الوقت - في ظل مرور أكثر من عام على الصراع في غزة، وبقاء المنطقة تواجه عواقب وخيمة من التدمير والإبادة والجوع، تتكشف الآن من خلال العثور على أشياء مدفونة تحت الأنقاض، ولا سيما ملابس ودمى الأطفال، أبعاد جديدة من مأساة الحرب، وهذه الاكتشافات تُسلط الضوء على واقع الإبادة الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، كوثيقة دامغة على وحشية الکيان الصهيوني الذي لا يرحم الأطفال.
على مدار أربعة عشر شهرًا منذ اندلاع الحرب، بذل فنانو غزة، إلى جانب سائر أبناء هذا الشعب المقاوم، جهودًا حثيثةً للمساهمة في النضال ضد الاحتلال، وقد أبدعوا، ولا سيما في مجال الفنون، مبادرات متعددة تهدف إلى إلقاء الضوء على الظلم الذي يتعرض له المدنيون، مُسهمين في توعية العالم بما يجري.
في هذا السياق، وبعيداً عن الأجواء التقليدية للفعاليات الفنية، التي غالبًا ما تُقام في قاعات فاخرة مع إضاءة ساحرة، قام عدد من الفنانين الفلسطينيين بتنظيم معرض فني في مخيم نُصيرات للاجئين، الذي يقع في قلب قطاع غزة، ليكون تجسيدًا للإبداع في مواجهة التحديات.
يُعدّ هذا المعرض، الذي يحمل عنوان "ملابس تتنفس"، تجسيدًا مأساويًا لمعاناة الفلسطينيين، ووثيقةً حيةً للإبادة المستمرة التي تمارسها "إسرائيل" منذ ال 7 من أكتوبر 2023 في غزة.
وفي هذا السياق الفني المتميز، قام الفنانون باستخدام الملابس التي تم انتشالها من تحت أنقاض المنازل المدمرة بفعل آلة الحرب الإسرائيلية، وقد أضفوا عليها لمساتهم الفنية من خلال رسم لوحات تعبّر بعمق عن معاناة سكان قطاع غزة، مُجسدين آلامهم وآمالهم في زمن تكتنفه الصراعات.
قصة الدمى
رواء حجازی، مصممة الدمى الفلسطينية المتخصصة في فن النسيج، تحمل في قلبها إيمانًا عميقًا بأن كل دمية تُصنع بيديها، تحمل جزءًا من روحها، فهي ترى أن هذه الدمى لا تتصل بها فحسب، بل تتصل أيضًا بأرواح أصحابها، ما يمكّنها من استكشاف قصصهم وعلاقاتهم العاطفية مع دُماهم.
وفي هذا السياق، عندما أرسل أحد متابعيها على وسائل التواصل الاجتماعي صورةً لدمية انتُشلت من تحت الأنقاض، اجتاحتها مشاعر من الرعب والقلق، فقد تذكرت السيناريوهات المحزنة التي عاشها أطفال فلسطين، مثل ميساء عارف، تلك الطفلة الفلسطينية التي تعكس معاناتهم وآلامهم.
تتحدث رواء، هذه الفنانة الفلسطينية، عن تجربتها قائلةً: "لقد شعرت بصدمة عميقة، وألمٍ لا يُحتمل، وإحساسٍ بالظلم، ولم أستطع استيعاب ما حدث، كانت أفكاري مشغولةً بشهادات الأطفال الفلسطينيين، والتي أدت في النهاية إلى رسم هذه الصور، بما في ذلك شهادة ميساء".
ومع ذلك، بعد أن أبلغها الصحفيون الذين عثروا على تلك الدمية عن حالة ميساء، صاحبة الدمية المكتشفة، تلاشت مشاعر القلق التي كانت تعتصر قلبها، وأكدت رواء: "الحمد لله، لقد تأكدت من أن حالتها وحالة عائلتها جيدةً، وقد وعدتها بأن أصمم لها دميةً جديدةً، على الرغم من أنها تعشق دميتها القديمة حبًا شديدًا".
ووفقًا لما أفاد به مراسل وكالة الأناضول، شهد هذا المعرض، الذي يمتد لعدة أيام، حضورًا لافتًا من الأطفال والأمهات الذين فقدوا إخوتهم أو أبناءهم، ما أضفى على الحدث بعدًا إنسانيًا عميقًا.
تُعبّر رسوم الفنانين على الملابس، عن مأساة إنسانية عميقة ناجمة عن الإبادة الجماعية، حيث تتجلى مشاهد مؤلمة لأطفال محاصرين تحت الأنقاض، وأمهات يحملن أطفالهن في رحلات هروبٍ مريرة من قصف الطائرات ووطأة الجوع.
وبين الأعمال الفنية، برزت قمصان ممزقة تُظهر مشهدًا لأم تبكي وتصرخ، بينما احتوت أخرى على عبارات للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش (1941-2008)، الذي يقول: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، هذه الكلمات تجسّد الألم والحنين، وتعكس واقعًا مؤلمًا يستحق التأمل.
تالا وأحذيتها
على هذه الحجارة، كانت ملابس الأطفال الذين فقدوا حياتهم في الهجمات الإسرائيلية معلقةً، ومن بينها أحذية "تالا أبو عجوة"، الطفلة الصغيرة التي ارتقت شهيدةً في سبتمبر الماضي جراء قصف الطائرات الإسرائيلية.
تالا، التي كانت في التاسعة من عمرها، كانت ترتدي أحذية التزلج الوردية بينما كانت تستعد للعب مع أصدقائها، قبل أن تتحول حياتها تحت أنقاض القصف إلى ذكرى، ولم يتبقَ سوى أحذيتها.
وفقًا لما ذكره منظمو هذا المعرض، فإن الفن يمكن أن يكون صوتًا للمظلومين في غزة، وأداةً لتوثيق الإبادة الجماعية الإسرائيلية ومعاناة الأطفال، وبلا شك، فإن إحساس الواجب والشغف العميق الذي يحمله الفنانون الفلسطينيون في سعيهم لتوثيق أبعاد وحشية الکيان الصهيوني في قتل الأطفال، هو أمر ذو قيمة لا تُنسى.
تُظهر هذه الوثائق بشكل متزايد الأداء السلبي للهيئات الحقوقية في مسألة دعم الأطفال في غزة، ما يسلط الضوء على الحاجة الملحة لمزيد من التحرك الفعال.