الوقت- بعد الهجوم الإرهابي الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق، كان البيان الوحيد الذي اتفق عليه العديد من الدبلوماسيين والمحللين والمراقبين هو رد إيران بنسبة 100٪ على العمل العدواني الإسرائيلي، لكن ما كان محل شك هو طريقة الرد الإيراني وتوقيت ومكان الهجمات، ولهذا اعتقد فريق أن إيران سترد بمفردها، وفريق آخر أكد على وحدة طهران ومحور المقاومة، ومساء الأحد الماضي؛ وبعد عدة ساعات من استيلاء الحرس الثوري الإيراني على سفينة شحن إسرائيلية في مضيق هرمز، بينما كانت تل أبيب في حالة تأهب كامل، ردت طهران.
فصل جديد في المواجهة بين طهران وتل أبيب
وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة الغارديان عن ياجيل ليفي، أستاذ علم الاجتماع العسكري الناشط في جامعة آزاد الإسرائيلية، زعمه أنه قبل هجوم إيران على "إسرائيل"، كانت طهران منتصرة ميدانيا، لأن الخوف من هجوم إيران وضع "إسرائيل" في موقف صعب ومعقد وكان وضع بايدن وفريقه سيئاً أيضاً في البيت الأبيض؛ وعلى الرغم من البيانات التي قدمتها وكالات الاستخبارات للرئيس، فإن النهج الإيراني كان غامضا، ولذلك، كان فريق بايدن الأمني قد طرح السيناريوهات والخطط الأكثر استفزازاً على الطاولة، مثل صوت حزب الله اللبناني أو أنصار الله في اليمن مع إيران في هجوم على "إسرائيل".
وقالت مريم علم زاده، الأستاذة المشاركة النشطة في التاريخ والسياسة بجامعة أكسفورد: إن الرد المباشر من إيران على "إسرائيل" يمثل فصلاً جديدًا في المواجهة بين طهران وتل أبيب، واجه ممثلان كانا في الظل سابقًا بعضهما البعض، وحسب علم زاده، على مر السنين، وعلى الرغم من الأعمال الاستفزازية الإسرائيلية، اتبعت طهران نمط الصبر الاستراتيجي، وهي استراتيجية كانت مثمرة أيضًا.
وذكر حميد دهباشي، أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة كولومبيا، في مقابلة مع صحيفة الغارديان أن هذه المواجهة كانت حتمية، وخاصة أن إيران و"إسرائيل" في صراع غير متكافئ لفترة طويلة، ووفقاً للدهباشي، فإن الهجوم الإرهابي الذي شنته "إسرائيل" على دمشق في الأول من نيسان/أبريل كان بمثابة اختبار جدي للجهات الفاعلة في الشرق الأوسط. كما قال علي فايز، مدير مشروع إيران في الأزمة الدولية، لصحيفة الغارديان: "طوال هذه السنوات التي كنت أراقب فيها حرب الظل بين إيران و"إسرائيل"، لم أر مثل هذا التغيير في المعادلات!"، داخل إيران، يريد الناس أن ترد الحكومة على هذا الهجوم، لذلك تخلت إيران عن نموذج الصبر الاستراتيجي في الوقت الحالي من أجل تحديد نوع من الردع ضد "إسرائيل".
نتنياهو خيب آمال أمريكا
وفي الوقت الحالي، إن بايدن ونتنياهو، بغض النظر عن الخلافات الخطيرة في الرأي، متحدان بسبب التطورات الأخيرة، لكن وراء الدعم العلني الذي تقدمه الولايات المتحدة لـ"إسرائيل"، سئم المسؤولون الأمريكيون من مواصلة جهودهم الرامية إلى توسيع "إسرائيل" الحرب في غزة ووضع الشرق الأوسط على حافة التوتر الشامل، كما زعم فالي نصر، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة جون هوبكنز، أن "إسرائيل وضعت المنطقة بأكملها في حالة تأهب أحمر"، ولقد بعث الهجوم الإرهابي الأخير على دمشق برسالة إلى المنطقة بأسرها، بما في ذلك إيران، مفادها بأن أمريكا لا تملك في الأساس أي سيطرة على "إسرائيل".
وفي الوقت نفسه، تقول مجموعة من المراقبين إن اتصالات وزراء الخارجية من جميع أنحاء أوروبا والمنطقة مع إيران، وتأكيدهم على ضبط النفس، تظهر أنه على الرغم من الدعم العام الذي تقدمه هذه المجموعة من الأطراف لـ"إسرائيل"، إلا أن الآمال معقودة على طهران، وحسب نصر، فإن الغرب يعلم جيداً أن إيران تحسب حساباتها من خلال النظر في المقترحات الاستراتيجية، وأضاف إن إيران بعثت برسالتها الردعية على النموذج نفسه الذي تتبعه، ومع ذلك، أثار المنتقدون مسألة ما إذا كان نتنياهو يغذي التوترات التي تزايدت لدوافع سياسية.
ورفض الجنرال المتقاعد تامير هيمان، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية والمدير التنفيذي لمعهد دراسات الأمن القومي، هذه الفرضية بينما أشار إلى اختلافات الرأي بين بايدن ونتنياهو، وردا على سؤال ما إذا كان الشرق الأوسط على المحك على وشك حرب واسعة النطاق أم لا، تدعي أن إيران استهدفت مواقعها المرغوبة بعناية وأظهرت قوتها، وهذا ليس طرحاً سيؤدي إلى تصعيد التوترات وفتح قدم أمريكا إلى ساحة المعركة، لكن هناك مجموعات تتكهن برد "إسرائيل" المحتمل، لكنهم لا يستطيعون تقديم فرضية متماسكة حول هذا الأمر
هجوم إيران على "إسرائيل"
أخيرًا، بعد 12 يومًا من الهجوم الصاروخي للجيش الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، تم تنفيذ العملية الانتقامية الإيرانية، وأطلقت منظمة "الجو فضائية" التابعة للحرس الثوري الإيراني، في هذه العملية، عددًا من الطائرات المُسيّرة، وصواريخ كروز، وصواريخ باليستية على أهداف في جنوب ووسط "إسرائيل"، ولم يتم ذكر عدد الأسلحة المستخدمة في بياني الحرس الثوري الإيراني.
وقالت مصادر إسرائيلية مجهولة لصحيفة "نيويورك تايمز" إنه تم إطلاق 185 طائرة مُسيّرة، و36 صاروخ كروز، و110 صواريخ باليستية أرض- أرض من الأراضي الإيرانية إلى "إسرائيل"، وبالإضافة إلى ذلك، تعرضت "إسرائيل" لهجوم بطائرات مُسيّرة متفجرة من داخل لبنان والعراق واليمن، وتدور حرب إعلامية ونفسية بين الجانبين منذ بداية العملية، وهناك تناقض في تقييم نتائج العملية، وحرب الروايات هي المسيطرة حاليًا؛ ففي رواية إيران تعرضت قاعدة "نافاتيم" الجوية لأضرار جسيمة، وأصابت نصف الصواريخ الأهداف المحددة وأُصيب عدد من القوات العسكرية، كما قال قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، في مقابلة مع مراسل الإذاعة والتلفزيون الإيراني، إن عملية "الوعد الصادق" كانت محدودة، وطالب الحكومة الإسرائيلية بتعلم الدرس، وعدم الهجوم داخل الأراضي الإيرانية، وإلا فإنها ستواجه ردًا أقسى.
وفي المقابل، زعم المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أنه تم اعتراض 99 بالمئة من الصواريخ والطائرات المُسيّرة بمساعدة القوات العسكرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية، ولم يتعرض سوى مركز عسكري واحد، "نافاتيم" على الأرجح، لأضرار طفيفة، كما نُقِل 12 شخصًا إلى المستشفى، أُصيب معظمهم بجروح أو بصدمة نفسية.