الوقت - على الرغم من الجهود الدولية لوقف الصراع في غزة، تظهر الأدلة أن المفاوضات بين حماس والكيان الصهيوني وصلت إلى طريق مسدود عشية شهر رمضان المبارك.
فبينما تسعى حكومة بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيوني، إلى الضغط على حماس والحصول علی تنازلات من هذه الحركة بشروط جديدة، يقف قادة المقاومة في وجه تجاوزات الکيان الإسرائيلي.
وفي هذا الصدد، أعلن مسؤولو حماس، الأحد الماضي، الموعد النهائي للمفاوضات بشأن تبادل الأسرى، كما أعلنوا عن شرطهم للإفراج عن الأسرى، وأكد قادة حماس أنهم لن يقدموا التنازلات التي تحاول الحكومتان الأمريكية والإسرائيلية فرضها على المقاومة في المفاوضات غير المباشرة.
وقال مصدر مطلع في حماس لـ"العربي الجديد": إن "حماس والمقاومة لن تقدما أي تفاصيل أو معلومات عن الأسرى الموجودين لديهما، إلا إذا تم دفع ثمن باهظ في إطار تخفيف معاناة أهل غزة، وتنفيذ وقف شامل لإطلاق النار".
وقد وضعت حماس مطالب محددة يجب على الکيان الإسرائيلي تلبيتها من أجل تحرير أسراه، وإنقاذ الأسرى الذين ما زالوا على قيد الحياة، وأكد هذا المصدر المطلع: أن "بداية شهر رمضان هي الموعد النهائي للمفاوضات، التي اتفقت عليها فصائل المقاومة".
وحسب مصادر عربية، فإن حكومة نتنياهو أعلنت لمصر وقطر أن الجولة الجديدة من المحادثات بشأن إطلاق سراح الأسرى، لن تعقد إلا بعد أن تعلن حماس قائمة الأسرى الذين ما زالوا على قيد الحياة، وكذلك رأيها في قائمة الأسرى الفلسطينيين، والتقدير الإسرائيلي هو أن هناك 134 أسيراً لدى المقاومة في غزة، منهم 31 قتيلاً، وستة مواطنين أمريكيين.
في هذه الأثناء، وبالتزامن مع انتهاء المهلة المحددة لحماس للتفاوض مع الكيان الصهيوني حتى شهر رمضان، وجّه يحيى السنوار رئيس مكتب حماس في غزة، رسالةً أيضاً إلى قيادات هذه الحركة في قطر.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال يوم الأحد الماضي نقلاً عن مصادر عربية، أن "الرسالة الموجهة إلى قادة حماس في قطر هي أنه لا تقلقوا، فالإسرائيليون موجودون بالضبط حيث نريدهم أن يكونوا"، كما يتم التأكيد في هذه الرسالة على أن حماس لا تزال تمتلك قدرات عسكرية كبيرة.
إن رسالة السنوار بأن رفح لن تكون مكان استراحة ونزهة للجنود الصهاينة بعد الحصار، وأن كتائب القسام على أتم الاستعداد، تظهر أنهم أعدوا مقاومتهم لأي سيناريو في غزة، ولا يخافون من تهديدات الکيان الإسرائيلي.
وزعمت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن السنوار يخطط لجر الصهاينة إلى عملية رفح، وأنه سينتصر في النهاية.
تفكك معادلات نتنياهو
بينما كانت السلطات الصهيونية تهدد قيادات حماس في الأسابيع الأخيرة، إذا لم يطلقوا سراح أسراهم بحلول شهر رمضان، فسوف يهاجمون رفح برياً، من أجل تحقيق أهدافهم المعلنة بهذه التهديدات، لكن الآن انقلبت الصفحة وفصائل المقاومة هي التي حددت موعداً نهائياً للکيان الإسرائيلي.
وزعم المسؤولون الصهاينة أن حماس فقدت الكثير من بنيتها التحتية وقواتها العسكرية، وأنه إذا هاجموا رفح التي تضم 1.5 مليون نازح فلسطيني، فإنهم سينهون الحرب لمصلحتهم، لكن يبدو أن حسابات الکيان خاطئة.
إن الموعد النهائي الذي حددته حماس يتضمن رسالةً مفادها بأن مرور الوقت ليس في مصلحة الإسرائيليين، وأن عليهم العودة إلى طاولة المفاوضات، والتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار قبل فوات الأوان.
لقد أدرك قادة المقاومة أن أوضاع الأراضي المحتلة ضد حكومة نتنياهو، واحتجاجات أهالي الأسرى وانتقادات زعماء المعارضة وضعت اليمين المتطرف في موقف صعب، ويقول تقرير وسائل الإعلام العبرية أيضًا إن مئات الجنود وضباط الجيش التابعين لهذا الکيان، يخالفون أوامر القادة وليسوا مستعدين للعودة إلى غزة مرةً أخرى.
حتى إن نتائج الاستطلاعات تشير إلى أن غالبية الصهاينة يعتبرون نتنياهو المذنب الرئيسي في أزمة غزة، وقد أدت هذه القضية إلى تقليص شعبية رئيس الوزراء وزيادة الثقل السياسي لمنافسيه.
ولذلك، فإن حماس، التي لا تثق بوعود الحكومة المتطرفة، وتعتزم تحريض الصهاينة ضد نتنياهو من خلال تحديد موعد نهائي لتبادل الأسرى ووقف الحرب، لأن حماس حذرت من أنه بسبب نقص الغذاء والصحة في غزة، فإن الحالة الجسدية للأسرى الصهاينة سيئة للغاية، ولذلك، إذا قُتل السجناء الباقون، ستشتد موجة المعارضة ضد الحكومة.
وبشرط عدم العودة إلى طاولة المفاوضات إذا لم تعلن حماس عن أسماء الأسرى وقائمة الأسرى الفلسطينيين، يعتزم الکيان الصهيوني الحصول على معلومات مفصلة من الأسرى الصهاينة، والتأكد مما إذا كان الناجون يستحقون إعطاء تنازلات لفصائل المقاومة أم لا.
لكن حماس رفضت طلب نتنياهو ولم تسلم أسماء الأسرى، وبدلاً من ذلك حدّدت موعداً نهائياً، لوضع الکيان في موقف ضياع فرصة السلام والعثور على الأسرى أحياءً.
في المقابل، فإن بيان السنوار والموعد النهائي للمقاومة، ساعد طاولة المفاوضات والوفود السياسية، حتی لا تشعر بالقلق من التهديدات العسكرية للکيان وتصر على مبادئها.
وفي الواقع، تظهر المقاومة أنه على الرغم من أن الوضع الإنساني في غزة كارثي للغاية، وأنها تسعى إلى وقف الحرب وإرسال المساعدات الإنسانية، إلا أنها غير مستعدة للتوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار بأي ثمن.
إجماع عالمي ضد تل أبيب
من الأمور المهمة الأخرى في مهلة حماس، أن شهر رمضان كان دائماً مهدًا للعديد من التطورات في الأراضي المحتلة، ويقوم الصهاينة بزيادة الإجراءات الأمنية كل عام عشية هذا الشهر.
هذا العام، وبسبب حرب غزة، تضاعف الخوف لدى الصهاينة، ويشعرون بالقلق من أن موجة حرب غزة ستمتد إلى الضفة الغربية وسيتعرضون للهجوم من جبهتين، بل يتوقعون إمكانية حدوث الانتفاضة الثالثة.
وهناك تصور مفاده بأن حماس، مستغلةً فرصة شهر رمضان، وهو أمر مهم للغاية بالنسبة للمسلمين، ستحول انتباه العالم الإسلامي مرةً أخرى إلى التطورات في غزة، وتحثّ الحكام العرب المطبعين، الذين ظلوا صامتين أمام جرائم الاحتلال منذ خمسة أشهر، على التحرك.
وبالنظر إلى أن الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة، كانت على خلاف مع سلطات تل أبيب بشأن وقف إطلاق النار في غزة في الأسابيع الأخيرة، فإن الوضع الدولي ليس في مصلحة الصهاينة على الإطلاق، ويمكن لحماس استغلال هذه الفرصة لمصلحة فصائل المقاومة، وزيادة الضغوط الدولية على الکيان الإسرائيلي.
كتائب القسام في ذروة قوتها
تنطلق رسالة السنوار من منطق أن المقاومة ليست فقط غير ضعيفة، بل قادرة على القتال ضد الکيان الإسرائيلي لفترة طويلة.
إن الضربات القاتلة التي شنتها صواريخ القسام في الأسابيع الأخيرة، تخبر الجيش الصهيوني بحقيقة أن قوات المقاومة لا تزال تمتلك الأدوات اللازمة لضرب الکيان، وهو الأمر الذي أكدته أجهزة المخابرات الأمريكية مؤخرًا.
في الوقت الحاضر، المقاومة الفلسطينية متماسكة، ولا يزال الجزء الرئيسي من بنيتها التحتية الدفاعية والعسكرية محتفظًا به، والمشكلة الوحيدة هي الأزمة الإنسانية التي تضغط على المقاومة أكثر من القضايا العسكرية.
کما أن حقيقة اكتشاف الجيش الصهيوني 20% فقط من أنفاق حماس، واعتراف سلطات هذا الکيان باستحالة تدميرها، يشير إلى تزايد قوة فصائل المقاومة في صمودها لمواصلة الحرب، ويجب على الکيان الإسرائيلي أن يتحمل المزيد من التكاليف الباهظة لمواجهتهم على المدى الطويل.
ويمكن أيضًا اعتبار رسالة السنوار بمثابة استعراض للقوة ضد الکيان الإسرائيلي، لأن السلطات الصهيونية زعمت مراراً وتكراراً أنها اقتربت من مخبأ السنوار في غزة وستقوم باعتقاله قريباً، أو أنه بسبب إخفاقات حماس في غزة فإن قيادات هذه الحركة تسعى لإزاحته.
لكن رسالة السنوار التحذيرية في الوضع الحالي، تظهر أن قائد المقاومة هذا في ذروة قوته، وليس فقط أنه لم تكن هناك فجوة في صفوف المقاومين، بل إن السنوار يدير الحرب بسلطة واقتدار كما في الماضي.
ولذلك، كانت رسالة السنوار ومهلة المقاومة بمثابة إبطال لأوهام نتنياهو ورفاقه حول تأثيرات الهجوم البري على رفح، لأن قوى المقاومة تتربص بهم وينتظرهم مصير مماثل لما حدث لقوات الاحتلال في حي الزيتون والشجاعية ومناطق أخرى.