الوقت- جيش بلا عقيدة يمكنه أن يكون الوصف المناسب لجنود الاحتلال والسبب الرئيسي لانتشار الأمراض النفسية والاكتئاب في صفوفهم وخصوصاً في أوقات الحروب والأزمات، إن الجندي الإسرائيلي بل حتى المستوطن في كيان الاحتلال الإسرائيلي يعاني من صدمة نفسية بشكل خاص بعد طوفان الأقصى بعد أن كان مليئاً بالفخر والنرجسية ويعتقد أنه من شعب الله المختار، والجيش الذي لا يهزم، وأذكى جهاز مخابرات في العالم، وعلى الرغم من ذلك.. يفاجأ بقصف وغزو جبار وعنيف من الشعب الذي يعتقد أنه ضعيف وقليل الحيلة ولا حول له ولا قوة، الأمر الذي يبرر ارتفاع تعاطي الأدوية المهدئة في كيان الاحتلال بنسبة 90% فيما وصل بعض المستوطنين إلى حد الإدمان.
ارتفاع الطلب على الاستشارة النفسية
كشف يوفال بوغانو مراسل الشؤون الاجتماعية في صحيفة معاريف في تقرير له تناول هذا الشأن: أفادت هيئة الصحة العامة في "إسرائيل" عن زيادة حادة في الطلب على الاستشارة من الإسرائيليين بسبب الإدمان على المهدئات.
وفي هذا السياق أعلنت مؤسسة "كلاليت" (Clalit health services) ، وهي أكبر مؤسسة خدمات صحية في دولة الاحتلال وتختص بمعالجة أكثر من نصف الإسرائيليين،أن كمية وصفات المهدئات والأدوية المتعلقة بالأمراض النفسية وعلاج التوتر الناجم عن الهلع ارتفعت خلال تشرين الأول/أكتوبر الماضي بنسبة 11% مقارنة بالشهر السابق، وحسب صحيفة يديعوت أحرنوت فإن الهجمات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية أدت إلى مضاعفة المشاكل العقلية والنفسية لدى المستوطنين بنسبة ثلاث مرات بحيث أصبح العديد منهم لا يتمكن من العودة إلى حياته اليومية الروتينية ويعاني كثيرون آخرون من أمراض نفسية مزمنة.
فيما قالت نقابة الصيادلة الإسرائيلية إن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في عدد المرضى الذين يطلبون الوصفات الطبية لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر، ويقومون بالتخزين بسبب الخوف من النقص، ومن المتوقع أن يؤثر ارتفاع منسوب الاضطرابات النفسية والعقلية لدى المستوطنين في تعمق تدهور النشاط الاقتصادي والإنتاجي وكيان الاحتلال، حيث تقدر منظمة الصحة العالمية أن الاكتئاب و التوتر يكلفان الاقتصاد العالمي نحو تريليون دولار كنقص في الإنتاجية.
لماذا الهلع؟
فيما نجح هجوم المقاومة الفلسطينية في كشف الغطاء عن وهم التفوق الإسرائيلي على الشرق العربي، وأزال ما كانت تتشدق به من تصديرها مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان واتفاقات السلام لذلك يمكن اعتبار أن أحد أهم الافتراضات التي ربما تُلقي الضوء على ما يتعرض له الداخل الإسرائيلي من صدمة نفسية هي نظرية "عقدة التفوق" (Superiority complex)، التي صاغها عالم النفس النمساوي "ألفرد أدلر" في كتابه "فهم الطبيعة البشرية" (Understanding human nature). ويشير "أدلر" إلى عقدة التفوق باعتبارها سلوكا يعتقد خلاله الشخص تفوقه على الآخرين، وغالبا ما يكون لدى الأشخاص الذين يعانون من تلك العقدة مواقف متفاخرة واستعلائية تجاه محيطهم.
ويوضح "أدلر" أن تلك العقدة في الحقيقة تُعد آلية دفاع ضد مشاعر النقص والشعور بتدني الذات، إذ يرى ارتباطا وثيقا بين عقدة التفوق وعقدة النقص، وأن الشخص الذي يتصرف بشكل يوحي بالتفوق على الآخرين ويعتبرهم أقل جدارة يحاول بالأساس التكتم على شعوره بالنقص.
فرضية "أدلر" تنطبق بشكل كبير على الجماعات -ومنها الكيان الصهيوني- كما تنطبق على الأفراد، إذ تنبع عقدة التفوق لدى الإسرائيليين من شعارات ومفردات لاهوتية مثل "شعب الله المختار" و"أرض الميعاد" وتتسق مع ادعاءات دولة الاحتلال الحالية المتعلقة بتفوقها في المجالات كافة على دول الجوار، وتقديم ذاتها باعتبارها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فيما يقبع في الذاكرة اليهودية تاريخ طويل من الشعور بالاضطهاد وأحاديث الشتات، وهي الأمور التي تروجها الآلة الإعلامية الصهيونية في سبيل اكتساب التعاطف والدعم الغربي، إلا أنها كذلك كفيلة بتوليد أحاسيس الدونية والنقص في لا وعي الأفراد.
محتل بلا عقيدة
رغم التسليح الرهيب لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي والذي تُصبُ له المليارات، إلا إن المشكلةَ لا تكمُن في عدد الدبابات، بل فيمن يقود الدبابة، إذ يصعبُ إجباره على "اعتناق عقيدة الاستشهاد" من أجل الأرض، وبذلك ينتصرُ الطفل الفلسطيني الذي يتصدَّى بحجره للآلة العسكرية لكيان الاحتلال الإسرائيلي.
وقد جاءت عملية طوفان الأقصى، لتظهر حالة الهلع التي أصابت الجندي الإسرائيلي، والصدمة التي تعرض لها عدد من الجنود الذين تم أسرهم من قبل المقاومة الفلسطينية، لكن هذا الأمر ليس جديدًا، فمعظم الجنود الإسرائيليين متوجهين نحو اللذة، لا يؤمنون بأي مثاليات قومية، وفي حالة خوف شديدة من المنتفضين، فالانتفاضيون يدفعهم الإيمان بالله وبالوطن، أما الجندي الإسرائيلي فهو لا يؤمن إلا بالرغبة في البقاء.
جيش الاحتلال يرفض الاعتراف بأزمات جنوده النفسية
وعلى الرغم من تقارير جيش الاحتلال الإسرائيلي عن انخفاض حالات الاضطراب النفسي لدي جنوده، لكن الدراسات النفسية لجنود الاحتلال تؤكد عكس ما تدعيه تقارير جيش الاحتلال، والتي تقوم على تصريحات لبعض الجنود لدي جيش الاحتلال، الذين أكدوا أن هناك العديد من حالات الانتحار والاكتئاب الشّديد بين الجنود الإسرائيليين الذين انتهوا من أداء خدمتهم العسكريّة؛ بعضهُم لم يتمّ الاعتراف بهم أصلًا كمرضى نتيجة لخدمتهم العسكريّة، وبعضهُم الآخر تمّ تشخصيهم بأنّهم كانوا يعانون من متلازمة الكرب قبل بدء خدمتهم العسكريّة مثل الجنديّ الذي أحرق نفسه، ففي شهر أغسطس الماضي قام جندي من جيش الاحتلال الإسرائيلي بحرق نفسه، وكان مصابًا بحالة نفسية منذ أن شارك في الحرب على غزة عام 2014، و كان جندي الاحتياط الإسرائيلي المدعو إسحق صعيديان يبلغ 26 عامًا، قد أشعل النّار في نفسه أمام قسم التأهيل التابع لوزارة جيش الاحتلال الإسرائيلي، إثر تعرضه لصدمة نفسية قوية، أثناء مشاركته في الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزة بعد عمليّة للمقاومة الفلسطينيّة في حي الشجاعية.
فيما ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية في تقرير لها أن أحد التفسيرات المعقولة لمنطق مقاومة الاعتراف من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي بحالات اضطّراب الكرب التي يعاني منها جنوده يعود إلى الخوف من الاعتراف بوجود خطأ بنيويّ في العقيدة الأمنيّة والعسكريّة لدي جيش الاحتلال، الذي يعاني جنوده من متلازمة الكرب وأشكال أخرى من الأمراض النفسيّة.
الهمجية في القصف انعكاس لسلوكياتهم المريضة
فيما يشير أطباء نفسيون ومحللون إلى أن الهمجية في قصف غزة والانتقام من الأطفال والنساء هي انعكاس لسلوكية جنود الاحتلال المريضة، فالجنود الإسرائيليون ممتلئون بالهموم والغضب، وينعكس ذلك على سلوكياتهم الآن، فهو يقصف بعنف ودون وعي كي يعالج صدمته الكبرى التي مر بها وبعد فترة سيعاني الجندي الإسرائيلي من الاكتئاب بسبب الفقد لقتلاه ويعاني من ذكرى هذا اليوم المظلم، و يبرز ذلك من خلال مشاهدات حية خير مثال عليها حالة الجندي الجندي الإسرائيلي "جدعون هيرتز" الذي يعيش ميتًا منذ 49 سنة بسبب إعاقة حدثت له خلال حرب أكتوبر 73 بعد صدمات نفسية كبيرة، وظل طوال الـ49 عامًا مصابًا بسكتات دماغية عديدة ولا يتحدث، ويعاني من نوبات صرع وخرف وحالة هيسترية ليلًا من شدة الخوف ومع مرور السنين أصبح أكثر عزلة ولا يغادر المستوطنة التي يمكث بها"، حيث تحدث "جدعون هيرتز" عن الهلع الذي رآه بحرب أكتوبر وأصدقائه الذين فقدهم كلهم وشرح كيف تسبب الجيش المصري في حالة فزع أصابت جنود الجيش الإسرائيلي خلال الحرب".
ختام القول
الصهاينة ما هم سوى كتلة بشرية تم نقلها من أوروبا ثم غرست غرسا في فلسطين، في وسط العالم العربي فقسمته إلى قسمين، ثم طردت الفلسطينيين من أرضهم وأرض أجدادهم، وكان اليهود الأوائل يتصورون أن الفلسطينيين سيختفون من على وجه الأرض، مثلما اختفى السكان الأصليون في أمريكا، ولكن الفلسطينيين لم يختفوا بل تجمعوا ونظموا أنفسهم في حركة مقاومة آخذة في التصاعد يوجهها الإيمان والتمسك بالعقيدة والمعتقدات الدينية والتي يفتقر إليها جيش الاحتلال الغاصب.
