الوقت - من الآن فصاعداً، الأمر الحاسم هو "جيوسياسة الحرب". لقد تم إنشاء مصفوفة معقدة من حسابات اللاعبين، ومكوناتها مترابطة بشكل وثيق، وفي فترة قصيرة من الزمن، تجاوز حجم تعقيد الحسابات والتفاعلات الجيوسياسية، التوقعات الأولية بكثير.
فالولايات المتحدة تشعر بالقلق من تحويل طوفان الأقصى إلى معركة إقليمية، وتعلم أنه إذا دخلت "إسرائيل" إلى غزة، فسيتم سحب الزناد، لقد ذهب بايدن إلى تل أبيب في الظاهر للمساعدة، لكنه في الواقع للتحذير.
والأهم من ذلك، منذ السابع من تشرين الأول ، تشعر الولايات المتحدة بقلق بالغ إزاء الانهيار الأمني والسياسي للکيان، ورأى الأمريكيون مدى ضعف أسس الکيان الإسرائيلي، ومدى ضعف عيونه الأمنية، کما أن تماسكه السياسي يقترب من الصفر، وتمسك شعبه بالنظام هش.
وتقول المصادر إن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة من حشد القوات في المنطقة، هو القلق من أن تخسر تل أبيب الأرض والسكان بسرعة في صراع متعدد الجبهات، وتنهار فجأةً، وأحد الأسرار التي تخفيها أمريكا هو أنه في تلك اللحظة بالذات، سيتعين عليها نشر قوات في تل أبيب.
فأمريكا ليست مستعدةً للقتال لا نيابةً عن "إسرائيل" ولا إلى جانبها. إن الخوف من مفاجأة عالمية من قبل روسيا والصين، والقلق الشديد من تحول أمريكا إلى هدف عسكري للمقاومة في المنطقة، وكراهية نتنياهو، هي العوامل الرئيسية التي تشكل الاستراتيجية الأمريكية.
إلا أن أمريكا نفسها هي المحرك الرئيسي لتحويل الکيان الإسرائيلي إلى آلة قتل في غزة، والضغط على الفلسطينيين لحملهم على الهجرة القسرية، وإجبار الحكومات على التزام الصمت، وتصميم عمليات استخباراتية خاصة لاغتيال قادة المقاومة. فالأمريكيون هم أصحاب المشروع، وهذا أكثر من مجرد شراكة.
وقد أدركت جهات فاعلة أخرى، وخاصةً العرب، أنه إذا تمكنت "إسرائيل" من البقاء، فإنها سوف ترتكب الجرائم والإرهاب على نطاق واسع.
تبحث مصر والأردن والسعودية عن "إسرائيل" ضعيفة، لكن الولايات المتحدة تتطلع إلى إزاحة فريق نتنياهو، ووضع أصدقائها مثل غانتس على المدى الطويل في العمل.
الأوروبيون هم الأكثر خوفاً من الجميع، والسؤال الأساسي بالنسبة لهم هو، ماذا ستفعل روسيا بأوكرانيا وأوروبا إذا جرّ الإسرائيليون أمريكا على حرب إقليمية؟! ومن وجهة نظر الأوروبيين، فإن هذا الصراع الإقليمي من الممكن أن يصبح عالمياً في غضون أيام قليلة.
وخلافاً لبعض التحليلات العاطفية، تصرفت المقاومة بحذر شديد وبقوة، وإن خلق "تهديد عسكري حقيقي" كان دائماً شعار نتنياهو، لكن المقاومة حققت ذلك، وهناك جبهات أخرى مفتوحة عملياً، لكن حدة الصراع تحت السيطرة، ولن تسمح المقاومة للکيان الإسرائيلي بتحديد الاستراتيجية لها.
إن الهجوم على مستشفى المعمداني كان نهاية مسيرة نتنياهو سياسياً، ونهاية مسيرة غالانت عسكرياً، لقد أظهر الجيش الإسرائيلي أنه وصل إلى طريق مسدود، والجميع فهم ذلك، وهدف "إسرائيل" لأكثر من عشرة أيام، هو القول بأنه لا يوجد مكان آمن في غزة وعلى الفلسطينيين أن يغادروا، ولکن لم يغادر أحد!
والآن يتعين على الکيان الإسرائيلي أن يبحث عن مخرج، وبالنسبة للمقاومة، فإن السيناريو الأفضل هو استكمال ضربة 7 أكتوبر بضربة أكبر بكثير بعد دخول "إسرائيل" إلى غزة، لكن يبدو أن الصهاينة ليس لديهم سيناريو جيد.
وفي مثل هذه المعركة المعقدة، يجب على المرء أن يتحلى بالصبر. إن الحزن والألم من مشاهدة سفك الدماء جزء من هذه الحرب الرهيبة، ولكن عقولنا سترتاح إذا لاحظنا أن أصحاب القرار في هذه الحرب هم أشجع منا جميعاً، وأكثر حرصاً على تدمير الکيان الإسرائيلي.
