الوقت- كانت وسائل إعلام ومحللون قد حذروا من سلوكيات دونالد ترامب قبل توليه الرئاسة، معتبرين أن عدم القدرة على التنبؤ هي السمة الرئيسية له، ولكن قِلة من الناس تصوروا أنه بعد بضعة أسابيع فقط من ولايته الثانية، سوف يشهد هو وحاشيته سلوكاً غير دبلوماسي ومهيناً تجاه رئيس دولة مضطربة مثل أوكرانيا، أمام كاميرات وسائل الإعلام وفي أجواء حميمة على ما يبدو.
على أي حال، كان دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة بين عامي 2017 و2021، وكان يُعتبر أحد أكثر الزعماء إثارة للجدل في التاريخ الأمريكي الحديث بسبب سلوكه غير التقليدي ونبرته العدوانية وإهاناته العلنية تجاه شعوب ومسؤولي مختلف البلدان، وفي مناسبات مختلفة، استخدم تويتر وخطاباته واجتماعاته الرسمية لمهاجمة رؤساء الدول وإذلالهم.
ورغم أن البعض يشتبه في أن سلوكه الليلة الماضية مع فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض كان مخططا له ويهدف إلى تبرير نهج واشنطن الدبلوماسي مع روسيا والضغط على كييف، إلا أنه في كل الأحوال يجب الاعتراف بأن ترامب ونائبه، من خلال محاصرة زيلينسكي والصراخ عليه ووصفه بالضعيف ثم مغادرته مبكرا من البيت الأبيض والولايات المتحدة، دق ناقوس الخطر في العالم، وخاصة حلفاء واشنطن، من تكرار سلوك السنوات الأربع الأولى من رئاسته.
سلوكيات ترامب غير التقليدية في السنوات الأربع الأولى من رئاسته
في الأشهر الأخيرة من ولاية دونالد ترامب في البيت الأبيض في عام 2020، ذكرت شبكة CNN أن مصادر أمريكية كشفت أن ترامب كان يتحدث دائمًا إلى الزعماء الأجانب، وخاصة زعماء الدول الشريكة والحليفة لأمريكا، في محادثات هاتفية سرية للغاية.
ويبدو أن ترامب، خلال السنوات الأربع الأولى من رئاسته، اعتاد على إيصال أي انتقاد لحلفائه إليهم بطريقة عدوانية ومهينة، في هذه الأثناء، كانت بريطانيا وفرنسا وكندا وألمانيا، وهي حلفاء مقربون وشركاء اقتصاديون للولايات المتحدة، أيضًا هدفًا لهجمات ترامب القاسية والمدمرة.
وحسب شبكة "سي إن إن"، وصف ترامب علانية رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي بأنها شخص ضعيف وجبان، والمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل بأنها حمقاء، وكان حديثه مع المسؤول الألماني عدوانياً إلى درجة أن المسؤولين الألمان شعروا بالقلق ولم يبلغوا وسائل الإعلام بالمحادثة.
واستهدف ترامب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مرارا وتكرارا بهجمات لفظية في اجتماعات مباشرة، واتهم ألمانيا بإساءة معاملة الولايات المتحدة في المسائل التجارية والعسكرية، كما وصف ميركل بأنها "ضعيفة" بسبب سياساتها المتعلقة بالهجرة، وفي قمة حلف شمال الأطلسي، قال ترامب لميركل بشكل مباشر إنها أصبحت "عبداً" لروسيا لأنها تعتمد على موارد الطاقة في البلاد.
ترامب ونهجه في تشويه سمعة زعماء العالم... من ماكرون إلى ميركل وزيلينسكي
ولم يعامل ترامب أيضًا نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بشكل جيد، وفي عام 2018، وبعد أن انتقد ماكرون قومية ترامب، وصف الرئيس الفرنسي بأنه شخص غير مرحب به في بلاده، كما سخر مراراً وتكراراً من اقتراح باريس بإنشاء جيش أوروبي، مسلطاً الضوء على هزائم فرنسا في الحرب العالمية الثانية لهذا السبب.
بعد قمة مجموعة السبع في عام 2018، وصف ترامب رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بأنه "ضعيف للغاية" و"غير أمين"، وجاءت الإهانة بعد أن انتقد ترودو السياسات التجارية الأمريكية وقال إن كندا لن تخضع للرسوم الجمركية الأمريكية، ردا على تصريحات كندا، منع ترامب الوفد الأمريكي من التوقيع على البيان المشترك للقمة.
خلال مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصف ترامب أيضًا سياسات رئيسة الوزراء آنذاك تيريزا ماي بأنها غير فعالة ونصحها باللجوء إلى رفع دعوى قضائية للخروج من الاتحاد الأوروبي، وانتقد أيضا تيريزا ماي ووصفها بأنها "ضعيفة" في التعامل مع الاتحاد الأوروبي.
إهانة المسؤولين في الدول غير المنحازة وغير المتحيزة
وبطبيعة الحال، لم تقتصر الإهانات والهجمات على حلفاء البيت الأبيض فحسب، بل شملت في بعض الأحيان مسؤولين من دول أخرى أيضاً، وكان ترامب قد أطلق في بادئ الأمر على الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون لقب "رجل الصواريخ الصغير" وهدد بأن الولايات المتحدة "ستدمر كوريا الشمالية بالكامل" إذا استمرت في تهديداتها، وبطبيعة الحال، فقد غيّر نبرته في وقت لاحق خلال المفاوضات النووية، حتى أنه أشار إلى كيم باعتباره "صديقًا".
وذكرت شبكة سكاي نيوز أن ترامب نشر أيضًا رسائله العدوانية على موقع التواصل الاجتماعي تويتر السابق (الآن X) في واحدة من أغرب محاولاته للدبلوماسية عبر تويتر، انتقد ترامب بشدة الزعيم الكوري الشمالي، ووصفه بأنه رجل عجوز وغير عصري، وأضاف ترامب في رسالته إنه لن يصفه أبدًا بأنه "قصير وسمين" لأنه كان يحاول أن يكون صديقًا للزعيم الكوري الشمالي.
أقام ترامب علاقة وثيقة مع الرئيس الصيني في بداية ولايته الأولى، ولكن بعد تصاعد الحرب التجارية، هاجم شي جين بينج مرارا وتكرارا، واتهم الصين بـ"خداع أمريكا" وألقى باللوم على بكين في انتشار جائحة فيروس كورونا، وقد استخدم مصطلح "الفيروس الصيني" عدة مرات، ما أثار غضب المسؤولين في بكين.
وعلى عكس ما يبدو، لم يكن ترامب مهذبا دائما مع الملك السعودي سلمان، وأكد ترامب مراراً وتكراراً في خطاباته أن السعودية لن تتمكن من البقاء من دون الدعم العسكري الأمريكي، وقبل بضعة أشهر، وفي أحد تجمعاته الانتخابية، صرح بأنه قال للملك سلمان: "أيها الملك، سنحميك، ولكن عليك أن تدفع الثمن"، ولم يتم بعد محو مقارنة المملكة العربية السعودية بـ "البقرة الحلوب" من أذهان الجمهور.
لقد أصبح سلوك ترامب المهين تجاه المسؤولين من مختلف البلدان، سواء على شكل تغريدات ساخرة أو في الاجتماعات والخطابات الرسمية، أحد الجوانب المثيرة للجدل في ولايته الأولى في المنصب، وهو الآن يكرر السلوك نفسه تقريبا تجاه أوكرانيا.
إن أوكرانيا لا تستطيع البقاء على قيد الحياة من دون الدعم الأمريكي أو أن أوروبا تستغل أمريكا، كما أن وصف الحكومات والدول الأخرى بأنها ضعيفة وغير فعالة وغير شاكرة هي تكرار لسلوكيات ترامب العدوانية السابقة، والتي شهدنا حزمة كاملة منها الليلة الماضية في اجتماعه الفريد مع زيلينسكي في البيت الأبيض.
