الوقت – إن تقليص قوة الردع لدى الكيان الصهيوني، موضوع نوقش كثيراً في الأوساط الإسرائيلية في الفترة الأخيرة.
لقد تدهورت صورة الردع للكيان الصهيوني منذ حرب تموز (يوليو) 2006 مع حزب الله اللبناني، إلی معركة سيف القدس في أيار (مايو) 2021. لكن منذ تولي حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة السلطة، عانى ردع الكيان الصهيوني من تآكل عميق وغير مسبوق، لدرجة يتحدث المسؤولون والخبراء العسكريون لهذا الکيان عن تدمير الردع الإسرائيلي.
تراجع الموقع الاستراتيجي للکيان الصهيوني
تشير التقديرات إلى أن تآكل نظام الردع الإسرائيلي، يعكس في الواقع تراجع الموقف الاستراتيجي لهذا الکيان منذ حرب أكتوبر 1973.
وعليه، أعلن جهاز المخابرات الصهيوني (أمان) في تقرير له، أنه بسبب تقليص قوة الردع الإسرائيلية، فإن مؤشرات شن حرب واسعة النطاق عليها عام 2023 مرتفعة.
لكن تآكل ردع الكيان الصهيوني وتراجع موقعه الاستراتيجي، ناتج عن عدد من العوامل الداخلية والخارجية. على الصعيد الداخلي، يواجه الصهاينة أزمةً وانقسامًا سياسيًا كبيرًا، أصبح واضحًا بعد أن غيرت حكومة نتنياهو الهيكل القضائي لهذا الکيان. وتعتبر أحزاب اليسار ومعارضو نتنياهو هذا الإجراء الذي اتخذته حكومته، بمثابة انقلاب على العلمانيين.
كما أن اليمين الإسرائيلي المتطرف لديه مثل هذا الرأي حول جبهة المعارضة، ويعتقد أن اليساريين يدمرون هيكل هذا الکيان. وامتدت حالة الانقسام هذه في المجتمع الصهيوني إلى معظم مؤسسات الکيان، لكن الجيش يعتبر أهم مؤسسة تضررت بشدة من الانقسام والخلافات بين اليسار واليمين في الکيان، وذلك جيش اعتقد الصهاينة أنه الداعم الأكبر لهم.
أدت الخلافات والانقسامات بين المؤسسات السياسية والعسكرية في الکيان الإسرائيلي، والتوتر في العلاقة بين المسؤولين وجيش هذا الکيان، إلى تراجع ثقة المستوطنين في الجيش، وخاصةً بعد أن انضم عدد كبير من ضباط وجنود سلاح الجو الإسرائيلي رفيعي المستوى إلى الاحتجاجات ضد نتنياهو وحكومته.
كما أدى استمرار الاحتجاجات في الأراضي المحتلة ضد نتنياهو وحكومته، إلى انخفاض القوة الاقتصادية والتصنيف الائتماني للکيان الصهيوني، وكان السبب الرئيسي وراء ذلك هو جهود اليمين المتطرف لإجراء تغييرات واسعة في النظام القضائي لهذا الکيان. ونتيجةً لهذا الوضع، ومع هروب المستثمرين من فلسطين المحتلة وسحب كميات ضخمة من الودائع من بنوك الکيان الصهيوني، انخفضت قيمة عملة هذا الکيان أيضًا.
العوامل الخارجية لتآكل الردع الإسرائيلي
لكن على صعيد العوامل الخارجية التي أدت إلى تآكل الردع الإسرائيلي، شهدت البيئة الدولية والإقليمية في الفترة الأخيرة تطورات سياسية وعسكرية واقتصادية عديدة، أثرت على بنية النظام الدولي وغيرت الأدوار والسياسات والائتلافات.
لقد أظهرت الحرب في أوكرانيا وانسحاب أمريكا من أفغانستان، تراجع الهيمنة الأمريكية في العالم وخاصةً في منطقة الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه يتعين على واشنطن أن تقاتل مع منافسين رئيسيين مثل الصين في المجال الاقتصادي.
إضافة إلى ذلك، تعرض الأمريكيون لأزمة داخلية كبيرة منذ رئاسة الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي تفاقمت بعد خروج ترامب من البيت الأبيض.
أيضًا، إضافة إلى انخفاض دعم اليهود الأمريكيين للکيان الصهيوني بعد تولي حكومة نتنياهو السلطة، فإن واشنطن التي كانت تعتبر الداعم الرئيسي والحليف الرئيسي للکيان الإسرائيلي، لا تملك القوة والوقت اللازمين لدعم الکيان في ظل الأزمات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة كما كانت في الماضي.
من ناحية أخرى، لا ينبغي تجاهل الخلافات غير المسبوقة بين الحكومة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية وأعضائها الفاشيين، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش ونتنياهو نفسه.
من جهة أخرى، أدى تقارب دول المنطقة مع بعضها البعض وتحركها نحو حل خلافاتها بعيدًا عن التدخلات الخارجية وإضعاف النفوذ الأمريكي في المنطقة، إلى تراجع عملية تطبيع الدول العربية مع الكيان الصهيوني، حيث توصلت الدول العربية إلى نتيجة مفادها بأنها لا تستطيع أن تتأمل ضمانات أمريكية للدعم العسكري، كما ترى هذه الدول أن الکيان الإسرائيلي لا يملك حتى القوة للدفاع عن نفسه ضد تهديدات المقاومة.
وهذا الوضع أفسد أوراق الکيان الإسرائيلي في المنطقة، وكان الاتفاق بين إيران والسعودية لإعادة العلاقات، ضربةً كبيرةً أخرى للمشروع الصهيوني. لأنه، على الأقل لفترة طويلة، فقد أمل الإسرائيليون في التطبيع مع الرياض.
إن الجيش والاقتصاد والوحدة والحصانة الداخلية والاجتماعية والعلاقات الدولية، وقبل كل شيء التحالف مع أمريكا، هي العناصر الأربعة الرئيسية التي اعتمد عليها الکيان الصهيوني لبقائه.
لكن التطورات التي نشهدها في المرحلة الجديدة، تدل على تراجع قوي في قوة هذه العناصر، وهي قضية أدت إلى تراجع حاد في موقع الکيان الإسرائيلي الاستراتيجي، وهذه القضية تزيد من دافع أعدائه لمواجهة هذا الکيان على عدة جبهات.
لذلك، يواجه الكيان الصهيوني الآن مشكلتي تآكل الردع وتدمير موقعه الاستراتيجي، الأمر الذي يضع هذا الكيان في وضع غير مؤكد في المرحلة المقبلة ويحدّ من خياراته، وخاصةً أن الصهاينة يشعرون الآن بخطر حرب متعددة الجبهات أكثر من أي وقت مضى.