الوقت- في تقرير استقصائي شامل نشرته صحيفة واشنطن بوست، أكدت الصحيفة أنها تحققت من صحة العشرات من مقاطع الفيديو والصور التي نشرها جنود الكيان الإسرائيلي، والتي توثق فظائع تقشعر لها الأبدان ارتُكبت خلال حرب الإبادة المتواصلة ضد غزة للعام الثاني على التوالي.
التقرير يعكس الواقع المرعب للجرائم التي تُرتكب ضد الشعب الفلسطيني، ويكشف بوضوح عمق الانتهاكات التي قد تصل إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
وحسب التقرير، نشر الجنود الإسرائيليون آلاف الصور ومقاطع الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تُظهر بوضوح أعمال القصف العشوائي، والتدمير الممنهج للبنية التحتية، واستهداف المناطق السكنية، ورغم الأوامر الصادرة عن قادة جيش الاحتلال بمنع نشر هذه المواد، استمرت في الظهور بشكل واسع، ما أدى إلى تسليط الضوء على الممارسات الإجرامية للكيان في غزة.
تُظهر الوثائق، التي تم التحقق من أكثر من 120 منها بين أكتوبر 2023 وأكتوبر 2024، جنودًا يلتقطون صورًا تذكارية بجانب جثث الفلسطينيين، وأعمال نهب وإحراق للمنازل والمرافق العامة، مع شعارات تحض على الكراهية والإبادة.
الصور ومقاطع الفيديو، وفقًا لتقرير واشنطن بوست، ليست مجرد توثيق لانتهاكات فردية بل تُظهر منهجية إجرامية، فبعض هذه الأعمال، مثل إحراق المنازل، جاءت بأوامر مباشرة من القادة.
"القصف الوداعي": في أحد الفيديوهات، يظهر جنود احتياط من الكتيبة 9208 التابعة للواء النقب أثناء قصف منطقة سكنية شمال غزة باستخدام قذائف الدبابات ونيران الرشاشات، نُشر الفيديو بعنوان "قصف وداعي" على فيسبوك، ما يبرز عدم الاكتراث بحياة المدنيين.
"تدمير المدارس والمستشفيات": الصور تُظهر تدميرًا ممنهجًا للمنشآت الحيوية، بما في ذلك المدارس التي كانت تأوي الأطفال والنازحين، والمستشفيات التي تعج بالمصابين.
"نهب الممتلكات": توثق الصور أعمال سرقة ونهب، تخللتها أجواء احتفالية من الجنود، ما يعكس انحدارًا أخلاقيًا عميقًا.
أوضحت المقابلات مع الجنود، التي أجرتها الصحيفة، أن توثيق هذه الجرائم يعكس "شعورًا قويًا بالانتقام" بين عناصر الجيش الإسرائيلي، مايكل زيف، جندي احتياط خدم في لواء القدس، قال: "الجميع يشعر بأننا يجب أن ننتقم بأي وسيلة".
هذا السلوك يُظهر انهيارًا تامًا في الانضباط العسكري، حيث يُستخدم التوثيق كوسيلة للتفاخر، ما يعكس تدهورًا أخلاقيًا داخل صفوف الجيش.
وفقًا لخبراء في القانون الدولي الذين اطلعوا على هذه الوثائق، فإن المواد المصورة تمثل أدلة دامغة على انتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني يمكن استخدامها في التحقيقات الجارية ضد قادة الكيان الإسرائيلي في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.
"تصعيد المخاطر القانونية": التوثيق يزيد من خطر الملاحقة القضائية للجنود والقادة، سواء في المحاكم الدولية أو داخل الدول التي تعترف بمبدأ الولاية القضائية العالمية.
"إحراج الحلفاء الدوليين": هذه المواد المصورة تضع الدول الداعمة للكيان الإسرائيلي، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في موقف حرج أمام الرأي العام العالمي، حيث تُظهر الدعم المستمر للاحتلال رغم الأدلة الواضحة على جرائمه.
ردًا على انتشار هذه الوثائق، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه أجرى "محادثات تأديبية" مع بعض الجنود، لكنه ادعى أن هذه الحالات تمثل "استثناءات" ولا تعكس قيم الجيش، ومع ذلك، لم يتم الإعلان عن أي خطوات ملموسة لمنع تكرار هذه الجرائم أو محاسبة المسؤولين عنها.
تصريحات آسا كاشر، الأكاديمي الذي ساهم في صياغة مدونة أخلاقيات الجيش الإسرائيلي، أكدت أن هذه الأفعال تعكس "فقدانًا كاملاً لفهم متطلبات التمثيل الأخلاقي للجيش"، ما يشير إلى أزمة عميقة في بنية الاحتلال.
المجتمع الدولي أمام مسؤولية كبرى لمواجهة هذه الجرائم، وتوثيق هذه الانتهاكات يُعتبر فرصة نادرة لتحريك المساءلة القانونية ووضع حد للإفلات من العقاب.
"دور المحكمة الجنائية الدولية": يجب أن يتم تقديم هذه الوثائق كأدلة في التحقيقات الجارية، والمحكمة لديها الولاية للنظر في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
"تعزيز العقوبات": يجب على الحكومات فرض عقوبات اقتصادية وسياسية ضد الكيان الإسرائيلي، بما في ذلك وقف مبيعات الأسلحة والدعم المالي.
"التوعية الدولية": حملات التوعية حول حجم الجرائم المرتكبة في غزة يمكن أن تزيد من الضغوط الشعبية على الحكومات لاتخاذ مواقف حازمة.
توثيق الجنود الإسرائيليين لجرائمهم في غزة ليس فقط دليلًا على الفظائع المرتكبة، بل هو أيضًا نداء للعالم للتحرك، واستمرار صمت المجتمع الدولي يعني دعمًا ضمنيًا لهذه الجرائم.
تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، الذي يعاني من أبشع أشكال الاحتلال والإبادة، هو واجب أخلاقي وإنساني، والأدلة المصورة التي وثقها الجنود يجب أن تُستخدم لمحاسبة المجرمين وإنهاء حقبة الإفلات من العقاب، لضمان عدم تكرار هذه الكوارث الإنسانية في المستقبل.
