الوقت- مؤخرا، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه شن هجومًا جويًا استهدف خليتين تابعتين لحزب الله اللبناني، ووفقًا للبيان العسكري الإسرائيلي، تم اكتشاف أن هاتين الخليتين كانتا تخططان لإطلاق صواريخ مضادة للدبابات وقذائف باتجاه الأراضي الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي.
من ناحية أخرى، أعلن حزب الله عن شن هجوم بواسطة صواريخ على مواقع إسرائيلية، وقام ببث صور تظهر استهداف كاميرات المراقبة في مواقع عسكرية إسرائيلية قرب الحدود، وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أن حزب الله سيواجه عواقب وخيمة إذا قرر الدخول في حرب، لكن الحقيقة غير ذلك فمن غير المتوقع أبداً أن تشعل قوات الاحتلال جبهاتها وهي تعاني من ضغوط في أشدها في الوقت الحالي، ناهيك عن قلقها من أي تطورات ربما تؤدي إليها المعركة مع الحزب.
توترات متصاعدة وتهديدات إسرائيليّة
فيما يتعلق بالعملية العسكرية، أعلن الجيش الإسرائيلي أن خلية لحزب الله كانت تتمركز بالقرب من بلدة ماتات الإسرائيلية، على بعد نحو 13 كيلومترًا جنوب غرب عيترون، وأشار الجيش إلى وجود خلية أخرى في منطقة مزارع شبعا شمالًا، تم قصف الخليتين من قبل الجيش الإسرائيلي قبل أن تتمكنا من إطلاق النار، وقبل هذا، أعلن بيان صادر عن الجيش الإسرائيلي أن طائراته شنت هجومًا على هيكل تحتي يُعتقد أنه ينتمي لحزب الله، بعد رصد محاولة لإطلاق صواريخ مضادة للدبابات بالقرب من منطقة المالكية.
وأفادت الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان بأن الطيران الحربي الإسرائيلي شن غارة على المناطق الجنوبية لبلدة عيترون، وقد سُمع صدى هذه الغارة في أرجاء الجنوب، ولم تتوافر معلومات إضافية حول الهجوم في تلك اللحظة، وبالمقابل، أعلن حزب الله أن مقاتليه قاموا بقصف خمسة مواقع للجيش الإسرائيلي باستخدام الأسلحة الصاروخية والقذائف المدفعية، هذا القصف استهدف المناطق الواقعة قبالة الحدود الجنوبية للبنان في القطاعين الشرقي والأوسط.
وأصدر حزب الله سلسلة من البيانات المتتالية، أعلن فيها أن مقاتليه نفذوا هجمات ناجحة أسفرت عن إصابات مباشرة ومؤكدة في مواقع داخل "إسرائيل"، بما في ذلك رويسات العلم، والعبّاد، ومسكاف عام، وبيّاض بليدا، والمالكية، واستجابت المدفعية الإسرائيلية بشن قصف استهدف بلدات ميس الجبل، وعيترون، وبليدا، كما شن الطيران الحربي غارة في المحيط المحيط ببلدتي عيترون وبليدا.
إضافة إلى ذلك، نعى حزب الله خمسة من مقاتليه الذين استشهدوا خلال المواجهات مع القوات الإسرائيلية، ونشرت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، بيانًا نعت فيه مقاتلاً آخر سقط في جنوب لبنان أثناء أداء واجبه نصرةً لغزة. وفي الوقت نفسه، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه ليس واثقًا حاليًا من قرار مشاركة حزب الله في الحرب أو عدمه، وخلال تفقده للقوات الإسرائيلية قرب الحدود مع لبنان، أطلق نتنياهو تحذيرًا قويًا لحزب الله، مهددًا بتوجيه ضربة قاسية وبالدمار للحزب ولدولة لبنان إذا قرر الحزب دخول الحرب، وأضاف: "سيتذكرون حرب لبنان الثانية في عام 2006".
وفي وقت سابق يوم الأحد، حذر الجيش الإسرائيلي من أن حزب الله يدفع لبنان نحو حرب محتملة، وأوضح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي جوناثان كونريكوس عبر منصة "إكس" أن "حزب الله يقوم بأعمال عدائية تجر لبنان نحو حرب لا يمكن أن يستفيد منها، بل قد يتحمل فيها خسائر كبيرة"، وأضاف إن "حزب الله يخوض لعبة خطيرة للغاية ويرتفع التوتر بشكل متزايد يوميًا".
ويبدو أن التصعيد الحالي على الحدود ما زال محصورًا ضمن سياق التوتر القائم بين حزب الله و"إسرائيل"، ومع ذلك، يحذر الخبراء من إمكانية توسيع نطاق الصراع إلى لبنان إذا شنت تل أبيب هجوماً برياً على غزة.
وصرح رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي مؤخرا، وفقًا لبيان صادر عن مكتبه، بأن "الاتصالات الدبلوماسية التي نجريها على الصعيدين الدولي والعربي، إضافة إلى اللقاءات المحلية، ما زالت مستمرة بهدف وقف الهجمات الإسرائيلية على لبنان، وتحديداً في جنوبه، ومنع انتقال النزاع الجاري في غزة إلى أراضي لبنان،" وأوضح أن الحكومة تعمل جاهدة على وضع "خطة طوارئ احتياطية" كإجراء احترازي، وشدد على أنهم، في الوقت نفسه، يشعرون بالثقة في أن الأصدقاء والشركاء الدوليين للبنان مستمرون في بذل جهود كبيرة للمساعدة في استعادة الوضع إلى طبيعته وتجنب أي تصاعد للأوضاع نحو الأسوأ.
وقد حذر نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، من التصعيد الحالي، مؤكدًا أن الحزب ملتزم بمعركة الدفاع عن الأراضي الفلسطينية، وأوضح نعيم قاسم أن الحزب جزء مهم من هذه المعركة ومستعد لزيادة تدخله كلما استدعت الضرورة، ويأتي هذا الوضع بعد تصعيد متزايد منذ بدء حماس عملية "طوفان الأقصى" كرد على الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة ضد الفلسطينيين، ما أسفر عن استشهاد العديد من مقاتلي حزب الله، وتسببت هذه المواجهات في إصابة ومقتل عدد من الجنود الإسرائيليين على الحدود، وتُعد هذه المواجهات أكبر تصعيد على الحدود اللبنانية الإسرائيلية منذ حرب عام 2006 بين "إسرائيل" وحزب الله.
هل تجرؤ "إسرائيل" على مهاجمة لبنان؟
لا شك أن قوة حزب الله العسكرية تعتمد على أبعادها العقائدية والمادية، ولقد أثرت هذه القوة بشكل كبير على مستوى المحلي وأيضًا على مستوى الإقليم بأكمله، ويجب الإشارة إلى أن النقاش بشأن القوة البشرية للوحدات البرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي أصبح موضوعًا مركزيًا في الأوساط السياسية والعسكرية، بعض الآراء تشير إلى أنه إذا وصلت الانتقادات إلى وحدات البرية في الجيش الإسرائيلي، فإن هذا يمكن أن يشكل تحديًا لدقة تقدير قوتها.
واليوم، تواجه "إسرائيل" تحديات كبيرة في مناطق متعددة، بدءًا من مواجهتها لحزب الله على الجبهة الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة، وليس انتهاءً بالتوترات المستمرة مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة، حيث يشن الصهاينة حربا إبادية على الفلسطينيين، ويتوجب أيضًا الإشارة إلى تقارير إعلامية تشير إلى أن هذا الوضع قد دفع بقادة المناطق الشمالية للأراضي الفلسطينية إلى تقديم استراتيجيات محدثة لمواجهة هذه التحديات، نظرًا للتواجد المتواصل لمقاتلي حزب الله بالقرب من الحدود، إضافة إلى ذلك، مع التقدم الكبير في قدرات حزب الله على الصعيد العسكري، حيث زادت ترسانته من حوالي 33 ألف صاروخ وقذيفة قبل حرب عام 2006 إلى تقديرات تفيد بوجود حوالي 150 ألف صاروخ وقذيفة وفقًا لبعض التقديرات، بما في ذلك تلك التي أعدّها مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، ويتفق الإعلام الإسرائيلي وبعض المسؤولين على هذه الأرقام.
وبجانب هذا التطور في الترسانة، لاحظنا ارتفاع عدد مقاتلي حزب الله بشكل كبير، فمنذ حرب عام 2006، ارتفع عددهم من عدد قليل إلى أكثر من عشرين ألف مقاتل، وفقًا للتقديرات نفسها، إضافة إلى ذلك، يعترف بعض كبار قادة المؤسسة الأمنية في الكيان بأن الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني ليست جاهزة وليست مستعدة لمواجهة عسكرية، ولاحظ أن "إسرائيل" أقرت في أكثر من مناسبة بأن ترسانة حزب الله أصبحت أقوى من ترسانة العديد من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) من حيث العدد والنوعية، ولكن المجتمع الإسرائيلي يواجه تحديات متعددة، بما في ذلك عقدة عدم الانضباط وعدم القدرة على التصرف وفقًا لتوجيهات الجبهة الداخلية.
من جهة أخرى، تدرك تل أبيب تمامًا أن قوة المقاومة اللبنانية العسكرية تعتمد أساسًا على كمية ونوعية الصواريخ التي يمتلكها حزب الله، عادةً ما يستخدم الحزب الصواريخ والقذائف كأسلحة هجومية في استراتيجيته، ويعتمد أيضًا على وحدات المشاة الخفيفة والأسلحة المضادة للدبابات، ولا يمكن تجاهل الدور المهم الذي تلعبه الطائرات المسيرة في ترسانة حزب الله، وسبق أن أشار الإعلام الإسرائيلي إلى مدى تأثير حزب الله على تدريبات الجيش الإسرائيلي السابقة وكيف أن هذا الأمر لا يزال يشكل قلقًا كبيرًا بالنسبة للكيان الإسرائيلي، سواء من قادة الجيش أو المستوطنين، وهناك تقارير تشير إلى أن حزب الله يمتلك كميات كبيرة من الصواريخ المضادة للطائرات والقذائف المضادة للسفن، إضافة إلى آلاف القذائف المضادة للدبابات التي يجيدها أعضاؤه بمهارة، نقاط قوة حزب الله التكتيكية تتضمن التغطية والإخفاء والنيران المباشرة وإعداد المواقع القتالية.
وتقديرات العدو تشير إلى وجود حوالي 45,000 صاروخ قصير المدى قادر على التغطية على مسافة تصل إلى 40 كيلومترًا، وتتضمن هذه القوة أيضًا 80,000 صاروخ من الفئة المتوسطة والطويلة المدى، والذي يتميز بدقته، حيث تجعل هذه العناصر قوة حزب الله تهديدًا جادًا في المنطقة، ومؤخرًا، يتم التركيز على تهديد الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة المهاجمة التي تعمل على انخفاض ارتفاعها.
ومع ذلك، هناك تحدٍ إقليمي لم تتم مناقشته بما يكفي، وهو تهديد الصواريخ الهايبر، التي تتجاوز سرعتها سرعة الصوت بعدة مرات، ويتميز هذا النوع من الصواريخ بأن أهدافها ومساراتها غير متوقعة تمامًا، منذ إطلاقها حتى تحقيقها لأهدافها المقصودة، وبالتالي، تتفوق قدرات حزب الله العسكرية بكثير على ما يُعرف به على الساحة الدولية، وهذه القدرات تزداد تطورًا باستمرار"، وتتجنب القيادات الإسرائيلية دخول حروب محتملة مع لبنان، خوفًا من أن تتطور هذه الحروب إلى نزاعات واسعة النطاق قد تكون غير مفيدة بالنسبة للكيان المنهك، ويُظهر تحليل الوضع الراهن أن هذه المعركة لن تكون في مصلحة تل أبيب أبدًا، وسيكون لديهم صعوبة في التعامل معها بشكل فعّال.
الخلاصة، تدرك قوات الأمن والجيش الإسرائيلي تمامًا أن أي عملية عسكرية ضد حزب الله ستواجه ردًا قويًا من الحزب، حيث سيكون لديهم عملية تستهدف جبهة "إسرائيل" الداخلية، وخاصة بعدما حققت المقاومة اللبنانية "حزب الله" انتصارات كبيرة على الصهاينة وفرضت تغييرات على المحاور القتالية معتمدة على القوة العسكرية بأبعادها العقائدية والمادية. تلك التغييرات أحدثت تأثيرًا كبيرًا على المستوى المحلي وتأثيرًا إقليميًا واسعًا.
ووفقًا للوقائع، "إسرائيل" ليست قادرة على حسم المعركة ضد حزب الله على الجبهة الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة. وتُظهر حقيقة أن حزب الله لا يُمكن تجاهله من قبل الإسرائيليين أن الكيان الصهيوني يعيش في حالة من التراجع الكبير بما يتعلق بقوته وردعه، حيث إن صوت تهديدات نتتنياهو ارتفع لشد الهمم بعد أن انخفض بشكل كبير عن مستواه السابق، وقد أصبح لديهم مشكلة استراتيجية حيث تتآكل قدرتهم على التصدي للتحديات، هذا يأتي على خلفية تزايد التوترات والانقسامات الداخلية في تل أبيب، ما يجعلهم في موقف ضعيف، والإسرائيليون يدركون تمامًا هذه القضية.