الوقت- إن القصف المستمر لغزة من قبل النظام الصهيوني، الذي لا يتورع عن ارتكاب أي جريمة ضد الفلسطينيين، قد ألقى عبئاً ثقيلاً على عاتق الدول الإسلامية لوقف وحشية الصهاينة والإبادة الجماعية قبل فوات الأوان، ولذلك فإن منظمة التعاون الإسلامي، باعتبارها قوة موحدة في العالم الإسلامي، تقع على عاتقها مسؤولية صعبة في هذا الاختبار، الذي يمكن لقراراته أن تؤثر على عملية التطورات في فلسطين.
وبعد بدء جولة جديدة من الهجمات التي يشنها النظام الصهيوني على قطاع غزة، والتي أدت إلى استشهاد وجرح الآلاف من الأشخاص، دعت جمهورية إيران الإسلامية مراراً وتكراراً إلى عقد اجتماع عاجل لرؤساء منظمة التعاون الإسلامي لكي يستعرضوا تطورات الأوضاع في فلسطين والجرائم التي يرتكبها النظام الصهيوني في غزة، والآن، وبموافقة المملكة العربية السعودية، من المقرر أن يعقد هذا الاجتماع يوم الأربعاء في مقر منظمة التعاون الإسلامي في جدة بالمملكة العربية السعودية.
وردا على جرائم النظام الصهيوني في غزة، أكدت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي في بيان لها: "استمرار احتلال إسرائيل وعدم امتثالها لقرارات الشرعية الدولية، وتكثيف اعتداءاتها اليومية وجرائمها ضد الفلسطينيين والشعب الفلسطيني، وحرمان الفلسطينيين من أرضهم ومقدساتهم، وحقوقهم المشروعة وهذا هو السبب الرئيسي لعدم الاستقرار".
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في بيان يوم أمس الثلاثاء: "في هذا الاجتماع، ستتم مناقشة ودراسة الخطوات المحددة التي يمكن أن تتخذها منظمة التعاون الإسلامي، وفي هذا السياق، سيتم التوصل إلى موقف مشترك للدول الأعضاء بشأن تصرفات إسرائيل واستهدافها سكان غزة دون تمييز"، وسيناقش وزراء الدول الإسلامية في هذا الاجتماع القضايا المتعلقة بوقف الصراعات في غزة وكيفية إرسال المساعدات الإنسانية إلى الآلاف من سكان هذه المنطقة، وفي الأيام الأخيرة، أدانت سلطات الدول الإسلامية بشدة مقتل الفلسطينيين في غزة، ودعت إلى اتخاذ إجراءات دولية فورية ضد جرائم الصهاينة.
ويأتي هذا اللقاء في الوقت الذي استهدفت فيه الطائرات الحربية الصهيونية مستشفى المعمداني في غزة في جريمة مروعة مساء أمس الثلاثاء، راح ضحيتها أكثر من 500 شخص، وأشارت تقارير مختلفة إلى الوضع الحرج الذي تعيشه مستشفيات غزة نتيجة اعتداءات النظام الصهيوني وإعلان الحصار الكامل على غزة.
إن مهاجمة المستشفيات محظورة بموجب القانون الدولي، لكن الصهاينة لا يلتزمون بأي ميثاق دولي وهم على استعداد للتضحية بملايين الفلسطينيين لتحقيق أهدافهم، لقد كانت هذه الجريمة فظيعة لدرجة أنه يبدو أن ظلالها الثقيلة ستظل محسوسة في لقاء يوم الأربعاء ونتائجه.
التوقعات من منظمة التعاون الإسلامي
وبالنظر إلى أن الهجمات واسعة النطاق التي شنها النظام الصهيوني في غزة قد ألحقت الأذى بقلوب جميع المسلمين في العالم، فإن كل الأنظار الآن تتجه نحو اجتماع منظمة التعاون الإسلامي لنرى كيف سيكون رد فعل المجتمع الدولي للعالم الإسلامي على هذه الهجمات التي يشنها الاحتلال، ولأن أهل غزة يمرون بكارثة، فلا ينبغي للحكومات الإسلامية أن تظل غير مبالية بالتطورات في فلسطين بعد الآن، وأي صمت أمام هذه الجرائم هو خيانة لقضية القدس.
وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كناني، بخصوص تطلعات منظمة التعاون الإسلامي في الدفاع عن الشعب الفلسطيني: "إن المقاومة تتوقع موقفا موحدا سيتم تبنيه في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي، والسرد الأحادي الذي حاول الصهاينة ومناصروهم نشره، ليواجهوا معلومات في هذا المجال مفادها بأن المقاومة تلتزم بالمبادئ الأخلاقية للحرب".
إن الشعب الفلسطيني، الذي يرزح تحت وطأة الاحتلال منذ عقود عديدة، يتطلع إلى الدعم الشامل من الدول الإسلامية من أجل المضي قدما بتصميم أكبر في النضال من أجل تحرير الأراضي المحتلة، ومع الهجوم الغاشم على مستشفى غزة ومقتل الآلاف من أهل غزة وتهجير مئات الآلاف الآخرين.
ولفت كناني إلى أن التطورات في فلسطين الآن في أسوأ حالاتها التاريخية، فلا تقبل أي ذرائع من منظمة التعاون الإسلامي وسلطات الدول الأعضاء وذلك من أجل تخفيف الألم، وينبغي لقلوب مئات الملايين من المسلمين أن تظهر موقفا جديا وموحدا في هذا المجال.
سيعقد اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في مقرها بالمملكة العربية السعودية، ويجب على هذه الدولة، بصفتها خادم الحرمين الشريفين، والتي تعتبر نفسها أيضا زعيمة العالم العربي، أن تكون جادة بشأن التطورات في فلسطين، لأن الاسترضاء والتغاضي عن عدو لا إنسانية له، سيجعلها أكثر وقاحة، وهناك توقعات أكبر من السعودية كزعيمة للعالم العربي، ويمكنها أن تجمع معها دول أخرى وتصدر بيانا قويا ضد المحتلين من خلال اتخاذ موقف قوي ضد جرائم "إسرائيل" في غزة، من أجل تحسين صورتها في غزة وفي العالم العربي وللفت كل الاهتمام إلى نفسه.
وإذا أراد السعوديون أن يتبنوا السياسة نفسها التي أظهرها المغرب من قبل في دعم عضوية النظام الصهيوني في الاتحاد الأفريقي، فسوف يكرههم الرأي العام في المنطقة، مثلما أصبحت الإمارات والبحرين مكروهتين لدى الدول الإسلامية بعد تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وقد يتكرر هذا المصير بالنسبة للسعودية.
وفي حديثه لـ ISNA، أكد صباح زنغنه، الخبير في قضايا غرب آسيا، على الإجراءات التي يمكن أن تتخذها منظمة التعاون الإسلامي لدعم غزة وقال: "يمكن لمنظمة التعاون الإسلامي إنشاء مجموعة اتصال مع دول خارج العالم الإسلامي، بما في ذلك الدول الشرقية من أجل توعية هذه الدول فعلياً بخطورة الوضع الراهن ومطالبتها بالضغط على النظام الصهيوني لوقف جرائمه".
وفي الوضع الحالي حيث يدعم العالم الغربي النظام الصهيوني، يجب على منظمة التعاون الإسلامي أيضًا أن تتصرف بشكل متماسك وتدعم الفلسطينيين، لأن الغرب أثبت أنه لم يكن وفيا لأي من مبادئه المزعومة تجاه فلسطين، ولن يكون كذلك في المستقبل أيضا، وهذه إشارة مهمة للدول الإسلامية لكي لا تعول على دعم الغرب لتشكيل الدولة الفلسطينية وإنهاء الصراع.
وعلى أعضاء هذه المنظمة، الموجودين أيضاً في الدول العربية الغنية، أن يشمروا عن سواعدهم أكثر من أي وقت مضى ويسارعوا لمساعدة شعب غزة الأعزل، إن الأهالي الذين يتعرضون لوابل صواريخ العدو الصهيوني، محرومون حتى من الماء والكهرباء والمرافق الصحية الأساسية ويحتاجون إلى مساعدات دولية.
وباعتبار أن عشرات الدول الإسلامية تتواجد في هذه المنظمة الدولية، وبعضها لديه تجارة علنية وسرية مع نظام الاحتلال، فيمكنها الضغط على تل أبيب من خلال تطبيق العقوبات الاقتصادية، ولأن التجربة أثبتت أن إجراءات الردع الدولية لم تكن فعالة، فإنها لا تؤدي إلا إلى تشجيع نظام قتل الأطفال على مواصلة جرائمه والإفلات من العقاب، كما رأينا بوضوح في الأيام الأخيرة في قطاع غزة.
وفي العقود الماضية، لم تتخذ منظمة التعاون الإسلامي موقفا جديا ضد احتلالات النظام الصهيوني، وهذا الأمر دفع الصهاينة إلى تنفيذ خطة الاستيطان وسياسة التطهير العرقي في الضفة الغربية تدريجيا، والآن يختلف الوضع عن الماضي ويتطلب من الحكومات الإسلامية تفعيل الآليات القانونية ومحاسبة "إسرائيل" على جرائمها ضد الفلسطينيين، وإذا وقفت الدول الإسلامية إلى جانب الشعب الفلسطيني بكل قوتها، فإنها تستطيع أن توقف سياسات الاحتلال والفصل العنصري التي ينتهجها النظام الصهيوني.
وحسب بعض الخبراء، فإن أحد توقعات المجتمعات الإسلامية هو تشكيل قوة عسكرية منفصلة بين الدول الأعضاء في منظمة التعاون حتى تتمكن من العمل للدفاع عن سلامة الأراضي الإسلامية، ويمكن لمثل هذه القوة أن تكون بمثابة رادع ضد الجرائم الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية، وبالنظر إلى أن الصهاينة لا يهتمون بالدبلوماسية ولا يفهمون إلا لغة القوة، يجب على المجتمعات الإسلامية تعزيز جبهة المقاومة في المنطقة ضد نظام الفصل العنصري هذا حتى لا يتمكن المحتلون من تنفيذ سياساتهم الطموحة بسهولة، وأظهرت عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حماس، والتي قُتل وجرح خلالها آلاف الصهاينة، أنه في حالة الدعم العسكري المكثف لهذه الجماعات، فإن هزيمة العدو ليست بعيدة.
ومن ناحية أخرى، فإن الدول الإسلامية بمواقفها القوية ضد جرائم الصهاينة في غزة، يمكن أن تعزل الدول العربية التي اتخذت في السنوات الأخيرة خطوات نحو تطبيع العلاقات مع الصهاينة وخيانة قضية فلسطين، ما يزيد من حدة الصراع وتكاليف مثل هذه الخيانة. يبدو أن النظام الصهيوني اليوم أكثر اهتزازاً من أي وقت مضى بسبب الأزمات السياسية والأمنية الداخلية، ويعتبر ارتفاع مستوى عزلته أكبر فضيحة له في العالم.
إن الداعمين الغربيين لهذا النظام، الذين دعموا الجرائم ضد الفلسطينيين طوال سبعة عقود، منخرطون الآن في مشاكلهم الداخلية، وفي مثل هذا الوضع، يجب على الدول الإسلامية في إطار منظمة التعاون أن تزيد من تحالفها وتعاونها وتكثيف الحصار على الاحتلال وإجبارهم على الانسحاب والاستسلام للفلسطينيين.