الوقت- مر العراق منذ عدة سنوات بمراحل صعبة من محاربة الإرهاب وعدم الاستقرار والاضطراب الداخلي، والآن يخطو خطوة على طريق التنمية السياسية والاقتصادية. يبدو أن مشروع ميناء الفاو الضخم، كطريق استراتيجي يربط العراق بالبحر المتوسط وأوروبا، يمكن أن يؤدي إلى تعزيز مكانة العراق السياسية والاقتصادية في المنطقة. يحاول هذا التقرير تبيين الأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع بالنسبة للعراق ودراسة نتائجه بالنسبة لتركيا والجهات الفاعلة الأخرى.
يعد تطوير ميناء الفاو هدفاً مهماً للعراق، الذي اتخذ خطوات لتحقيقه منذ عام 2010، لكن مشاكل مثل ظهور الجماعات الإرهابية مثل داعش وعدم الاستقرار السياسي الداخلي حالت دون استكمال العمل. لكن الآن، بذل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني جهوداً أساسية وحيوية لاستكمال المشروع، وأعلن للمرة الأولى في مؤتمر ليوم واحد لوزراء نقل دول المنطقة في بغداد، أن هذا المشروع، الذي تبلغ قيمته 17 مليار دولار، كجزء من مشروع "طريق التنمية" الضخم، سيسهل حركة البضائع من الخليج الفارسي إلى أوروبا عبر ميناء الفاو الكبير في البصرة، جنوب العراق، عبر شبكة من السكك الحديدية والطرق السريعة إلى تركيا ثم إلى أوروبا. وأعلن وزير النقل العراقي رزاق محيبس السعداوي منذ فترة أن الشركة الكورية المنفذة لمشروع تطوير ميناء الفاو قد تقدمت في عملها وفق الخطة؛ وحاليا تبلغ نسبة الإنجاز حوالي 60٪.
من العراق والخليج الفارسي إلى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا
يُظهر الاهتمام ببعض تفاصيل مشروع ميناء الفاو أن هذا الطريق يمكن أن يحدث تحولاً في التجارة والاقتصاد في العراق. وحسب خارطة طريق المشروع، في المرحلة الأولى سيتيح الفرصة لخلق فرص عمل لـ 15 ألف عراقي، وكذلك إنشاء "مدينة صناعية ذكية" في محيط الميناء وإنشاء حوالي 1200 كم من السكك الحديدية والطرق السريعة، ما سيُدخل الاقتصاد العراقي والتجارة في مرحلة جديدة. في الوقت الحالي، لم يتم الإفصاح عن الكثير من المعلومات حول تفاصيل تمويل مشروع ميناء الفاو، لكن الأدلة تشير إلى أن المملكة العربية السعودية والصين سيكونان المستثمران المحتملان.
من المفترض أن يمر معبر العراق للسكك الحديدية البالغ طوله 1200 كيلومتر بالطريق التالي: البصرة، الديوانية، النجف، كربلاء، الموصل حتى الحدود التركية. ومن المخطط نقل البضائع على هذا الخط بالقطار الكهربائي ونقل الركاب بالقطار فائق السرعة بسعة أولية تبلغ 4 ملايين حاوية (36 مليون طن) سنويًا، إضافة إلى 22 مليون طن من البضائع المتفرقة، ولكن في المرحلة التالية بحلول عام 2038، سيتم نقل 70 مليون طن على شكل حاويات و33 مليون طن على شكل متفرق. على الرغم من أنه لا يزال هناك طريق طويل للوصول إلى الهدف النهائي، إلا أن الكويتيين والإماراتيين ينظرون بالفعل إلى الفاو بقلق. لأنه إذا سار كل شيء وفقًا للخطة، في المستقبل القريب، سيفوز ميناء الفارو الجديد بلقب أكبر ميناء في الشرق الأوسط، وحتى ميناء جبل علي في دبي لن يكون لديه الكثير ليقوله أمام الفاو.
مركز التجارة والطاقة
يقع ميناء الفاو في أقصى جنوب العراق، ويتمتع بموقع استراتيجي على طول الخليج الفارسي ولديه إمكانات فريدة لاقتصاد بغداد. حاليا، يتم جزء كبير من تجارة العراق عبر ميناء أم قصر، الذي يكاد يكون بكامل طاقته. لذلك، يعتبر تطوير ميناء الفاو حاجة حيوية وخطوة إلى الأمام في توسيع القدرات التجارية للعراق. مشروع الميناء هذا، الذي يهدف إلى استقبال سفن كبيرة وكميات كبيرة من البضائع، سيعزز بشكل جدي خطوط نقل البضائع في المنطقة. من خلال تحديث البنية التحتية للموانئ وزيادة قدرتها، يمكن للعراق نقل شحنات أكبر، وجذب المزيد من التجار الدوليين وتقليل الاعتماد على موانئ الدول المجاورة. سيؤدي هذا الهدف المهم في نهاية المطاف إلى تسريع النمو الاقتصادي للعراق، وزيادة إمكاناته التجارية، والسماح للبلاد بأن تصبح مركزًا إقليميًا للأعمال. ومن المتوقع أن يؤثر استكمال ميناء الفاو بشكل كبير على ديناميكيات التجارة الإقليمية.
كدولة غنية بالنفط، بمواردها الواسعة وموقعها الجغرافي الاستراتيجي، يتمتع العراق بقدرة عالية على أن يصبح مركزًا تجاريًا إقليميًا. سيمكن مشروع ميناء الفاو العراق من التواصل مع الدول المجاورة له في الخليج الفارسي، مثل الكويت والمملكة العربية السعودية وإيران، وخلق فرص جديدة للتعاون من خلال تعزيز العلاقات التجارية. سيكون هذا الميناء مركزًا مهمًا لتحقيق الربح لدول أخرى في المنطقة. كمركز تجاري إقليمي، يمكن للعراق تسهيل تبادل السلع بين مختلف البلدان وتعزيز التجارة بين الأقاليم والتعاون الاقتصادي. هذا الدور المعزز في التجارة الإقليمية سيضع العراق كلاعب حيوي في الشرق الأوسط، ويعزز أهميته الجيوسياسية ويعزز الاستقرار والازدهار في المنطقة.
أين تركيا في اللعبة؟
في السنوات القليلة الماضية، كانت تركيا دائمًا في أزمة اقتصادية، وتركت التكاليف الباهظة لواردات الطاقة حكومة أردوغان في مأزق. لهذا السبب، كرر التأكيد على نقل البضائع والطاقة؛ وأصبح التحول إلى مركز عبور على رأس أولويات تركيا السياسية والاقتصادية، ولهذا السبب، فقد أبدت الكثير من الحماس لوجود طريق عبور عبر خط السكك الحديدية، إلى جانب تطوير ميناء الفاو الكبير، والذي يمكنه في المستقبل؛ أن ينافس عمليا قناة السويس. في هذا الاتجاه تسعى تركيا إلى تحقيق عدة أهداف اقتصادية في نفس الوقت: أولاً، الهدف من استكمال هذا المشروع ليس فقط نقل البضائع والخطط اللازمة لحركة قطارات الركاب بسرعة 300 كيلومتر في الساعة، وثانيًا، الجهود المبذولة لخطوط نقل النفط والغاز عبر هذا الخط يمكن أن يكون لها تأثير خطير على معادلات الطاقة في المنطقة.
سيمكن خط السكك الحديدية الذي يبلغ طوله 1175 كيلومترًا من ميناء الفاو العراقي إلى ميناء مرسين التركي، كإجراء طموح، مرور الركاب والبضائع والطاقة من العراق إلى البحر الأبيض المتوسط.
الفاو أداة العراق الذهبية لاحتواء تركيا
في الإشارة إلى القضايا المتعلقة بأهداف تركيا السياسية والتجارية في العراق. فإن الأهمية الاستراتيجية لمشروع ميناء الفاو يوفر مجموعة من الأدوات السياسية الجديدة لبغداد، وإذا تم استخدام هذه الأدوات بشكل صحيح، يمكن للعراق كبح جماح تركيا في مسار السياسات الشمولية. حيث تتجاهل تركيا سيادة العراق الوطنية وسلامة أراضيه باتخاذ إجراءات مثل فرض قوات عسكرية وقصف المدافع على مناطق واسعة من شمال العراق وإرسال فرق أمنية إلى مناطق شمالية مختلفة دون تنسيق مع بغداد. إضافة إلى ذلك، في القضايا المهمة مثل المياه والنفط؛ تم أخذ العراق عمليا كرهينة واستُغل بسبب ظروفه الأمنية والسياسية الصعبة للعراق. ولكن الآن، يمكن للحكومة العراقية أن تدافع بقوة عن أهدافها ومواقفها باستخدام بطاقة قيّمة تسمى مشاركة تركيا في بركات وفوائد مشروع ميناء الفاو الكبيرة.
تمهيد الطريق لبناء وتطوير ممرات أو معابر لنقل البضائع والركاب وخطوط نقل النفط والغاز في المنطقة، وخاصة بعد الحرب بين روسيا وأوكرانيا، جعلت المنطقة تواجه ظروفًا ومنافسات جديدة، وهذه التنافسات يمكن أن تؤثر على معادلات الطاقة في المنطقة في المستقبل.