الوقت- على مدى قرون مضت، ظل المدخل الجنوبي للبحر الأحمر (باب المندب)، ولا يزال إلى يومنا هذا مطمعاً للقوى العالمية والإقليمية، بغية السيطرة والتحكم بحركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، حَيثُ يحتل المضيقُ المرتبة الثالثة عالميًّا بالأهميّة بعد مضيقي ملقا وهرمز، إضافة إلى امتلاك اليمن للعديد من الجزر ذات الموقع المهم تضاعف من الأهميّة الاستراتيجية لموقعه البحري، وبشكل خاص جزيرة سقطرى.
يقع مضيق (باب المندب) بين دولتَي اليمن وجيبوتي، ويفصل بين قارتَي آسيا وأفريقيا، ويتوسط القارات الخمس، وما يميزه أنه يصل البحرَ الأحمر بخليج عدن، وبحر العرب، والمحيط الهندي من جهة، والبحر الأبيض المتوسط من الجهة الأُخرى، كما يأتي اليمنُ في قلب مشروع “الحزام والطريق” أَو ما يعرف بـ “طريق الحرير”، نظراً لأهميّة موقعه، وامتلاكه عدداً من الموانئ، والجزر المتناثرة وعددها 130 على هذا الطريق، مثل ميناءَي عدن والمخاء اللذين يتوسطهما مضيق باب المندب، وجزيرة بريم التي تتوسط المضيق.
ويتحكم مضيق باب المندب في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ويقع بين الزاوية الجنوبية والغربية لشبه الجزيرة العربية، وشرق إفريقيا، وهو يربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي، كما تكمن أهميّة مضيق باب المندب الجيوسياسية بتأثيره سياسيًّا واقتصاديًّا في محيطه الإقليمي، وعلى الكيانات السياسية صاحبة المصلحة في البحر الأحمر، إذ يشكل باب المندب الممرَّ الرئيسَ لنقل النفط والمواد الحربية، والتجارية، في داخل البحر الأحمر وإلى أُورُوبا عبر الجهة الشمالية عن طريق قناة السويس ومن ثم البحر المتوسط.
عودة الصراع إلى منطقة باب المندب
تعيش مناطق باب المندب، الممر الدولي الاستراتيجي في جنوب غرب اليمن، توتراً متصاعداً بين القوات المشتركة التي يقودها عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح المدعوم من الإمارات من جهة، وقوات العمالقة التابعة للعضو الآخر في المجلس "أبوزرعة" عبد الرحمن المحرمي، ضمن صراع على النفوذ في المنطقة المطلة على المضيق الحيوي للتجارة الدولية.
برز الصراع بين القوتين المدعومتين على شكل اجتماعات مسلحة وبيانات متبادلة وتراشقات بين أنصار الطرفين، وخصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك على أثر تحركات عسكرية لقوات صالح في مناطق نفوذ قوات المحرمي والمسنودة بقبائل الصبيحة، كبرى قبائل محافظة لحج، على الشريط الساحلي ذاته.
الأسباب
بالرجوع الى العديد من المصادر فإن خلفية الصراع ترجع إلى قبل نحو عام حين افتتح طارق صالح مشروع تحلية مياه للمواطنين في منطقة العرضي، وأرسل مجموعات من قواته لحماية المشروع، وذلك بالتنسيق مع اللواء 17 عمالقة بقيادة ماجد عمر سيف الصبيحي، المتموضع في المنطقة.
وفي السياق نفسه تذكر العديد من المصادر أن طارق صالح أرسل، مطلع شهر يونيو الماضي، معدات وآليات عسكرية إلى المنطقة ذاتها، قبل أن يصل عشرات الجنود قبل نحو عشرة أيام، كتعزيز لتلك القوات في خطوة اعتبرتها قوات العمالقة محاولة للسيطرة على المنطقة وإحلال قوات طارق صالح مكانها.
من جانبه، أشار مصدر عسكري إلى أن جهوداً يقودها رئيس اللجنة العسكرية والأمنية التابعة لمجلس القيادة الرئاسي اللواء هيثم قاسم طاهر، منذ أيام، برفقة قيادات عسكرية وقبلية وأخرى في السلطة المحلية بلحج وتعز، لوقف التوتر والوصول لحل ينهي الأزمة القائمة، مشيراً إلى أن هذه الجهود فشلت في إحراز أي تقدم حتى الآن.
تزايد القلق من تصاعد منسوب الصراع
وبين الوقفات والبيانات والتصعيد المتبادل يتزايد القلق من أن يتصاعد منسوب الصراع بين الطرفين اللذين يجمعهما الولاء للإمارات وتفرقهما أطماع حيازة أكبر مساحة من الأرض والنفوذ في المنطقة الساحلية المطلة على واحد من أهم الممرات المائية الدولية والتأثيرات المحتملة له على طريق التجارة الدولية، ولا سيما إذا لم تنجح جهود اللجنة العسكرية في نزع فتيل التوتر المتنامي بين الجانبين.
وتسيطر قوات طارق صالح على الشريط الساحلي الممتد من مدينة الخوخة بمحافظة الحديدة، غرب البلاد، مروراً بالمخا بموقعها الاستراتيجي، أقصى جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، وصولاً إلى ذوباب التابعة لمحافظة تعز، والتي تشترك في السيطرة عليها مع قوات من العمالقة، ومعها تتصارع على النفوذ في المناطق المطلة على المضيق الحيوي للتجارة الدولية.
ومنطقة العرضي تتبع إدارياً لمديرية ذوباب تعز، وقد ضمت إليها عقب توحيد شطري اليمن في العام 1990 بعد أن كانت تتبع للشطر الجنوبي من البلاد في دولة ما قبل الوحدة، وهو ما دفع حلفاء الإمارات المطالبين بالانفصال إلى الوقوف ضد تحركات طارق صالح، إضافة إلى أنه تسكنها أسر تنتمي لقبائل الصبيحة التي ينتشر معظمها في محافظة لحج.
الطرفان يتبادلان الاتهامات
وخلال الأيام الماضية، تبادل الطرفان الاتهامات على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى أمهل قائد اللواء التاسع عمالقة، القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب بالانفصال فاروق الكعلولي الصبيحي، يوم السبت، على فيسبوك، قوات طارق صالح 24 ساعة لمغادرة المنطقة.
وحاولت قوات صالح تهدئة الأجواء عبر إصدار بيان في اليوم ذاته، نفت فيه قيام قواتها بأي تحركات، ونقلت مواقع مقربة منها عن مصدر مسؤول في تلك القوات قوله إن "نشر شائعات مغرضة بتحركات عسكرية باتجاه رأس العارة (في محافظة لحج)، محاولة لتزييف الواقع وتأجيج الوضع وإثارة الفتنة بين الرفقاء ".
وأضاف المصدر: "تؤكد القوات المشتركة أن التحركات العسكرية الأخيرة تأتي وفق خطة عسكرية صادرة عن قيادة القوات المشتركة ضمن نطاق المسرح العملياتي لمحافظتي الحديدة وتعز، والتي تهدف بالأساس إلى تعزيز الأمن وتأمين طرق الملاحة الدولية والشريط الساحلي ضد أي تهديدات وحماية المكتسبات".
وتابع: "لا صحة للأخبار المتداولة عن أي تحركات لأي قوات عسكرية خارج المسرح العملياتي للقوات المشتركة".
الأهداف الخفية لعودة الصراع
تتلخّص الخطوات الأخيرة، لعودة الصراع في منطقة باب المندب، في محاولة عزل اليمن تحت ذرائع مختلفة، ولهذا يمكن القول إن هناك مخططاً لتحالف العدوان والأمريكان في هذه المنطقة، حيث من الواضح أن هناك مخططاً امريكياً يعد لهذه المنطقة لجرها إلى الحرب خلال الفترة القادمة من أجل التبرير لوجود أي قوات في المستقبل في هذه المنطقة بذريعة حماية الممرات المائية والملاحة الدولية.