الوقت - مفاجأة دبلوماسية من العيار الثقيل فجرها المغرب بتعيين سفيرة جديدة له بباريس ولا سيما أن التوتر لا يزال المسيطر الأكبر على العلاقات بين الرباط وباريس.
حيث عيّن العاهل المغربي الملك محمد السادس، الخميس، سميرة سيطايل سفيرة جديدة للمملكة في باريس، بعدما ظل هذا المنصب شاغرا لأشهر في سياق جفاء دبلوماسي بين الدولتين.
ويؤشر تعيين المغرب لسفيرة جديدة له لدى باريس، بعد نحو عشرة أشهر من الفراغ الدبلوماسي، حسب المراقبين، على تحسين الروابط الدبلوماسية بين البلدين وتجاوز مرحلة الجمود والتوتّر، كما قد يعزز موقف باريس في الالتحاق بركب الدول المعترفة ب"سيادة" المغرب على الصحراء الغربية وفي مقدمتها إسبانيا.
وبرز اسم السفيرة الجديدة ونالت إشادة واسعة بعد مرورها في برنامج فرنسي سياسي على قناة “بي.أف.أم.تي.في”، أيام فاجعة الزلزال الذي ضرب المغرب في الثامن من أيلول الماضي، حيث ردت سيطايل بقوة وبلغة يفهمها المشاهد الفرنسي، على المغالطات التي نشرتها وسائل الإعلام الفرنسية، مؤكدة أنه “من الخطير القول إن المغرب رفض المساعدة من دولة ما”، معتبرة ذلك بمثابة دعوة إلى نشر الفتنة بين المغاربة.
وعلى مستوى التعاطي الإعلامي الفرنسي مع قضايا المملكة فاستنكرت سيطايل أن الدفاع عن قضايا المغرب سيكون من داخل فرنسا، وخصوصا تأكيدها أنه في خضم المأساة، غامرت “فرانس 24″، وهي وسيلة إعلام تديرها وزارة الخارجية الفرنسية، باستدعاء معارضين وهميين للنظام المغربي يسهبون في خطابات تتم إعادة صياغتها وتفصيلها على مقاس هذا النوع من المناسبات مثل زلزال الحوز.
وأشارت سميرة سيطايل إلى أن جزءا من وسائل الإعلام الفرنسية قد تلقى توجيهات بأن يتبنى نفس الخطاب ونشر مقالات تتعلق بالصمت المفترض للعاهل المغربي والتكهنات حول محنة المتضررين من الزلزال، قائلة نحن في وضع أفضل من الصحافة الفرنسية لمعرفة مشاكلنا، ونحن نعرفها جيدا.
ويبدو أن السفيرة الجديدة تملك خلفية شاملة للملفات المحددة التي ستباشر في معالجتها مع المسؤولين الفرنسيين، حيث أوضحت أن المغرب قرر عدم قبول الخطابات المزدوجة من شركائه، مذكرة بأنه وفي سنة 2007، كانت فرنسا من أوائل الدول التي صادقت على خطة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية، ولكن منذ ذلك الحين لم يتقدم الموقف الفرنسي خطوة واحدة، على عكس إسبانيا، التي تعترف الآن بـ"سيادة" المغرب الكاملة على الصحراء الغربية.
ففي ما يتعلق بقضية الوحدة الترابية للمغرب وتأخر باريس في السير على نهج الدول الكبرى في الاعتراف بـ"سيادة" المغرب على الصحراء، قالت سيطايل في لقاء مع إحدى وسائل الإعلام الفرنسية الشهر الماضي، اليوم، قرر المغرب فرز أصدقائه وأعدائه من خلال موقفهم من قضية الصحراء المغربية والتي قال الملك محمد السادس بأنها المنظار الذي يقيس به علاقاته الخارجية.
اعتبرت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن تعيين العاهل المغربي محمد السادس للإعلامية المغربية-الفرنسية، المقيمة في باريس، سميرة سيطايل، سفيرة جديدة للملكة لدى فرنسا، أحدث مفاجأة، كون الصحفية، التي أمضت معظم حياتها المهنية مديرة للأخبار في القناة التلفزيونية العامة الثانية في المغرب، لم تشغل قط أي منصب سياسي أو دبلوماسي.
وفي تعليق على هذا الخبر نقلت “لوموند” الفرنسية عن الصحفي والمحلل السياسي عبد الله الترابي قوله إن السيرة الذاتية لسميرة سيطايل لا علاقة لها بالسّير الذاتية للوزراء أو الدبلوماسيين رفيعي المستوى الذين شغلوا قبلها منصب سفير المغرب لدى فرنسا. وبالتالي، فهو تعيين غير مسبوق، لكنه يستجيب بلا شك لمنطق معين، لأن المغرب يريد إسماع صوته بشكل أفضل في فرنسا. والسفيرة الجديدة، تعرف وسائل الإعلام، وتعرف كيف تتحدث معهم، ولديها شبكة في الصحافة والثقافة، تتجاوز المجال السياسي فقط.
وتساءلت “لوموند”: هل يُعلن تعيين سميرة سيطايل عن بدء ذوبان الجليد بين البلدين، اللذين تمر علاقاتهما بأزمة عميقة منذ أكثر من عامين، على أي حال- توضّح الصحيفة- فإن تعيين السيدة سيطايل يضع حداً لشغور في منصب سفير المغرب لدى باريس استمر منذ كانون الثاني الماضي، كما أنه يأتي أيضًا بعد أسبوعين من تقديم كريستوف لوكوتييه، السفير الفرنسي لدى المغرب، أوراق اعتماده للعاهل المغربي محمد السادس، يوم الرابع من تشرين الأول الجاري، بعد مرور عام تقريبًا على تعيينه، والذي تبعته زيارة وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير إلى مراكش من 11 إلى 13 الشهر الجاري في إطار الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والتي تباحث خلالها مع رئيس الحكومة المغربية.
ونقلت “لوموند” عن “مراقب مغربي” قوله: “نحن في تسلسل جديد، حيث تتوالى الإشارات الإيجابية للغاية على جميع المستويات”، وأشارت الصحيفة إلى أنه إذا كان المغرب ممثلا في مدريد بسفيرة، كما كان الحال في لندن وواشنطن، فهذه هي المرة الأولى التي تتولى فيها امرأة منصب سفير المملكة لدى باريس، والتي تعتبر من أهم السفارات في شبكة المغرب الدبلوماسية.
وتابعت لوموند لكن المعطى الجديد يكمن قبل كل شيء في مسيرة سميرة سيطايل، فهي ولدت في فرنسا وأكملت كل تعليمها في منطقة باريس، وتنقل الصحيفة عن الصحفية نادية لارغيت المقربة من السيدة سيطايل، قولها: “تعيين سيدة سفيرة للمغرب لدى فرنسا هو لفتة قوية، إنها تعرف المغرب وفرنسا ولديها كل الأوراق للمساهمة في التهدئة بين البلدين، وخاصة أنها فرنسية مغربية”.
غير أن الجنسية المزدوجة للسفيرة الجديدة للمغرب لدى باريس يمكن أن تكون موضع جدل في المغرب، حيث يتعرض العديد من المسؤولين لانتقادات منتظمة لأنهم يحملون جواز سفر فرنسي
ولفت إلى أن “ملء شغور منصب سفير المغرب بفرنسا من طرف سميرة سيطايل هو إجابة دبلوماسية على الحملات الإعلامية الفرنسية على المغرب ومحاولة استهداف مؤسساته الأمنية وغيرها، في محاولة منها لابتزازه من جهة وتجاوز مطلب الخروج بموقف واضح مساند لـ"سيادة" المغرب على الصحراء من جهة أخرى”، مضيفا: هذا مرتبط بطبيعة العلاقات بين الدولتين، التي يشكل فيها الإعلام الفرنسي المرتبط باليسار والذي يخدم أجندة الجزائر بشكل واضح دورا مهما في العلاقة بين الدولتين، فالإعلام الفرنسي يشكل يد الدولة العميقة ومترجم بشكل سافر توجهاتها الخارجية، وقد عمل بشكل كبير على المس بسمعة مؤسسات الدولة المغربية، لذلك تعيين سفيرة بخلفية إعلامية يعد رسالة واضحة للوبي الإعلامي الفرنسي الذي لا يزال يسيطر عليه اليسار والذي يعتبر الجزائر امتدادا لفرنسا.
يذكر أنه يأتي تعيين سيطايل في سياق أزمة بين البلدين لا تزال مستمرة، باعتبارها تحمل موقفا صارما من أي تجاوزات للإعلام الفرنسي المدعوم والمعبر عن رأي الحكومة في عدد من القضايا الخلافية مع المغرب، وسيطايل صحفية سابقة شغلت لعدة أعوام منصب مديرة الأخبار في القناة التلفزيونية العمومية الثانية “دوزيم”، ولم يسبق لها أن تولت مهام دبلوماسية، وراكمت سميرة سيطايل تجربة في مجال الاتصال السمعي البصري تمتد لاثنتين وثلاثين سنة.
ومن موقعها السابق ساهمت سيطايل في النهوض بالصحافة السمعية البصرية بالمغرب وفي بلدان أفريقية، حيث قامت بعدد من المهمات، وخاصة في مجال التكوين لدى مجموعة من المنظمات غير الحكومية أو العمومية، كما أنجزت عددا من الأشرطة الوثائقية والروبورتاجات الكبرى، التي مكنت من نقل نظرة أكثر دقة حول الجالية المغربية المقيمة بالخارج.