الوقت- في الثاني من أيلول/ سبتمبر الماضي، استهدفت طائرة مسيرة من طراز MQ-9 تابعة للتحالف الأمريكي دراجة نارية على طريق البراء - أحسوم الواقع جنوب محافظة إدلب، وبعد ساعات من هذا الهجوم، أعلنت مقر القيادة الأمريكية في غرب آسيا (CENTCOM) عن هجوم بطائرة دون طيار استهدف أحد كبار قادة تنظيم "حرس الدين" ويدعى "أبو عبد الرحمن مكي" في سوريا، ووفقا للقيادة المركزية، كان مكي مسؤولا عن الإشراف على بعض العمليات الإرهابية.
وهذا هو الهجوم الجوي السادس للتحالف الأمريكي على مناطق شمال سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية، وفي وقت سابق، استهدفت غارة جوية عددا من قادة تنظيم القاعدة في سوريا وتنظيم "داعش" في مناطق بمحافظتي إدلب وحلب، وكان أبو حمزة السليماني، أحد العناصر البارزة في حراسة الدين، أحد الأشخاص الذين قُتلوا خلال هجوم بطائرة دون طيار عام 2022 في إدلب، وفي عام 2017، تم استهداف أبو الخير المصري، المساعد السابق لأسامة بن لادن والرجل الثاني في قيادة تنظيم القاعدة في سوريا، في غارة جوية.
التعرف على جماعة حراس الدين والتوترات الحاصلة بين الجماعات الإرهابیة
تعتبر جماعة حرس الدين إحدى الجماعات الفرعية لتنظيم القاعدة التي تنشط في إدلب وريفها، ويقدر عدد عناصرها ما بين 3000 إلى 5000 معظمهم من دول أجنبية مثل السعودية وانضمت إلى هذه المجموعة عناصر من مصر والأردن والمغرب وتونس. وتشكلت هذه الجماعة التي يقودها سمير عبد اللطيف حجاز، الملقب بأبو همام الشامي وفاروق السوري، عام 2018 من اندماج 16 جماعة إرهابية أصغر، مثل جند الملاحم وجيش الساحل وجيش البادية و"سرايا الساحل"، "سرايا كابل"، و"جند الشريعة"، و"أنصار الفرقان"، و"سرايا الغوطة"، و"لواء أبو بكر الصديق"، و"لواء أبو عبيدة جراح"، و"السرايا" و"الغربة" و"لواء جند الشام" و"لواء فرسان الأيمن" و"قوة النخبة" و"جماعة عبد الله عزام" و"لواء أسود التوحيد".
وكانت جماعة حراس الدين في البداية تحت قيادة هيئة تحرير الشام، لكن في عام 2016، عندما أعلنت هيئة تحرير الشام انفصالها عن تنظيم القاعدة، انفصلت عن هيئة تحرير الشام بسبب ولائها لتنظيم القاعدة وأيمن الظواهري، وهم الآن المجموعة الأقرب، ويعتبرون من تنظيم القاعدة في سوريا.
وفي هذا الصدد، ومن أجل تعزيز نفسها، دخلت جماعة حراس الدين، في تشرين الأول/أكتوبر 2018، في تحالف مع جماعتي "جبهة أنصار الدين" و"جماعة أنصار الإسلام"، وهما مجموعتان صغيرتان تابعتان لتنظيم القاعدة في سوريا، وتزايدت خلافاته تدريجياً مع هيئة تحرير الشام بسبب ما يقوله المتطرفون من أن القوى الجهادية في سوريا تنقسم إلى مجموعتين: الجهاديون الحقيقيون الذين يرون أن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لتحقيق أهدافهم، وآخرون الذين لا يرون أن الكفاح المسلح هو السبيل الوحيد لتحقيق أهدافهم.
ووصلت الخلافات والانقسامات الداخلية بين قادة ومسؤولي تنظيم القاعدة في سوريا إلى درجة أن جماعة جبهة النصرة الإرهابية نشرت بيانا أعلنت فيه أي تعاون للمجموعات التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا مع تركيا في عمليات عسكرية في شمال سوريا حرام وهو بمثابة خدمة للناتو وأمريكا لاحتلال الأراضي الإسلامية.
وفي حزيران/يونيو 2016، ولإزالة صفة "الإرهاب"، أعلنت هذه الجماعة انفصالها عن تنظيم القاعدة الإرهابي، وقام زعيم النصرة أبو محمد الجولاني بتغيير اسم جماعته إلى "جبهة فتح الشام"، ولكن كان من الواضح أن تغيير الاسم لن يغير إجراءات هذه المجموعة، لكن مرة أخرى، في كانون الثاني/يناير 2017، اندمجت جبهة النصرة مع مجموعات إرهابية أخرى في شمال غرب سوريا وغيرت اسمها إلى هيئة تحرير الشام، لكن اسمها لا يزال على قائمة الجماعات الإرهابية في معظم دول العالم.
لكن في 23 أغسطس 2023، بدأت الخلافات بطريقة مختلفة، ونشرت جماعة حراس الدين بيانا مقتضبا بعنوان "نحن أولياء الدم"، وحمل هذا البيان رسائل مختلفة للمجتمعات المحلية وهيئة تحرير الشام والمجموعات النشطة الأخرى في إدلب، ودعا البيان إلى محاكمة الأشخاص المعروفين بأنهم عملاء داخليون في هيئة تحرير الشام والذين يخدمون مصالح قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وكان غرض حراس الدين من نشر هذا البيان هو توجيه نداء إلى قاعدته الشعبية ليخبرهم بأن هذه المجموعة لا تزال تنشط في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام رغم كونها سرية.
ويكشف البيان الصادر عن حراس الدين عن قرار استراتيجي لمواجهة هيئة تحرير الشام، على الأقل في البعد الإعلامي، من أجل تعزيز شرعيتها في مواجهة لا شرعية الهيئة، وكانت المفارقة في هذا البيان واضحةظ حيث كانوا يخاطبون قادة داخل هيئة تحرير الشام الذين تعاونوا مع القوات الأجنبية أو حتى عملوا كمخبرين للتحالف الدولي.
"حرس الدين" هو تنظيم يحاول جمع العناصر المنشقة عن هيئة تحرير الشام، بالإضافة إلى الجهاديين الأجانب وبعض عناصر تنظيم "داعش" الهاربين.
إن الإستراتيجية الحربية لهذه الجماعة هي محاربة العدو الداخلي والعدو الأجنبي معًا، وبهذه الطريقة تتصرف مثل تنظيم القاعدة، ورغم أن عدد عناصر تنظيم حرس الدين قليل، إلا أنهم مع هذا الوضع يعتبرون تهديدا خطيرا لاستقرار العراق وسوريا، كما أن هذه المنظمة الناشئة نسبياً تحظى بتأييد كامل من قبل قيادة القاعدة وتتمتع بشرعية جهادية من معظم المنظرين الجهاديين في تنظيم القاعدة.
ورغم أنه بدا أن حراس الدين كان يوسع نطاق نشاطه لجذب الفصائل الساخطة على هيئة تحرير الشام، إلا أن هذا التحرك لم يذهب إلى أي مكان، ويشير السجل التاريخي إلى إحجام معظم جماعات المعارضة المعتدلة عن تحمل العبء الأخلاقي والتكتيكي المتمثل في التحالف مع كيان مثل تنظيم القاعدة المدرج على قوائم مراقبة الإرهاب العالمية، بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا التنظيم لا يملك أرضاً أو منطقة محددة ويستخدم بشكل رئيسي الأسلحة الخفيفة مثل بنادق AK-47 وقذائف الهاون والقذائف الصاروخية في هجماته على مواقع الحكومة السورية.
من هو أبو عبد الرحمن مكي؟
وكان أبو عبد الرحمن مكي مسؤولاً عن الشؤون الدينية في تنظيم القاعدة السوري، وأمضى بعض الوقت في سجون أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام، وكان مكي في البداية عضوا في جماعة جبهة النصرة الإرهابية، وبعد سنوات قليلة من عضويته انفصل عنها وانضم إلى جماعة حرس الدين وأصبح في نهاية المطاف أحد قادتها المهمين.
وحسب منظمة هيومن رايتس ووتش السورية، فإن مكي الذي اعتقل في أكتوبر 2020، أعلن إضرابا عن الطعام بسبب تعرضه للتعذيب على يد السجناء، وتم إطلاق سراحه أخيرا من السجن في أبريل 2022 بعد عامين من اعتقاله.
ومصعب كنعان كان رفيقه السابق وأحد أقاربه الذي قتل في هجوم التحالف الدولي على أطراف مدينة إدلب، وفي مايو/أيار الماضي و بعد عام من التحقيق في استهداف مكي، اعترفت القوات الأمريكية بقتل مدني عن طريق الخطأ في مدينة قرقانية شمالي إدلب، وتجدر الإشارة إلى أن عبد الكريم المصري وفاروق السوري وسامي العريضي هي أسماء الأعضاء الثلاثة البارزين في حراس الدين الذين رصدت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنهم.