الوقت- بعد ثلاثة عقود من التوتر بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا بشأن إقليم ناغورنو كاراباخ، يبدو أن هناك بوادر واعدة لاستقرار المنطقة، وفي أول بيان ثنائي بعد استيلاء أذربيجان على إقليم ناغورنو كاراباخ في سبتمبر، دون أي وسيط أجنبي، توصل الطرفان إلى اتفاق دبلوماسي إنساني ورمزي مهم للغاية.
اتفقت أرمينيا وجمهورية أذربيجان على اتخاذ "تدابير ملموسة" لتعزيز الثقة والسلام بين البلدين بعد ثلاثة عقود من الصراع حول السيطرة على منطقة ناغورنو كاراباخ، وحسب بيان مشترك صدر يوم الخميس (7 ديسمبر/كانون الأول) بعد المحادثات بين حكومتي البلدين، أكدت يريفان وباكو عزمهما تطبيع العلاقات بينهما، كما اتفقت أرمينيا وجمهورية أذربيجان على أن تفرج باكو عن 32 سجينًا أرمينيًا وأن تفرج يريفان عن سجينين أذربيجانيين، وأكدت هذه الدول في بيانها أنها ستحاول التوقيع على معاهدة سلام شاملة، تقوم على الاحترام المتبادل لسلامة أراضي كل منها.
وتم التوصل إلى هذا الاتفاق فيما عقد مسؤولو البلدين عدة اجتماعات في روسيا وأمريكا وفي بروكسل خلال الأشهر الأخيرة، لكن لم يتم التوصل إلى نتائج ملموسة، لكن في النهاية توصلت الجارتان إلى اتفاقات أولية دون مشاركة أجنبية، وهذا الاتفاق، الذي يعد مقدمة لتوقيع السلام بين البلدين، لاقى ترحيبا من المجتمع الدولي.
وقالت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، إنهم يرحبون بالاتفاق بين باكو ويريفان بشأن إطلاق سراح الجنود، وهو ينشئ اتفاقيات ثلاثية وقعها قادة روسيا وأذربيجان وأرمينيا في 2020-2022.
كما أكدت وزارة الخارجية التركية أن "أنقرة تدعم فكرة مواصلة المحادثات لتنفيذ إجراءات بناء الثقة بين الطرفين، نرغب في التوقيع على اتفاق السلام بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان في أقرب وقت ممكن، والذي سيكون أحد أهم أحداث السلام في جنوب القوقاز"، كما رحب تشارلز ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، بالاتفاق الجديد بين أرمينيا وأذربيجان ووصفه بأنه "خطوة كبيرة".
الأمل في التوقيع على اتفاق السلام
ورغم أن محادثات السلام بين يريفان وباكو لم تحرز تقدما كبيرا في الأشهر الماضية، إلا أن زعيمي أرمينيا وجمهورية أذربيجان أعربا عن أملهما في توقيع اتفاق سلام شامل بين البلدين بحلول نهاية العام، وفي هذا الصدد، أكد إلهام علييف مرة أخرى في حديث مع "يورونيوز" السبت، أن باكو اقترحت التوقيع على اتفاق سلام وبدء عملية تحديد الحدود، وحسب علييف، بعد استعادة قوات جمهورية أذربيجان السيطرة الكاملة على منطقة ناغورنو كاراباخ، أصبحت أرمينيا أكثر استعداداً للتوصل إلى اتفاق مع جارتها الشرقية، لأنه، وفقاً له، فإن إزالة الانفصاليين في ناغورنو كاراباخ لا يعني منع أرمينيا من أن تكون أكثر شجاعة في المفاوضات الأخرى، كما أكد علييف أن الأرمن الذين يعيشون في كاراباخ يمكنهم العودة إلى هذه المنطقة ولا توجد مشكلة في هذا الصدد.
من ناحية أخرى، أعلن أرمين غريغوريان، أمين مجلس الأمن الأرميني، أيضاً أن يريفان مستعدة لتوقيع اتفاق سلام مع أذربيجان قبل نهاية العام الجاري أو بعده مباشرة، كما وصف البيان المشترك ليريفان وباكو بأنه غير مسبوق، وقال: "هذا الإجراء هو نتاج المفاوضات المباشرة بين البلدين ولم يكن هناك وسيط في هذه المفاوضات".
ورغم إعلان يريفان استعدادها للتوقيع على اتفاق السلام، إلا أن تنفيذه يخضع لشروط يجب أن يوافق عليها الجانب الأذري، وفي هذا الصدد أشار غريغوريان: "إذا قبلت جمهورية أذربيجان أخيراً بالمبادئ الثلاثة التي تتطلع إليها أرمينيا وتصر عليها، فإن نص هذا الاتفاق جاهز بنسبة 70%. وتشمل هذه المبادئ الاعتراف المشترك بالسلامة الإقليمية، والاعتراف بإعلان ألماتي لعام 1991 بشأن المبدأ السياسي لترسيم الحدود وفتح الاتصالات الإقليمية.
وما لا شك فيه أن البيان المشترك وتدابير بناء الثقة المتفق عليها بين باكو ويريفان لها أهمية تاريخية وتهدف إلى إعداد أسس حقيقية للسلام، وتوصلت سلطات البلدين إلى نتيجة مفادها بأن استمرار التوتر في كاراباخ ليس له أي نتيجة أخرى بالنسبة لهم سوى التكلفة والخسائر، وبالتالي فإنهم يفضلون التعايش السلمي.
تخفيف التوترات بعد استعادة آرتساخ
وصلت التوترات في القوقاز إلى أعلى مستوياتها منذ العملية الخاطفة التي نفذتها أذربيجان لاستعادة منطقة ناغورنو كاراباخ في سبتمبر/أيلول، وبعد هذا الهجوم، تمكنت جمهورية أذربيجان من تثبيت سيادتها في هذه المنطقة ورفع علمها في مدينة خانكندي (ستيباناكيرت) مركز كاراباخ، وعلى الرغم من هذا العمل العسكري الذي قامت به باكو، نزح عشرات الآلاف من الأرمن وهاجروا إلى أرمينيا بعد ثلاثة عقود من السكن فيها، إلا أن حمى توتر التوسع الإقليمي لدى أذربيجان تراجعت مع جارتها الغربية.
ورغم حدوث مناوشات متفرقة ومحدودة بين القوات الحدودية للجانبين في الأشهر الثلاثة الماضية ووقوع خسائر في صفوف البلدين، إلا أن التوترات هدأت مقارنة بالفترة التي سبقت استعادة ناغورنو كاراباخ، عدا عن ذلك، فإن علييف، الذي كان يصر على بناء ممر "زانغزور" المثير للجدل لربط الأراضي الرئيسية لأذربيجان بمنطقة "ناخجوان" المتمتعة بالحكم الذاتي، بعد سيطرته على آرتساخ، تراجع عن هذا النهج إلى حد كبير وهو الآن يركز على الممر البديل، وهو المسار عبر الاراضي الإيرانية، وبناء على الاتفاقيات المبرمة بين طهران وباكو، فقد تم تحقيق الكثير من التقدم في هذا المجال.
قال حكمت حاجيف، مساعد رئيس جمهورية أذربيجان للشؤون السياسية، عن هذا الشهر الماضي: "لقد بدأ العمل في هذا المجال وينفذه الوزراء المعنيون، ويتم بناء الجسور على نهر آراس في زنجيلان وأغبند للوصول إلى الأراضي الإيرانية، ومن هناك سيتم بناء طرق الاتصال وخطوط السكك الحديدية إلى ناختشيفان.
من ناحية أخرى، فإن أحد الأسباب التي دفعت أذربيجان إلى وقف الحرب مع أرمينيا يرجع إلى مواقف الداعمين الإقليميين للبلاد، فتركيا، باعتبارها الداعم الرئيسي لباكو، تخلت في الأشهر الأخيرة عن سياسة التوتر وتسعى إلى تطبيع العلاقات مع أرمينيا، ولتحقيق هذا الهدف، فإنها حتماً قصرت عن سياساتها السابقة. كما أعلنت تركيا دعمها للممر الذي يمر عبر إيران، وهذا إجراء بناء وإيجابي لخفض التوترات في القوقاز.
إن النظام الصهيوني، الذي سعى في السنوات الأخيرة إلى بدء حرب في القوقاز من خلال دعم جمهورية أذربيجان، منخرط هذه الأيام في حرب غزة والأزمات الداخلية وليس لديه القدرة على التعامل مع القضايا الإقليمية، أضف إلى ذلك أن دول المنطقة لم تمنح فرصة للصهاينة في القوقاز، ولم تساعد هذا النظام لاستغلال التوترات في هذه المنطقة.
ولذلك، وفي ظل غياب الدعم الأجنبي، اقتنعت باكو بهدفها الرئيسي وهو استعادة قره باغ ولم تشهد استمرار التوتر وحاولت أن تسلك طريق الصداقة والتفاعل مع الجار الغربي وإذا لم يحدث شيء خاص حسب قولهاو فإن الإعلان عن استعداد الجانبين للتوصل إلى السلام الشامل ليس بعيد المنال، وإذا تحقق، بعد ثلاثة عقود من التوتر، فستشهد قره باغ لون السلام والاستقرار النسبي.