الوقت- في هذه الأيام، بالإضافة إلى الشوارع والمراكز الجامعية والمدارس وبرلمانات الدول الغربية، أصبحت الملاعب أيضاً مكاناً للتجمع والاحتجاج على جرائم الكيان الصهيوني وأنصار الشعبين المظلومين في فلسطين ولبنان، بحيث أصبح تكرار أحجار الدومينو الاحتجاجية في الملاعب بمثابة كابوس كبير بالنسبة للصهاينة، وبعد الأحداث المريرة التي تعرضت لها جماهير فريق نادي مكابي تل أبيب في أمستردام بهولندا، هذه المرة خلال لقاء المنتخبين الفرنسي لكرة القدم والكيان الصهيوني في إطار بطولة كأس أمم أوروبا التي أقيمت مساء الخميس في ملعب فرنسا بباريس، تكرر جحيم حانة أمستردام بالنسبة للصهاينة وأصبحت هذه المباراة مكانا لهم للإذلال.
وبدأت القصة عندما أطلق الجمهور الفرنسي، قبل بداية هذه المباراة التي انتهت بالتعادل السلبي، صيحات الاستهجان بالإجماع أثناء عزف النشيد الصهيوني تماشيا مع مناهضة الإبادة الجماعية الفلسطينية في غزة. واضطر المشرفون على الملعب خلال هذه المباراة إلى التدخل مرات عديدة لمنع حدوث اشتباكات بين جماهير الفريقين في المدرجات، وتظهر مقاطع الفيديو التي التقطها المتفرجون وتمت مشاركتها على شبكة التواصل الاجتماعي X، المشجعين وهم يتحركون بالأعلام الإسرائيلية بين صفوف المقاعد في الملعب الفرنسي، بينما كان رد فعل المشجعين الآخرين هو الصفير وصيحات الاستهجان.
اللعب في ظل إجراءات أمنية مشددة
وأقيمت المباراة في ظل إجراءات أمنية مشددة وغير مسبوقة، حيث تم حشد حوالي 4000 ألف من رجال الشرطة وقوات الأمن، أي ضابط واحد لكل أربعة متفرجين، قبل أيام قليلة لضمان أمن هذا الحدث، وانتشر نحو 3000 عنصر أمني في الشوارع المحيطة بالاستاد لمنع حدوث أي اشتباكات بين جماهير الفريقين.
ولأسباب أمنية وبعد مقاطعة واسعة من قبل العديد من الجماهير، تم بيع 13 ألف تذكرة فقط، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ المباريات في هذا الملعب، وذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصهيونية أن الاشتباك بين المشجعين الإسرائيليين والفرنسيين وقع أثناء وجود رئيس الشاباك رونين بار في باريس للإشراف على العمليات الأمنية.
وتواجد في الملعب نحو 150 من مشجعي فريق الكيان الصهيوني، وكان بعضهم يحمل أعلام هذا الكيان واشتبكوا مع جماهير الفريق الفرنسي وقوات الأمن في الملعب، وقبل هذه المباراة نظمت الجماهير الفلسطينية عدة مظاهرات وتجمعات احتجاجا على مباراة فرنسا و"إسرائيل" في كرة القدم.
وتأثرت المباراة بأحداث العنف الأخيرة التي شهدتها العاصمة الهولندية أمستردام، بعد التصرفات الاستفزازية لجماهير فريق تل أبيب "مكابي" والاعتداء عليهم من قبل المشجعين الفلسطينيين، وفي الاشتباكات التي جرت في هولندا قبل أسبوع من مباراة باريس، تعرض مئات الصهاينة للضرب على أيدي شبان هولنديين بسبب إهانتهم للفلسطينيين، ولهذا السبب طلب الصهاينة من السلطات الفرنسية منع تكرار الأحداث الهولندية في فرنسا بإجراءات أمنية مشددة، إلا أن هذه الإجراءات لم تنجح ولم تستطع تخفيف غضب الشعب الفرنسي تجاه جرائم المحتلين في غزة.
احتجاجات مناهضة للصهيونية خارج الملعب
ولم تقتصر معارضة الفرنسيين لوجود الفريق الصهيوني لكرة القدم على مدرجات الملعب، ومئات المتظاهرين في الضواحي الشمالية لباريس، في منطقة لا تبعد سوى كيلومترين عن "إستاد دو فرانس" ونظمت في الملعب مظاهرات رفعت فيها الأعلام الفلسطينية.
وفي حين أبدى المشاركون في التظاهرة غضبهم من وجود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومسؤولين بارزين آخرين في الحكومة الفرنسية في الملعب، فقد أدانوا استضافة باريس لهذه المباراة، وهتف المتظاهرون: "ماذا يفعل رئيسنا؟ لقد ذهب إلى الملعب لدعم الفريق الإسرائيلي، هذا جنون".
ويعتقد بعض المتظاهرين الآخرين أنه لا ينبغي أن يكون هناك فرق بين "إسرائيل" وروسيا فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وقتل المدنيين، وارتكاب جرائم حرب، وإذا لم يُسمح لروسيا بالمشاركة في الألعاب الأولمبية، فلا ينبغي للفريق الوطني الإسرائيلي لكرة القدم أن يكون في باريس.
الغسيل الرياضي أداة يستخدمها الصهاينة للتغطية على الجرائم
إن الكيان الصهيوني، الذي لم تكن له صورة إيجابية على الساحة الدولية منذ قيامه الوهمي بسبب ارتكابه جرائم لا تعد ولا تحصى ضد الفلسطينيين، استثمر في المسابقات الرياضية لتحسين صورته المعادية للإنسانية في الرأي العام العالمي.
بيتر ساجان، أحد مدربي الدراجات في الكيان الصهيوني، والذي قام بالعديد من الأنشطة منذ عام 2019 للمساعدة في تدريب وإيجاد المواهب للشباب الإسرائيليين في هذا المجال، وبمساعدة العديد من الأشخاص الآخرين، قام بتأسيس "فريق الدراجات المحترف للأمة الناشئة في إسرائيل" في الأراضي المحتلة، والذي من المفترض أن يسعى رياضيوه إلى تحقيق هدف محدد لهذا الكيان في المسابقات الدولية.
وهذا الفريق الرياضي الناشئ لديه رعاة كبار مثل الملياردير الصهيوني سيلفان آدامز، الذي يطلق على نفسه اسم "السفير العام لدولة إسرائيل"، ويرى آدامز أن الرياضة وسيلة لرفع مكانة "إسرائيل" وسط انتقادات واسعة النطاق لسجل الكيان في مجال حقوق الإنسان، والذي له صورة سيئة في جميع أنحاء العالم بسبب معاملته للفلسطينيين وتحديه المستمر للقانون الدولي.
ويعتقد آدامز: "في إسرائيل، نعتبر منطقة حرب تكون دائمًا في حالة صراع، لكن على الرياضيين الإسرائيليين أن يرووا قصة لا يسمع عنها معظم الناس في العالم". وقال آدامز: "معظم الناس لا يهتمون بالسياسة، ومن خلال الفعاليات الثقافية والرياضية على المستوى العالمي، يمكننا جذب الأغلبية الصامتة".
ويصف رون بارون، وهو مالك آخر لفريق الدراجات الإسرائيلي، وجود الرياضيين في المسابقات الدولية بأنه نوع من "الدبلوماسية الرياضية"، ويعتقد غي نيو، أحد راكبي الدراجات الإسرائيليين القلائل وقناص الجيش السابق، أن "كل رياضي يعرف أنه من خلال المشاركة في فريق إسرائيلي، يصبح سفيرا للبلاد".
في الأساس، الرياضيون الإسرائيليون هم إما أعضاء في الجيش أو مسجلون كجنود احتياطيين في الجيش، وقد ساهم كل منهم بشكل مباشر بطريقة أو بأخرى في قتل الفلسطينيين، وقد أصبحت هذه الحقيقة متاحة للجمهور اليوم مع توسيع الوصول إلى الشبكات الاجتماعية من قبل الناس العاديين، إن تزايد الوعي العالمي بهذه الحقيقة جعل الصهاينة لم تعد لديهم إمكانية الاستغلال السياسي والدعائي للملاعب الرياضية.
وبينما كان في السابق رفض التنافس مع الرياضيين الصهاينة، وخاصة في المسابقات الأولمبية، يقتصر على المسلمين، أما الآن فقد أصبح هذا الوضع عالميا وتتزايد اعتراضات الناس في أوروبا وأمريكا على وجود الرياضيين الصهاينة في بلادهم، وتبين هذه القضية أن سياسة الغسل الرياضي التي ينتهجها كيان الاحتلال لكسب الشرعية والسمعة الدولية لم يكن لها أي تأثير، وأن الصهاينة لا يستطيعون تطهير وجوههم الملطخة بالدماء بهذه الإجراءات.