الوقت- عربياً و عالمياً، منذ بدء العدوان الغاشم على قطاع غزة و حملات مقاطعة المنتج الاسرائيلي تلعب دوراً فعالاً في ضرب الاقتصاد الاسرائيلي، و في ظل اتضاح معالم تأثير مقاطعة الدول و الشركات الداعمة لكيان الاحتلال الصهيوني وأثرها المدمر على اقتصاديات هذه الأطراف يعمل الفلسطينيون في الضفة الغربية على رفع كفاءة المصانع المحلية وتعزيز وجود المنتج الوطني الفلسطيني في مقدمة المنتجات على رفوف المحال التجارية حيث أطلق الفلسطينيون حملة "منّا وفينا" و"منتج وطني"، و باتت الملصقات تنتشر في الأسواق أو على المنتج الفلسطيني في الضفة الغربيّة في مبادرات لتشجيع دعم المنتج الوطني ومقاطعة المنتج الإسرائيلي.
من الجدير بالذكر، يعتبر السوق الفلسطيني ثاني اكبر سوق للمنتجات الإسرائيلية في مجال الصناعات الغذائية والاستهلاكية، والتي تصدر سنوياً إلى السوق الفلسطيني بما يقارب خمسِ مليار دولار، وخطوة المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية ستمثل ضربة قاسية لاقتصاد الكيان الإسرائيلي.
ويعتمد اقتصاد المستوطنات على الزراعة بأنواعها، والصناعات الخفيفة والمتوسطة، والمنتجات الكيميائية، والأدوية والمبيدات الزراعية، والملابس، وتصنيع الفواكه والخضار، التي كانت تصدر كميات كبيرة منها للأسواق الفلسطينية المحلية والأسواق الأوروبية والعالمية.
المقاومة بالعمل
يحاول العمال في الضفة الغربية مساندة المقاومة على الجبهات بشكل آخر من خلال المسارعة بالعمل لساعات متواصلة لصناعة منتجات الالبان ومشتقاتها، بهدف انعاش السوق المحلي بالمنتجات الوطنية على حساب بضاعةِ الكيان الإسرائيلية والتي قد لاقت بالفعل إقبال الفلسطينيين عليها بشكلٍ لافت تنديدا بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ما ساعد على ازدهار سوق المصانع الفلسطينية، ما دفعهم إلى زيادة الإنتاجية والأيدي العاملة في مصانعهم.
المشهد أصبح واضحاً في السوق، و المنتج الإسرائيلي بات أقل حضوراً، تحديداً في قطاعي الألبان والعصائر اللذين شكّلا مشكلة كبيرة تاريخياً، مقابل ارتفاع الطلب على المنتج الفلسطيني، ما دفع التجار والموزعين إلى السعي لتوفيرها مقابل التقليل من نسبة تعاملهم مع المنتج الإسرائيلي، فالمقاطعة تحولت إلى ثقافة ملموسة واتسعت دائرة المنتجات المشمولة فيها، وتحديداً الزراعية، والاتجاه أكثر نحو دعم التعاونيات والمزارع الفلسطينية، كما بدأت المؤسسات والشركات العاملة في فلسطين تعتمد على منتجات فلسطينية في تجهيز مكاتبها.
ويقول مدير مصنع محلي للألبان، المقاطعة تعطي دافعا أكبر حتى نعمل على التطوير أكثر، و نحاول أن نوجد بدائل سواء للسلع المستوردة أو البضائع الإسرائيلية التي تضاهي جودتها وأعلى منها، ونحن تخطينا جودة المنتجات الإسرائيلية، وطبعا في ظل هذه الأوضاع الكل بالتحديد سيتأثر من مصانع الألبان ومزارع الأبقار، والمزارعين، وكذلك سيتأثر مصنعو الأعلاف، إن هذه العملية هي سلسلة ممتدة من المصنعين والتجار والمصانع التي يمكن أن تتأثر، وحتى على المستوى الثقافي نحن نحاول تغيير ثقافة بعض الناس الذين يستخدمون حتى المصطلحات العبرية لأسماء المنتجات التي نحن أوجدنا البدائل لها، مثل اسم الشيمينت الكلمة العبرية في مصانعنا وقد اشرنا الى عدم استخدام المصطلح ومعناه القشطة الحامضة، حيث نحاول أن نرفع قليلا وعي الناس بالموضوع فالمقاطعة على المنتجات الإسرائيلية تشمل حتى الاسم.
المقاطعة تحولت لثقافة حياة
تحوّل تفقّد بلد الصنع إلى سلوكٌ راج في الآونةِ الأخيرة بالأسواق ويعمدُ كثيرٌ من المواطنينَ إلى الاستعانة بهواتفهم النقالة للتأكد إن كانت السلعةِ الموجودة ضمن قائمةِ المقاطعة وذلك بعد ان قام نشطاء بتعميم تلك القوائم على وسائل التواصل الاجتماعي.
في ظل الدمار و الإجرام الصهيوني لم تعد المقاطعة ردة فعل عابرة على الممارسات الصهيونية فحسب إنما تحولت إلى ثقافة حياة وبشكل خاص بعد لمس التأثير المدمر الذي لعبته حملة المقاطعة هذه على الكيان و الاقتصاديات الداعمة له وبشكل خاص في ظل عجز الشعوب عن تقديم دعم سياسي أو عسكري في ظل تواطؤ قياداتها السياسية أصبح الناس يرون أن هذه المقاطعة هي اقل شيء ممكن أن يفعله الإنسان في ظل جرائم الإبادة الجماعية التي تمارس في غزة.
ويعتبر المشهد الأجمل والأكثر تأثيراً هو رؤية الأطفال في المدارس وفي الأسواق ملتزمين بشراء منتج فلسطيني ويمتلكون ثقافة كافية لتمييز المنتجات.
لا مجال للتطبيع
كان للحرب الأخيرة على غزة دور كبير في أن تعزز قناعة مهمة لدى الفلسطينيين، أنه لا يمكن التعايش أو التطبيع مع الاحتلال، فأحد أشكال المقاومة السلمية الذي يمكن للجميع الانخراط فيها هي مقاطعة المنتج، سواء الإسرائيلي أو الصادر عن المستوطنات الإسرائيلية المقامة في الضفة الغربية.
فقد أصبح شعور المواطن حول ما يجري هو "معركة كسر عظم" مرتبطة بفظائع الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة وما تبعها من اعتداءات في الضفة الغربية، ما أدى إلى تغيير في السلوك الفلسطيني، بالإضافة إلى تراكم الوعي بسبب حملات المقاطعة السابقة وجهود "حركة مقاطعة إسرائيل"، (BDS)، ما جعل هذه اللحظة مناسبة لهذا النوع من المقاومة.
ويرى الفلسطينيون أن اتفاقية باريس، وهي البروتوكول الاقتصادي الملحق باتفاقية أوسلو التي وقَّعتها السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" بباريس في ال 29 من أبريل/نيسان 1994، إنها بمثابة المصيدة التي جنت على الاقتصاد الفلسطيني وعرقلت تقدمه في ظل بنودها التي تمنح السيطرة للإسرائيليين.
قبل الحرب ليس كبعدها
كان لهذه الحرب دوراً كبيراً في نشر الوعي لدى شعوب العالم و الشعب الفلسطيني بشكل خاص عن الدور الفاعل للمقاطعة التي اتسعت بشكل غير مسبوق بعد الحرب على غزة و وصلت إلى حالة من الاستغناء و هو ما يشكل نقطة تحول في مسار حركة المقاطعة والذي لم يعد هناك إمكانية للتراجع عنه بعد انتهاء الحرب بسبب دخول منتجات فلسطينية جديدة إلى الأسواق تسد حاجة المواطن و تنافس المنتجات الاسرائيلية.
في سياق متصل ، أحدثت حملات المقاطعة تغيراً جوهرياً في طبيعة العلاقة بين المنتج والمستهلك الفلسطيني، ولم تعد تقتصر على المنتجات الغذائية الأكثر استهلاكاً واستيراداً من السوق الإسرائيلية بل تجاوزت إلى منتجات البلاستيك والمنظفات والأدوية، وخرجت من نطاق قطاعات معينة إلى قطاعات شاملة وصلت إلى مقاطعة شركات عالمية تتورط دولها في جريمة الإبادة الجماعية بشكل مباشر أو في تأييد هذه الجريمة، أما المؤشر الأهم فهو عدم وجود خلاف فلسطيني على جدوى المقاطعة والإيمان بدورها وتأثيرها كأحد أشكال المقاومة ومظهر من مظاهر العصيان،