الوقت- تكاليف حرب باهظة و إدارة اقتصادية خاطئة تهدد مصير حكومة نتنياهو و تضع اليمين الاسرائيلي على شفا حفرة من الانقلاب و الانسحاب من حكومة الحرب المصغرة التي أنشأها نتنياهو مع بدء طوفان الأقصى في غزة.
جاءت الخلافات بشأن الميزانية و تعديلها لتسلط الضوء على التوتر القائم بحكومة نتنياهو والتي تعصف بالمؤسستين العسكرية و السياسية و التي يمكن اعتبارها نقطة في بحر من الخلافات لم يشهدها الكيان منذ قيامه عام 1948، ظهر منها إلى العلن مطالبة الوزير الإسرائيلي، بيني غانتس، الأحد، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإلغاء جميع المخصصات المالية السياسية من الميزانية المقترحة لزمن الحرب، ما يوسع خلافا قد يكون خطيرا مع الأحزاب القومية الدينية في الحكومة، فيما دعا البنك المركزي الإسرائيلي ومئات من الاقتصاديين الحكومة إلى إلغاء المخصصات المالية غير الضرورية لتمويل الحرب.
هل ينهار الاقتصاد الإسرائيلي بسبب وعود نتنياهو للأحزاب القومية الدينية
تعيش الحكومة الإسرائيلية المصغرة تجاذبات كبيرة بسبب ملف تمويل المستوطنات والأنشطة الدينية المتزمتة في خضم التداعيات المالية والاقتصادية للحرب الدائرة في قطاع غزة والتي تستنزف موارد الدولة العبرية، حيث وعد نتنياهو عشية الانتخابات القادة الأرثوذكس بمدينة جديدة منفصلة للحريديم، ووافق على زيادة تمويل طلاب الحريديم اللاهوتيين، وتسهيل حصولهم على الوظائف الحكومية دون شهادات جامعية، وتخصيص كثير من المنح لمدارسهم، حيث يبلغ التمويل المزمع للحريديم 20 مليار شيكل (5.7 مليارات دولار) في السنة.
وتحمل كيان الاحتلال تكلفة اقتصادية باهظة جراء تشكيل الائتلاف الذي يضم الحريديم وتحالف الصهيونية الدينية والكاهانية؛ فقد توعدت الأحزاب الحريدية بأن تضمن أي اتفاق ائتلافي مع الليكود التزاما بزيادة المخصصات المالية لمؤسساتها الدينية والتعليمية والاجتماعية، فضلا عن توسيع مخصصات الضمان الاجتماعي للعائلات الحريدية.
في الوقت ذاته، فإن قادة الأحزاب الحريدية تمكنوا عشية الانتخابات من الحصول على تعهد من نتنياهو بإسقاط كل القوانين التي تربط بين المزايا الاقتصادية التي يحصل عليها التيار الحريدي وبين الخدمة العسكرية؛ حيث إن الأغلبية الساحقة من أتباع التيار الحريدي لا يؤدون هذه الخدمة، ليس هذا فحسب، بل إن نتنياهو التزم أمام الحريديم بإلغاء قرار حكومة تصريف الأعمال الحالية الذي اشترط زيادة المخصصات المالية للمدارس التابعة للتيار الحريدي بتدريسها المواد الأساسية، وهي: الإنجليزية، والرياضيات، والعلوم، حيث اتخذ هذا القرار من أجل تمكين الشباب الحريدي من الاندماج في سوق العمل، مع العلم أن المرجعيات الحريدية ترفض بشدة تدريس هذه المواد في المدارس التابعة لهذا التيار.
في المقابل سوف يدفع ممثلو الكاهانية والصهيونية الدينية إلى طفرة هائلة في المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس والجولان، وذلك يعني توجيه مخصصات مالية كبيرة لتحقيق هذا الهدف، الأمر الذي كلف حكومة نتنياهو خلال الفترة الماضية فاتورة اقتصادية كبيرة لتشديد الجهود الأمنية و العمليات العسكرية لمواجهة ردة فعل الشعب الفلسطيني على سياسات حكومة الاحتلال الأمر الذي أجبر حكومة الاحتلال على تجاوز إطار الميزانية التي أقرتها ومن بعد ذلك جاء طوفان الأقصى ليفاقم المشكلة الاقتصادية في كيان العدو و يصعد الأزمة في أروقة حكومته.
ربما يكون لقضية الميزانية هذه عواقب فعلية قد تنهي الترتيبات الهشة التي فرضها هجوم حماس وجمعت بين غانتس المنتمي لتيار الوسط وشركاء نتنياهو من اليمين المتطرف، ومنهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
صراع بين غانتس و نتنياهو على الميزانية
أشار غانتس، في رسالة شديدة اللهجة إلى نتنياهو نشرها مكتبه، إلى اجتماع للحكومة الأوسع من المقرر عقده الاثنين لبحث التعديلات المقترحة في الميزانية، إنه في حال عقد اجتماع للحكومة مع بقاء الميزانية على وضعها الحالي، فإن حزبه "سيصوت ضد الميزانية المقترحة وسيدرس خطواته التالية".
في إشارة واضحة إلى امكانية السعي لتفكيك حكومة الحرب التي جرى تشكيلها في أعقاب الهجوم المُباغت الذي نفذته حماس ، وكانت تهدف إلى توحيد كل الأطياف السياسية في تل أبيب خلف هدف واحد يتمثل في استعادة السيطرة الأمنية و"دحر أنصار حماس".
فيما رد مكتب نتنياهو بأنه سيطرح الميزانية للتصويت الإثنين، وقلل من شأن انتقادات غانتس، وأضاف "إن هذا الجدل السياسي يتعلق بنحو واحد بالمئة من إجمالي الميزانية".
فيما أكد غانتس في رسالته إلى نتنياهو، إن وزراء حزبه الخمسة سيصوتون ضد تغييرات الميزانية، قائلًا: "سنعارض صرف أموال التحالف أو أي ميزانية إضافية غير مرتبطة بالمجهود الحربي أو تعزيز النمو الاقتصادي"، كل ذلك يشير إلى أن ما بين نتنياهو وغانتس ليس خلافًا طفيفًا لكنه خلاف حاد وتصعيد خطير.
اقتصاد مشلول
تكاثرت في الأيام الأخيرة، التقارير الاقتصادية الإسرائيلية، وخاصة المتخصصة منها، وأخرى رسمية، والتي تشير إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي يغوص منذ الآن، في أزمة اقتصادية كتلك التي شهدها في مطلع سنوات الألفين، في فترة العدوان على الضفة والقطاع الذي جوبه بالانتفاضة الثانية، وحسب أبرز التقارير فإن 19% من القوة العاملة، توقف عملها لأسباب متعددة، منها تجنيد الاحتياط (حوالي 8%)، في حين أن قطاعات اقتصادية باتت مشلولة وأخرى على وشك الشلل، و في المقابل، وهذا ما يقلق "إسرائيل"، فإن معاهد التقديرات الاقتصادية العالمية باتت تطرح مستقبلا سوداويا للاقتصاد الإسرائيلي.
وحسب تقديرات لوزارة المالية وبنك "إسرائيل" يتوقع أن تبلغ قيمة خسائر الاقتصاد الإسرائيلي أكثر من 18 مليار دولار، فيما يتوقع أن يتخطى عجز الموازنة العامة 20 مليار دولار عام 2024، حيث تتكبد حكومة الاحتلال خسائر يومية بنحو 246 مليون دولار ما أجبر مؤسسات التصنيف الائتماني لاقتصاد "إسرائيل" تحت عدسة التقييم، فيما تحدثت مصادر عن توجهات لتسريح الاف من جنود الاحتياط للتخفيف من الخسائر المالية.
و من خلال تتبع الوضع داخل فلسطين المحتلة يمكن ملاحظة أن الاقتصاد يدخل في حرب وجود.. سوق العمل معطلة، وقطاعات الأعمال في حالة من عدم اليقين"، وحسب بيانات رسمية ، ارتفع معدل البطالة في "إسرائيل" إلى نحو 10 بالمئة في أكتوبر، إذ كان 428400 شخص عاطل عن العمل مقابل 163600 في سبتمبر، أي قبل هجوم 7 أكتوبر من قبل حركة حماس الفلسطينية، كما انخفض معدل التوظيف في أكتوبر إلى 56.5 بالمئة من 61.1 بالمئة.
وقالت "ذا ماركر" الاقتصادية إن عدم اليقين بشأن استمرار الحرب وخطر اندلاع حرب شاملة في الشمال (مع لبنان) يؤثر على النشاط الاقتصادي ويسبب أضرارا متعددة الأبعاد للاقتصاد، ومن جانبه قال بنك "جيه بي مورغان تشيس"، إن الاقتصاد الإسرائيلي قد ينكمش بنسبة 11 بالمئة على أساس سنوي، في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري، نتيجة الحرب على قطاع غزة.