الوقت- بعد هجوم فصائل المعارضة السورية على دمشق وانهيار حكومة بشار الأسد، شهد المشهد السوري تحولات كثيرة وتساؤلات كثيرة من المراقبين الدوليين حول المستقبل السياسي وتأثير هذه التطورات على دول الجوار، وخاصة العراق، الذي خرج للتو من حروب طويلة وتحديات أمنية سابقة.
ولذلك، فإن العراقيين الذين يتابعون التطورات والتحولات السياسية في سوريا أكثر من جيرانهم، اتخذوا أول خطوة دبلوماسية حذرة مع دمشق بعد أكثر من أسبوعين من سيطرة الجماعات المسلحة على السلطة.
وفي هذا الصدد التقى وفد أمني عراقي برئاسة حامد الشطري رئيس المخابرات العراقية، الخميس، رئيس هيئة تحرير الشام أحمد الشرع.
كشف فرهاد علاء الدين، مستشار رئيس الوزراء العراقي للعلاقات الخارجية، أن الهدف من زيارة الوفد العراقي إلى دمشق هو الاطلاع على التطورات الأخيرة في سوريا وكيفية تعامل الحكومة الجديدة في هذا البلد مع القضايا التي تهم العراق.
وأكد علاء الدين: أن "الجانب الأمني المتعلق بالحدود ومكافحة داعش كان من القضايا المهمة، وقد أبدت الحكومة العراقية قلقها من التطورات في سوريا بسبب وجود تنظيمات مسلحة وعناصر داعش".
كما أشار أحد المسؤولين المشاركين في الوفد العراقي إلى أن "العراق يريد ضمانات من الجانب السوري فيما يتعلق بقضايا الحدود والاستقرار الأمني داخل سوريا، وشدد على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي وعدم تدخل أي طرف في شؤون سوريا الداخلية".
وقال هذا المصدر العراقي الرفيع: إن "الحكومة السورية استجابت لمطالب العراق ومخاوفه بشأن القضايا المتعلقة بحماية السجون التي تؤوي عناصر داعش، والتعاون على منع عودتهم والحفاظ على الحدود والمطالب المتعلقة باحترام الأقليات والبقاع المباركة".
ويعتبر هذا اللقاء الدبلوماسي تطوراً مهماً في العلاقات بين العراق وسوريا خلال المرحلة الانتقالية السياسية في سوريا.
وتأتي هذه الزيارة بعد أن أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إعادة فتح البعثة الدبلوماسية لبلاده في دمشق، وهو ما يمثل عودة رمزية واستراتيجية بعد نقل موظفي السفارة إلى لبنان عقب سقوط النظام السابق.
وفيما يتعلق بزيارة الوفد من بغداد إلى دمشق، قال السوداني: إن العراق يحترم العملية السياسية في سوريا ويراقب تطوراتها.
وشدد السوداني: أي خلل في السجون السورية سيقودنا إلى محاربة الإرهاب، وقال السوداني: إن العراق أبلغ الحكومة السورية الجديدة بموقفه من التطورات الأخيرة، كما أكد التزام العراق بالتنسيق مع سوريا في ضبط الحدود.
وتأتي هذه الرحلة الدبلوماسية بينما أكدت بغداد، بعد سقوط الأسد، على ضرورة احترام الإرادة الحرة للسوريين والحفاظ على وحدة أراضي سوريا، التي يشترك معها العراق في أكثر من 600 كيلومتر من الحدود.
وتمر سوريا حالياً بمرحلة انتقالية وتحتاج إلى مزيد من الوقت لاستقرار الوضع في الداخل، وهو ما أثار قلق العراقيين بشأن التطورات المستقبلية في سوريا.
ويقيم العراق تعاوناً سياسياً ودبلوماسياً مع كل الدول الفاعلة على الساحة السورية لإيجاد حلول سياسية لإنهاء الأزمة في هذا البلد من خلال التعاون المشترك، وقد تمت مناقشة هذه التنسيقات في إطار اجتماع العقبة.
مخاوف من عودة "داعش"
إن النقاش الأهم الذي يهم العراق في الوضع الحالي هو موضوع التهديدات الأمنية، حيث إن الحديث عن التهديدات الأمنية الناجمة عن التطورات في سوريا يأتي في سياق التجارب المريرة التي مر بها العراق في السنوات الماضية نتيجة انتشار الإرهاب، وخاصة "داعش"، والتدخلات الأجنبية، لأن الإرهاب لا يزال أداة مستخدمة من قبل بعض الجهات الفاعلة الإقليمية وخارج الإقليمية لتحقيق أهدافها.
وبما أن سوريا تخضع حاليا لسيطرة مجموعات ذات توجهات متطرفة، فقد يكون ذلك أحد العوامل المثيرة للقلق التي تدفع العراق إلى اتباع نهج حذر في التعامل مع دمشق.
وفي الوضع الذي يواجه فيه العراق عدة تحديات داخلية، فإن أي تغيير في التوازنات الإقليمية قد يجبر هذا البلد على إعادة تقييم مواقفه السياسية والعسكرية.
ولم ينس العراقيون تجربة الاحتلال الوحشي لإرهابيي "داعش"، ويوجد حاليًا المئات من هذه العناصر الخطيرة في السجون السورية بالقرب من حدود العراق، وإذا تم إطلاق سراحهم، فلا يزال من الممكن أن يشكلوا تهديدًا خطيرًا للعراق، ويحذر الخبراء من أن الوضع في سوريا سيكون فرصة لتنظيم "داعش" لإعادة بناء شبكاته ببطء وجعل العراق وسوريا غير آمنين مرة أخرى.
يسعى العراق إلى إغلاق مخيم الهول في سوريا، الذي يؤوي عشرات الآلاف من نساء وأطفال "داعش"، لتقليل مخاطر التهديدات المسلحة عبر الحدود مع سوريا.
ولذلك فإن أي تغيير في العلاقات العراقية السورية يجب أن يكون تغييراً حقيقياً وفقاً لمتطلبات الأمن القومي العراقي، وليس مجرد اللقاءات الرسمية وإصدار البيانات الورقية من دمشق، وحسب بعض المراقبين، يمكن للجانبين حل هذه المشكلة من خلال توقيع مذكرة أمنية والقضاء على التهديدات التي تسببها الجماعات الإرهابية على الحدود المشتركة، مع الأخذ في الاعتبار عدم الاستقرار الداخلي في سوريا، وخاصة وجود الجماعات المتطرفة في البلاد، وفي صفوف القوات المسلحة التي تحكم دمشق، لا يبدو ذلك ممكناً على المدى القصير.
ووفقا للمواقف القوية للسلطات العراقية، التي قالت إنها لن تتنازل عن أي إجراءات مزعزعة للاستقرار، لذلك، إذا حددت الحكومة العراقية تهديدات أمنية واضحة، فقد تلجأ إلى الإجراءات العسكرية، وخاصة إذا جاءت هذه التهديدات مباشرة من الأرض السورية أو حتى في حالة التأكد من الارتباط بين الجماعات الإرهابية المتمركزة في كلا البلدين.
وفور بدء هجمات المجموعات المسلحة السورية في إدلب ووصول المعارضة لاحقاً إلى دمشق، كثفت مجموعات الحشد الشعبي الإجراءات الأمنية على حدود العراق وسوريا وحذرت من أنها لن تسمح بأن تصبح الحدود غير آمنة مرة أخرى.
في الوقت الحالي، تظل الحدود العراقية السورية في قلب المشهد الأمني الإقليمي حيث يسعى العراق إلى ضمان استقراره وسط بحر من التحديات المتشابكة، وعلى هذا النحو، يحاول قادة بغداد إفهام حكام دمشق الجدد من السلطة، البداية الحقائق الأمنية القائمة على حدود البلدين حتى لا تنتقل الاضطرابات الأمنية إلى العراق مرة أخرى.
ومن ناحية أخرى، يرى بعض المراقبين أن مصالح العراق الحيوية لا تقتصر على الجوانب الأمنية والعسكرية فحسب، بل تمتد إلى جوانب أخرى، منها الاقتصادية والتجارية، لأن بداية جولة جديدة من الانفلات الأمني ستضع تكاليف كبيرة على عاتق السوداني والعراقيين الذين لم يتعافوا بعد من الضغوط المالية للأزمات المتزايدة في السنوات الأخيرة.