الوقت- وفي الوقت نفسه الذي تستمر فيه هجمات الكيان الصهيوني في غزة، تشتعل نيران الحرب على جبهات أخرى أيضاً، وبينما يستهدف حزب الله اللبناني وأنصار الله الحوثيين في اليمن مصالح ومواقع الصهاينة في شمال الأراضي المحتلة والبحر الأحمر، فإن الجبهة الثالثة للصراع تنشط في المحور العراقي الذي يتولى مهمة مواجهة الولايات المتحدة كحليف استراتيجي للكيان الصهيوني.
ووسعت فصائل المقاومة العراقية هجماتها على القواعد الأمريكية في الأيام الأخيرة تضامنا مع أهالي غزة، وفي أحدث تحركاتها، أعلنت المقاومة الإسلامية العراقية، الأحد، استهدافها قاعدة "الحرير" التابعة للاحتلال الأمريكي قرب مطار أربيل بطائرات مسيرة، كما قصفت فصائل المقاومة العراقية ثلاث قواعد أمريكية في "حقل عمر النفطي وحقل كونيكو للغاز وقاعدة الرميلان" في محافظة الحسكة بسوريا، كما تعرضت قاعدة عين الأسد غرب العراق لاستهداف من قبل المقاومة العراقية ليل الأحد، وأثارت هذه القضية قلق المسؤولين في واشنطن.
ويأتي تزايد هجمات الجماعات العراقية على المواقع الأمريكية بعد أن نفذت الولايات المتحدة هجومين على مقرات جماعات المقاومة في العراق الشهر الماضي، استشهد وجرح خلالهما عدد من عناصر هذه الجماعات، وردا على هذه الهجمات أعلن قادة الحشد الشعبي أنهم سينتقمون لشهدائهم وأعلنوا عزمهم على زيادة نطاق هجماتهم ضد الغزاة الأمريكيين.
وكان مصدران مقربان من كتائب حزب الله العراقي أعلنا في حديث لـ” العربي الجديد” قبل أيام، أن قرار تكثيف الهجمات على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا قد اتخذ بالفعل، وأعلنت المصادر المذكورة: أن "تكثيف الهجمات سيشمل الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة رداً على الهجمات الأمريكية وجرائم الاحتلال الإسرائيلي".
ويأتي تأكيد المقاومة العراقية على استمرار الهجمات، حيث إن المقاومة العراقية تحركت منذ الأسابيع الأولى لعملية طوفان الأقصى لمساندة فلسطين واستهدفت القواعد الأمريكية في العراق وسوريا بالصواريخ والقذائف الصاروخية وطائرات دون طيار، ليصل عدد هذه الهجمات إلى أكثر من 100 عملية تم إنجازها.
هجمات المقاومة العراقية ضد مواقع القوات الأمريكية في منطقة الصراع محدودة والهدف الأساسي من هذه الهجمات هو الضغط على الجانب الأمريكي لتغيير موقفه من حرب غزة، إلا أن قادة المقاومة قالوا إنه وإذا استمرت أمريكا و"إسرائيل" في إثارة الحرب فإن نطاق الحرب سيمتد إلى المنطقة، وإنهم جاهزون لأي سيناريو.
التحركات الدبلوماسية الأمريكية جاءت بنتيجة عكسية
وفي الأشهر الثلاثة الماضية، قامت الحكومة الأمريكية بالعديد من التحركات الدبلوماسية وحاولت الضغط على فصائل المقاومة بتقليل هجماتهم من خلال الضغط على الحكومة العراقية، لكن هذه المبادرات السياسية جاءت بنتائج عكسية، كما قالت مصادر مقربة من المقاومة لـ”العربي الجديد” وبعد الضربات الجوية الأمريكية، توقفت المفاوضات بين الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني وفصائل المقاومة بشأن وقف الهجمات على القواعد الأمريكية.
حذرت الجماعات العراقية من أنه طالما استمرت هجمات الكيان الصهيوني على غزة، فإنها ستواصل هجماتها ضد المحتلين الأمريكيين.
لقد بذل السوداني الكثير من الجهود لتقليل مستوى التوتر بين فصائل المقاومة والولايات المتحدة، ولكن في مثل هذا الوضع الذي يقتل فيه الصهاينة أهل غزة وتدعم الولايات المتحدة علناً العدو الصهيوني، فإن الرأي العام العراقي أيضاً يحاول جعل بغداد تقف إلى جانب فصائل المقاومة.
ويطالب الرأي العام وفصائل المقاومة بانسحاب المحتلين من بلادهم ويطالبون الحكومة بتنفيذ خطة انسحاب القوات الأمريكية في أسرع وقت ممكن، ولهذا الغرض أكد السوداني، الخميس، خلال لقائه رئيس الوزراء الإسباني، أن الحكومة العراقية تسير في اتجاه إنهاء وجود التحالف الدولي في العراق، وقال إن وجود التحالف الدولي يجب أن يكون في العراق في إطار الدعم والتشاور.
وسعى السوداني في العام الماضي إلى تحسين علاقات حكومته مع الولايات المتحدة، لكنه في المقابل عمل من خلال الإطار التنسيقي للشيعة الذين يعتبرون العدو من الدرجة الأولى للولايات المتحدة، وهذه القضية وضعت السوداني على مفترق طرق صعب، وحسب بعض الخبراء فإن "السوداني الآن عالق في وضع إذا اختار تطوير العلاقات مع الولايات المتحدة فإنه سيواجه انتقادات جماعات المقاومة، وإذا تغاضى عن جماعات المقاومة فقد يواجه عقوبات مالية جديدة من الحكومة الأمريكية وسيواجه ضغوطا على حكومة بغداد".
في المقابل، يحاول الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي سيشارك في الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، الحفاظ على المعقل الأمريكي في العراق بأي وسيلة، لكن قادة المقاومة مصممون على إخراج الأمريكيين من بلادهم إلى الأبد، بايدن الذي غادر أفغانستان مخزيا، لا يريد تكرار هذا السيناريو لإدارته في العراق، وإذا تكرر فلا شك أنه لن تكون لديه فرصة للفوز بالانتخابات مرة أخرى، والآن أدت الهجمات المستمرة للجماعات العراقية على القواعد الأمريكية إلى إرباك مسؤولي البيت الأبيض، الذين ليس لديهم عملياً خطة للتعامل مع هذه الهجمات.
إن عادة استهداف القواعد العسكرية الأمريكية تزيل «محرمات» استهداف قوة عظمى وهمية، بحيث تصبح عملية الصراع والمواجهة مع هذه الهيمنة المتراجعة أمراً طبيعياً وليس مجرد احتمال، ولا يقتصر توزع هذه الهجمات على القواعد العسكرية في المنطقة، بل يتسع جغرافيا ليشمل صورة الوجود الأمريكي في كل جزء من العالم، ومن خلال القيام بذلك، ساعد العراقيون في تدمير صورة القوة العالمية للقواعد والقوات الأمريكية، وتأكيدا لهذا الادعاء يمكن الإشارة إلى التحذيرات المتكررة لسلطات كوريا الشمالية التي تهدد أمريكا كل يوم بهجوم نووي مدمر ولا تتردد في قول ذلك.
تطور الهجمات على الأراضي المحتلة
وحتى الآن تركزت هجمات الجماعات العراقية على مواقع القوات الأمريكية في العراق وسوريا، إلا أن الأراضي المحتلة لم تسلم هذه الأيام من هجمات هذه الجماعات.
وفي هذا الصدد، قالت المقاومة الإسلامية العراقية في رسالة لها اليوم الأحد: "لقد استهدفنا ميناء إيلات في الأراضي المحتلة بطائرة مسيرة دعماً لأشقائنا الفلسطينيين"، وكانت المقاومة العراقية استهدفت الأسبوع الماضي مدينة أم الرشارش في إيلات.
وتظهر الهجمات العراقية على ميناء إيلات انضمام فصائل المقاومة إلى الجبهة اليمنية التي تمكنت من توجيه ضربة اقتصادية ثقيلة للعدو المحتل بهجماتها المتكررة على السفن الصهيونية خلال الشهرين الماضيين.
واعترف مدير ميناء إيلات مؤخرا بأن الهجمات اليمنية في البحر الأحمر تسببت في قطع السفن مسافة طويلة للوصول إلى الأراضي المحتلة، وهذا الأمر ألقى بتكاليف كبيرة على أكتاف الشركات التجارية، و أفادت قناة "القاهرة الإخبارية" المصرية، السبت، بعدم وجود سفن في ميناء إيلات من خلال نشر صور الأقمار الصناعية، كما هاجر عشرات الآلاف من سكان هذه المنطقة، حسب مسؤولين إسرائيليين، إلى مناطق أخرى خوفا من هجمات الجماعات اليمنية والعراقية.
ولذلك، إذا كثفت الجماعات العراقية وأنصار الله اليمنية هجماتها على ميناء إيلات، فإن الكيان الصهيوني سيتكبد الكثير من الخسائر، ولأن هذا الميناء الواقع جنوب الأراضي المحتلة يعتبر من الموانئ المهمة لهذا الكيان، فإن ما يقرب من نصف التجارة البحرية للصهاينة تتم من هذا الميناء، وإذا استمرت الحرب في غزة لفترة طويلة، فإن تكاليف أبيب ستكون أوسع بكثير.
بهجمات متواصلة على المواقع الأمريكية، استهدف العراقيون رأس الأفعى التي زعزعت استقرار المنطقة بتواجدها في غرب آسيا ودعمها لجرائم الكيان الصهيوني، وهذه الهجمات هي رسالة لواشنطن لتفهم أن الدعم الأعمى ل"إسرائيل" لن يكون دون رد.