط الداخلية من عائلات الأسرى الأمريكيين الذين يطالبون بحل عاجل لهذه الأزمة.
في ظل هذه التوترات، تظل الأسئلة مفتوحة حول ما إذا كانت هذه المحادثات ستفضي إلى انفراجة حقيقية، أم أنها ستؤدي إلى مزيد من التعقيد في المشهد السياسي والأمني في المنطقة.