الوقت - توصف أفريقيا في الأدبيات السياسية العالمية بأنها "أرض الفرص"، بسبب إمكاناتها الاقتصادية العالية ومواردها البشرية والطبيعية الوفيرة، وهو ما دفع القوى الدولية الغربية والشرقية إلى الدخول في منافسة شديدة على تنمية مصالحها في هذه القارة.
واليوم، أضيفت إلى هذه المجموعة قوى إقليمية ناشئة، تسعى إلى تعزيز موطئ قدمها وحصصها في سوق الفرص الاقتصادية في القارة السوداء.
إن إيران، باعتبارها قوةً إقليميةً تتمتع بإمكانات رأس المال والتجارة والمعرفة والتكنولوجيا والطاقة، وضعت في السنوات الأخيرة التنمية الشاملة للعلاقات مع أفريقيا في قائمة أولويات سياستها الخارجية.
ومن أبرز مظاهر تبلور هذا التوجه في حكومة رئيسي، هي مبادرة عقد لقاء دولي بين إيران وأفريقيا، حيث انعقدت يوم الجمعة الماضية الجولة الثانية من هذه القمة في طهران، بحضور ممثلين على مستوى كبار المسؤولين من الدول الأفريقية، من بينهم وزراء اقتصاد أكثر من 30 دولة أفريقية.
وفي هذا اللقاء، قيّم السيد رئيسي بشكل إيجابي عملية تطوير التعاون بين إيران والدول الأفريقية، مشيراً إلی ضرورة حل المشاكل والعقبات بسرعة في هذا الطريق، بما في ذلك تطوير وتعزيز الخطوط الملاحية لحل مشكلة التحويل المالي والنقدي.
کما اعتبر أن قدرات التعاون تتجاوز الحد الحالي بكثير، وفي شرح المنظور المتوقع لتشكيل الاقتصاد التكميلي، أعلن عن السعي لزيادة حجم التبادلات الاقتصادية 10 أضعاف في الخطوة الأولى، ليصل حجم التجارة إلى 10 مليارات دولار سنوياً.
وفي جزء مهم آخر من كلمته، أشار إلى قدرات إيران التكنولوجية في مجال الشركات القائمة على المعرفة لتطوير التعاون مع أفريقيا، وشدّد على الفرق بين وجهة نظر إيران المتمثلة في رابح-رابح فيما يتعلق بالقارة السوداء، والنظرة الاستعمارية للدول الغربية، وقال: "إن التعاون مع أفريقيا أكّد عليه الإمام الخميني، وشدّد عليه أيضاً قائد الثورة، وإن الغربيين يريدون أفريقيا لأنفسهم، ولكننا نريد أفريقيا لأفريقيا، وهذا الاختلاف في الرأي مهم، ويُظهر تاريخ أفريقيا کيف أن عدداً من الدول الغربية قد نهبت موارد أفريقيا".
إحصائيات مفصلة للتجارة بين إيران وأفريقيا
إن حجم التجارة الإيرانية مع الدول الإفريقية وصل إلى مليار دولار، وفي الوقت نفسه، فإن أكبر حجم للتجارة الخارجية بين إيران وإفريقيا حدث في عام 2022، حيث وصل هذا الرقم إلى نحو مليار و300 مليون دولار.
وقال روح الله لطيفي، المتحدث باسم لجنة تنمية التجارة التابعة لبيت الصناعة والتعدين والتجارة الإيراني، فيما يتعلق بالوجهات السبع الأولى للمنتجات المصدرة إلى أفريقيا: في عام 2023، كانت غانا بـ 173.5 مليون دولار، وجنوب أفريقيا بـ 145 مليون دولار، وتنزانيا بـ 92.8 مليون دولار، وكينيا بـ 48.7 مليون دولار، ونيجيريا بـ 48 مليون دولار، وموزمبيق بـ 47.1 مليون دولار، والصومال بـ 33.3 مليون دولار، وكانت الوجهات السبع الأولى لتصدير البضائع الإيرانية مباشرةً إلى هذه القارة.
وحسب المتحدث باسم لجنة تنمية التجارة التابعة لوزارة الصناعة والتعدين والتجارة الإيرانية فإن 51% من صادرات إيران إلى هذه القارة كانت عبارة عن مشتقات نفطية، بما في ذلك أسمدة اليوريا والقار والغاز السائل والزيوت الصناعية المختلفة، وبعد ذلك، فإن 37% من صادرات إيران تأتي من منتجات الصلب والحديد.
وأضاف: کما أن المواد الغذائية ومواد البناء وأنواع السجاد والأرضيات والمنظفات واللوازم الصحية والأجهزة المنزلية والأدوية، والمعدات الطبية واللوازم الصناعية وقطع غيار السيارات والمطاط والمعادن والأجهزة الكهربائية والثريات والأثاث ولعب الأطفال، کانت من بين السلع الأخرى المصدرة من إيران إلى قارة أفريقيا عام 2023.
وأوضح لطيفي أيضًا عن الواردات من القارة الأفريقية: في العام الماضي، كانت 22 دولة من هذه القارة تبيع البضائع إلى إيران بشكل مباشر، حيث کانت جنوب أفريقيا بمبيعات 19 مليون دولار، وزامبيا بـ12.5 مليون دولار، وغانا بـ12 مليون دولار، وسيشيل بـ11.7 مليون دولار، وكينيا بـ9.5 ملايين دولار، وتنزانيا بـ6.1 ملايين دولار، وأوغندا بـ4.1 ملايين دولار، الدول السبع الأولى التي باعت بضائع لإيران من بين دول القارة الأفريقية العام الماضي.
وقال: إن 66% من واردات إيران من هذه القارة، كانت عبارةً عن منتجات غذائية وزراعية، مثل الشاي والذرة والقهوة والتبغ والبقوليات وذبائح الأغنام والمنتجات السمكية؛ و21% کانت معادن مثل خام المنجنيز وصخور الزنك والتربة ومركزات الكروم، و13% أخرى کانت بشكل رئيسي الزيوت والشحوم الصناعية والأحزمة والآلات والمواد الكيميائية والصناعية وقطع الغيار.
إنشاء أمانة دائمة لتطوير العلاقات مع أفريقيا
خلال اللقاء الثاني بين إيران وأفريقيا، أكد وزير الصناعة والتعدين والتجارة الإيراني على إنشاء أمانة دائمة للتعاون الاقتصادي بين إيران وأفريقيا في هذه الوزارة، ومتابعة القضايا المهمة من أجل تطوير العلاقات المربحة للجانبين مع الدول الأفريقية.
وأضاف: إن جهود إصلاح التعريفات الجمركية من أجل تطوير علاقات رابح-رابح مع الدول الأفريقية، هي إحدى القضايا المهمة التي ستتم متابعتها من خلال هذه الأمانة.
بدوره أشار مهدي ضيغمي رئيس منظمة تنمية التجارة ونائب وزير الصناعة والتعدين والتجارة الإيراني، إلى ضرورة إطلاق خط جوي منتظم، وخاصةً إلى غرب وجنوب أفريقيا، وأعلن عن زيادة عدد المستشارين الاقتصاديين الإيرانيين في أفريقيا، وقال: لدينا حالياً 3 مستشارين تجاريين في أفريقيا، وهذا العدد سيرتفع إلى 14 شخصاً.
هذه الإجراءات، التي تظهر التصميم الجاد للحكومة الإيرانية على تغيير العلاقات بين إيران والدول الأفريقية في المستقبل القريب، تم التمهيد له خلال زيارات الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي إلى القارة السوداء.
حيث إنه في يوليو 2023، بدأ رئيسي جولته إلى الدول الثلاث كينيا وأوغندا وزيمبابوي في أفريقيا، وهي أول جولة لرئيس إيراني إلى القارة الأفريقية بعد 11 عاماً، وقد تمكنت هذه الجولة من تحقيق إنجازات إيجابية ومهمة، يمكن أن نذكر منها ما يلي:
أ) توقيع 21 وثيقة تعاون مع أوغندا وكينيا وزيمبابوي.
ب) تبادل المنتجات مثل المنتجات البتروكيماوية.
ج) استيراد اللحوم الحمراء من كينيا.
د) البداية الرسمية للزراعة خارج الحدود الإقليمية في كمبالا (أوغندا)
الإمكانات الاقتصادية الكبيرة التي تتمتع بها أفريقيا
إن المشهد الاقتصادي في أفريقيا يتغير بسرعة، وفي هذه الأثناء، فإن وجود إمكانات بشرية وطبيعية عالية لهذه القارة الغنية أمر لافت للنظر.
أفريقيا قارة تضم 54 دولة، وتبلغ مساحتها حوالي 31 مليون كيلومتر مربع، أي ما يعادل 24% من سطح الأرض، ومساحة تعادل ثلاثة أضعاف مساحة أوروبا.
كما أن هذه القارة التي يبلغ عدد سكانها حوالي مليار و400 مليون نسمة، تستضيف أكثر من 18% من إجمالي سكان العالم، وحسب الإحصائيات فإن هذه القارة هي الأكثر شبابًا في العالم، ومن ناحية أخرى، فإن اتجاه النمو السكاني في هذه القارة أعلى من بقية دول العالم، والتي ستصبح قوةً كبرى في العالم في المستقبل القريب.
ومن أهم قضايا القارة الإفريقية، هو تزايد التحضر الذي يشهد أسرع وأكبر معدل في العالم، ووفقاً لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي، فإن ستة من الاقتصادات العشرة الأسرع نمواً في عام 2023 كانت في أفريقيا.
ويشكل تزايد عدد السكان (سكان الحضر) فرصةً من منظورين: من ناحية العرض، فإنه يوفّر المزيد من العمالة، ومن ناحية الطلب فإنه يخلق سوقاً استهلاكيةً أكبر، ومع ارتفاع تكاليف العمالة في الصين، فإن أفريقيا لديها فرصة للعب دور أكبر، باعتبارها "مصنع العالم".
ومن حيث الموارد الطبيعية، تمتلك أفريقيا 30% من الاحتياطيات الطبيعية، و40% من الذهب، و90% من الكروم والبلاتين في العالم، كما يتوافر في أفريقيا أكبر احتياطي من الكوبالت والماس والبلاتين واليورانيوم في العالم.
وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك أفريقيا 10% من موارد المياه العذبة المتجددة، و8% من موارد الغاز الطبيعي، و12% من احتياطي النفط في العالم، وتمتلك الدول الثلاث كينيا وأوغندا وزيمبابوي، بالإضافة إلى الطاقة الزراعية، موارد كثيرة من النفط والفحم والذهب والقطن والنيكل والبلاتين والماس.
التطورات الأفريقية على المسار المواتي لإيران
شهدت خريطة التطورات السياسية والجيوسياسية في أفريقيا، وخاصةً فيما تسمى القارة السوداء (غير الناطقة بالعربية)، تغيرات كبيرة في السنوات الأخيرة، وتضمنت هذه التطورات، بقيادة الجيوش الوطنية، انتفاضات داخلية عديدة ضد الوجود العسكري والاستشاري للغرب، والحكومات التابعة له.
على سبيل المثال، منذ أن استولى المجلس العسكري في النيجر على السلطة في يوليو/تموز، أدى ذلك إلى انسحاب القوات الفرنسية والأوروبية من المنطقة، وبوركينا فاسو ومالي من البلدان الأخرى التي تمر بتغييرات مماثلة.
لقد أدى طرد الجنود الغربيين إلى خلق فراغ عسكري وأمني، ويمكن لهذه القضية أن تؤدي إلى التعاون في مكافحة الإرهاب، بالنظر إلى رغبة إيران في تطوير نفوذها في أفريقيا، ونظرة الدول الأفريقية الإيجابية لدور إيران غير الاستعماري كلاعب قوي وجديد في مجال المعادلات الدولية، وعضو في اتفاقيتين مهمتين غير غربيتين هما البريكس وشانغهاي، والتي تمتلك قدرات عسكرية معترف بها في النظام الدولي.
وخلال تطورات حرب غزة، أثبتت إيران وجودها العسكري في الساحل وفي القرن الأفريقي، وقبل ذلك جرّبت وجودها في المياه خارج الحدود الإقليمية على شكل مهمات لمكافحة القرصنة.
وفي مجال رغبة الدول الإفريقية في تعزيز التعاون العسكري مع إيران، تتردد أنباء مختلفة، وفي وقت سابق، كانت وسائل إعلام غربية قد أعلنت أنباء غير مؤكدة عن رغبة الحكومة السودانية في شراء أسلحة من إيران، وخاصةً الطائرات دون طيار، للتعامل مع قوات الرد السريع المتمردة القريبة من الغرب والإمارات العربية المتحدة، وكانت أنباء أخرى مماثلة قد نشرت حول استعداد الجزائر لشراء أسلحة من إيران.
في غضون ذلك، أثار تطور وجهة النظر بشأن زيادة التعاون مع طهران، قلق السلطات الغربية، حيث إنه زار وفد أمريكي النيجر الشهر الماضي، وحسب وسائل إعلام، كان من بين المواضيع التي ناقشها هذا الوفد، مواجهة توسع نفوذ إيران وروسيا في هذا البلد.
واتهم مسؤولون أمريكيون حكومة النيجر الجديدة بدراسة صفقة سرية، لمنح إيران إمكانية الوصول إلى احتياطياتها من اليورانيوم، وبعد وقت قصير من هذا الاجتماع، أنهت حكومة النيجر الجديدة تحالفها مع واشنطن لمكافحة الإرهاب، برفض هذه الادعاءات.
تسعى إيران إلى تحقيق مصالح مشتركة مع الدول الأفريقية في كل المجالات، وخاصةً الزراعة والتعدين والبنية التحتية، وفي الوقت نفسه إيجاد وجهات جديدة لتصدير السلع والخدمات الفنية والهندسية، ومن المؤكد أنه إذا تمت متابعة السعي إلى تعزيز التعاون بالسرعة والجدية نفسها، فإن أفريقيا الجديدة سوف تكون أكثر تقبلاً للوجود الإيراني.