الوقت - بعد مرور ما يزيد على خمسة عشر شهراً من العدوان الصهيوني الغاشم على قطاع غزة، وما تخلله من جرائم حرب وممارسات إبادة جماعية مُمنهجة ضد الشعب الفلسطيني، اضطر بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، قُبيل تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، إلى الموافقة على مقترحات وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى مع فصائل المقاومة في غزة.
بيد أن صحيفة "هآرتس" العبرية كشفت في تقرير لها، أن جيش الاحتلال لم يُبدِ أي اعتراضات جوهرية على وقف العمليات العسكرية في شمال القطاع ضمن إطار اتفاق التهدئة المرتقب.
وأردفت الصحيفة في تحليلها أن القيادات العسكرية الصهيونية باتت تُبدي شكوكاً عميقةً إزاء جدوى العمليات العسكرية المتواصلة في شمال غزة، وخاصةً في ظل الخسائر البشرية الموجعة التي تكبدتها قوات الاحتلال في الآونة الأخيرة في تلك المنطقة.
وكشفت صحيفة "هآرتس" العبرية عن شروع الكيان الصهيوني في تنفيذ خطة انسحاب تدريجي محسوب من مناطق حيوية في قطاع غزة، تشمل منطقة نتساريم الاستراتيجية ومحور فيلادلفيا، وذلك ضمن المرحلة الأولى من الاتفاق المرتقب.
وأبرزت الصحيفة هواجس عميقة لدى المؤسسة الأمنية الصهيونية، من احتمالية توظيف القائدين البارزين محمد الضيف ومحمد السنوار الفترة الراهنة لتعزيز أوراق القوة التفاوضية للمقاومة، سعياً لانتزاع شروط أكثر تفوقاً في المباحثات الجارية.
وفي سياق متصل، كانت الإذاعة العسكرية الصهيونية قد أماطت اللثام عن حصيلة مروعة لخسائر جيش الاحتلال، حيث لقي 55 جندياً صهيونياً مصرعهم في عمليات نوعية للمقاومة، منذ انطلاق العمليات العسكرية في شمال القطاع قبل ما يربو على مئة يوم.
وقد أثار التصاعد الملحوظ في العمليات النوعية للمقاومة مؤخراً، وخاصةً في المحور الشمالي للقطاع - والذي أسفر عن خسائر فادحة في صفوف قوات الاحتلال - تساؤلات جوهرية حول تطور الاستراتيجية العسكرية للمقاومة وتحول تكتيكاتها القتالية.
ويبرز في هذا المشهد سؤال محوري حول خلافة الشهيد القائد يحيى السنوار، إذ لم تعلن حركة حماس رسمياً عن قيادة جديدة أو تشكيل مجلس قيادي داخل القطاع أو خارجه، بيد أن المؤشرات الميدانية والاستخباراتية تؤكد اضطلاع محمد السنوار، الشقيق الأصغر للشهيد يحيى، بمهام القيادة العسكرية، حيث يقود عملية إعادة بناء شاملة للقدرات العسكرية والاستخباراتية للحركة، مع تركيز خاص على استقطاب الكوادر النوعية وإعادة هيكلة البنية التنظيمية للمقاومة، وفق متطلبات المرحلة الراهنة.
المحللون: حماس تستغل وقف إطلاق النار لإعادة بناء قدراتها العسكرية
كشف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، فراس ياغي، في حديثٍ خاص لصحيفة النهار اللبنانية، عن المشهد القيادي الراهن لحركة حماس. وأوضح أن تولي محمد السنوار زمام القيادة، يستند إلى ركيزتين أساسيتين: تتمثل الأولى في "مكانته الاستثنائية داخل الحركة وكتائب القسام"، في حين تتجلى الثانية في "التحديات اللوجستية للتواصل بين الداخل والخارج"، ما يجعل وجود قيادة محورية لإدارة المعركة والملفات الحساسة ضرورةً استراتيجيةً ملحةً.
وفي سياقٍ متصل، قدَّم الخبير الأمني الإسرائيلي المخضرم، أمير أفيفي، تقييماً لافتاً حول ديناميكيات التجنيد لدى حماس، مؤكداً: "نشهد حالياً معادلةً غير متوازنة، حيث تتفوق وتيرة إعادة البناء التنظيمي على جهود التفكيك".
ويعزز هذا التحليل ما أكده يوئيل غوزانسكي، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بتل أبيب، من أن حماس ستواصل مسيرتها في التجنيد والتسليح بوتيرة متصاعدة.
وفيما يتعلق بالمنظومة المالية، أوضح ياغي أن حماس تعتمد على شبكة متنوعة من الموارد، تتراوح بين احتياطيات استراتيجية وإيرادات ضريبية من التجارة الثانوية، ما مكّنها حتى الآونة الأخيرة من الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه منتسبيها.
وفي تطورٍ لافت، نقلت مصادر دبلوماسية عربية، استناداً إلى تقديرات إسرائيلية، أن الأعداد المنضمة حديثاً إلى صفوف حماس، تُقدّر بالآلاف، ورغم محدودية خبراتهم القتالية، يتم تنظيمهم في وحدات تكتيكية صغيرة لتنفيذ عمليات خاطفة، وقد تجلت فاعلية هذا النهج في عملية بيت حانون النوعية، التي أسفرت عن خسائر في صفوف القوات الإسرائيلية.
وفي خضم مساعي حماس الحثيثة لإعادة هيكلة صفوفها تحت قيادة محمد السنوار، تبرز تساؤلات جوهرية حول مستقبل القيادة في مرحلة ما بعد الحرب، ومدى تقبل القيادات التاريخية للحركة لقيادة السنوار، وطبيعة النهج الذي سيتبعه في إدارة التعددية التنظيمية داخل الحركة.
كل شيء بضوء أخضر من السنّوار الجديد
كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن تحوُّلات جذرية في المشهد المقاوم الفلسطيني، فعلى الرغم من الفقد الاستراتيجي الذي مُنيت به حركة حماس في خريف العام المنصرم باستشهاد يحيى السنوار - المهندس الفذّ لعملية طوفان الأقصى النوعية - إلا أن الحركة أظهرت قدرةً استثنائيةً على التكيُّف والتجدد تحت القيادة الديناميكية لمحمد السنوار، متجليةً في سلسلة من المبادرات العسكرية المحكمة التي تؤكد استعادة زمام المبادرة الميدانية.
وأبرزت الصحيفة في تحليلها أن استراتيجية التجنيد المتقنة والمعارك المدروسة تحت إشراف السنوار الأصغر، قد فرضت معادلةً عسكريةً مستجدةً، أرغمت قوات الاحتلال الإسرائيلي - بعد خمسة عشر شهراً من العدوان المتواصل على غزة - على إعادة عملياتها في مناطق سبق لها السيطرة عليها، في مؤشر جلي على استنزاف قدراتها العسكرية.
ويُمثّل محمد السنوار، ذو الخمسين ربيعاً، نموذجاً فريداً للقيادة المتمرسة، إذ يُعدّ من أقرب المقربين تاريخياً لشقيقه يحيى السنوار، وقد انضم إلى صفوف المقاومة في سن مبكرة، مؤسساً لعلاقة استراتيجية وثيقة مع القائد العام لكتائب القسام، محمد الضيف.
وأكدت الصحيفة أن محمد السنوار قد برهن على صلابة استثنائية توازي صلابة شقيقه، في السعي نحو هدنة استراتيجية تضمن استمرارية المقاومة وتعزز مكتسباتها، وفي هذا السياق، وجَّه في أواخر العام المنصرم رسالةً حاسمةً للوسطاء، مؤكداً أن حماس تتموضع في موقع استراتيجي يؤهلها لفرض شروطها بقوة واقتدار.
وفي رسالة لاحقة حملت دلالات عميقة، شدّد القائد الجديد على أن المقاومة ستواصل مسيرتها النضالية في غياب اتفاق شامل يضع حداً نهائياً لمعاناة أهل غزة، ويكون في مستوى تضحياتهم الجسام.
الأوضاع ليست على ما يُرام!
كشف المحلل العسكري الإسرائيلي يوسي يشوع، في حديثٍ خاص لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، عن تدهورٍ ملحوظ في المشهد الميداني، مستعرضاً شهاداتٍ مثيرة للقلق العميق من قياداتٍ عسكرية رفيعة المستوى حول مجريات المعارك في القطاع الشمالي من غزة.
وأردف يشوع في تصريحاته: "في لقاءٍ حصري مع أحد الضباط المتواجدين في الجبهة الشمالية، تلقيتُ تصريحاتٍ صادمة تجاوزت كل التوقعات، يجد الجيش نفسه أمام معضلةٍ استراتيجية تتمثل في التوازن الدقيق بين حق المجتمع الإسرائيلي في الإحاطة بتفاصيل الواقع الميداني، والحفاظ على الأمن العسكري والروح المعنوية للقوات، والخلاصة الجوهرية لا تحتمل التأويل: الأوضاع تسير نحو منحدرٍ خطير".
وفي تطورٍ لافت، كشفت مصادر فلسطينية لشبكة "روسيا اليوم" أن محمد السنوار، الشقيق الأصغر ليحيى السنوار، يتصدر قائمة المرشحين لخلافة شقيقه، وأوضحت المصادر أن محمد السنوار قد برز منذ السابع من أكتوبر كأحد العقول المدبرة لعملية "طوفان الأقصى"، حيث أشرف بنفسه على تصميم وتنفيذ شبكة الأنفاق الاستراتيجية في شمال غزة، إضافةً إلى توليه قيادة لواء خان يونس في كتائب عز الدين القسام.
وتضع الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الإسرائيلية السنوار في صدارة أهدافها الاستراتيجية، مخصصةً مكافأةً ماليةً ضخمةً تصل إلى 300 ألف شيكل لمن يساهم في اعتقاله أو تصفيته، وفي السياق ذاته، أفصح مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى لموقع "أكسيوس" الأمريكي أن الموقف الإيجابي لمحمد السنوار، شكّل عاملاً محورياً في دفع مفاوضات وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى نحو آفاقٍ واعدة.
ويرى خبراء استراتيجيون أن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بشكلٍ شامل، قد يمهّد الطريق أمام حركة حماس لاستعادة نفوذها في القطاع، وخاصةً مع تزايد الضغوط الدولية التي قد تحول دون استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية، ما يتيح للحركة فرصة ترسيخ موقعها الاستراتيجي.
وفي تقييمٍ للموقف، أقر إبراهيم المدهون، المحلل المقرب من حركة حماس، بحجم الخسائر التي تكبدتها كتائب القسام، مؤكداً في الوقت ذاته أن الحركة ستحافظ على حضورها القوي وتأثيرها الاستراتيجي في قطاع غزة.
کما كشف أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، عن معطياتٍ استخباراتية بالغة الأهمية، مؤكداً أن التقييمات الأمريكية الدقيقة تشير إلى نجاحٍ استثنائي لحركة حماس في ترميم نسيجها العسكري، حيث تمكنت من استقطاب عناصر جديدة، توازي في أعدادها حجم الخسائر البشرية التي تكبدتها خلال المواجهات العسكرية الأخيرة.
وفي قراءةٍ للمشهد، يطلق خبراء الشؤون العسكرية والأمنية صافرات إنذارٍ حادة، محذرين من أن استئناف الأعمال القتالية قد يؤدي إلى إضعافٍ إضافي لقدرات حماس العسكرية، بيد أن تامر قرموط، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات العليا في الدوحة، يقدّم رؤيةً استشرافيةً مغايرةً، مؤكداً أن إعادة هيكلة القدرات التنظيمية والعسكرية لحركة حماس، قد تضع الكيان الإسرائيلي أمام معضلةٍ استراتيجية تتمثل في خيارين حاسمين: إما المبادرة بشن هجومٍ عسكري جديد على قطاع غزة، أو الإقدام على خطوة احتلاله بصورةٍ مباشرة.
ويستطرد قرموط في تحليله محذراً من التداعيات الكارثية المحتملة لاستئناف العمليات العسكرية، على النسيج المجتمعي الفلسطيني وعلى البنية التنظيمية لحركة حماس. ويشدد على أن ردود الفعل العنيفة المتوقعة من قوات الاحتلال، قد تؤدي إلى تعميقٍ غير مسبوق في الشروخ القائمة، وتصعيد حدة التوترات الإقليمية إلى مستوياتٍ قد تتجاوز كل الحسابات والتوقعات الراهنة.
من سيتولى مقاليد غزة في أعقاب الحرب؟
في خضمِّ الاقتراب من تنفيذ وقف إطلاق النار، تَسري نسائم التفاؤل في أرجاء غزة بين أبنائها الفلسطينيين، غير أن إدارة هذا الشريط الساحلي في اليوم التالي للحرب تكتنفها تحديات جَمَّة، ولا سيما في ظل الرفض القاطع من الكيان الصهيوني لأي دور تضطلع به حركة حماس.
وفي هذا السياق، أدلى أحمد المجدلاني، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بتصريحٍ جازمٍ قائلاً: "نرفض رفضاً باتاً أي صيغة لإدارة قطاع غزة بمعزلٍ عن دور السلطة الفلسطينية".
وأردف المجدلاني في حديثه المتلفز لقناة الحرة: "إن المفاوضات الجارية بشأن مستقبل غزة وما بعد الحرب تُمثّل قضيةً وطنيةً بامتياز، ولا يجوز أن تستأثر بها حماس وحدها"، وشدَّد المجدلاني على رفض أي مشروع عربي أو دولي لإدارة غزة، مؤكداً: "نقف بحزمٍ في وجه أي مخطط يرمي إلى فصل غزة عن الضفة الغربية".
وفي تطورٍ لافت، كشفت قناة "كان" الإسرائيلية أن السلطة الفلسطينية أحجمت عن المشاركة في تشكيل لجنة مشتركة مع حماس لإدارة قطاع غزة عقب انتهاء الحرب، مع إصرارها على تولي زمام الأمور في القطاع منفردةً.
ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، صلاح العواودة، أنه من المتعذر إقامة حكومة مستقبلية في غزة دون نيل موافقة حماس، مشيراً إلى المحاولات الإسرائيلية المتكررة لصياغة خطة لإدارة غزة بمنأى عن حماس، والتي باءت جميعها بالفشل الذريع.
في غضون ذلك، كشفت مصادر مصرية عن مباحثات تجريها السلطة الفلسطينية مع إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حول هذا الملف الحساس.
بدوره يرى الخبير السياسي الفلسطيني عبد المهدي المطاوع أن "موقف السلطة يتمحور جوهرياً حول ثلاثة محاور: رفض فصل غزة عن الضفة الغربية، وإنهاء نفوذ حماس في القطاع، وتجنيب المنطقة مغامرات جديدة"، وحذّر من أن استمرار وجود حماس في المشهد السياسي لغزة ما بعد الحرب، قد يُلقي بظلالٍ قاتمة على مسيرة إعادة إعمار هذه المنطقة المنكوبة.