الوقت - ناقشت مجلة الإيكونوميست في مقال لها سبب عدم ثقة الفلسطينيين بالسلطة التي يرأسها محمود عباس وكتبت أن هذه السلطة لم تعد فعالة وفقدت فلسفتها الوجودية.
حيث نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا حول صعود التشكيلات المسلحة بالضفة الغربية التي باتت تطغى على السلطة الفلسطينية، وتحظى بتشجيع الناس لها.
وقالت المجلة إن تزامن شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي هذا العام، كان يجب أن يكون مناسبة تتأمل فيه الأديان الإبراهيمية بالمصير المشترك التي يجمعها. وبدلا من ذلك، فإن النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين مرشح للتصعيد الخطير.
وذكرت أن إسرائيل تعرضت خلال خمسة أيام لهجمات صاروخية أطلقت من غزة ولبنان وسوريا، وكان سبب ذلك هو دخول الشرطة الإسرائيلية المسجد الأقصى واحد من الأماكن المقدسة لدى المسلمين، وكشفت تسجيلات الفيديو عن ضرب الشرطة للمصلين داخل المسجد، في وقت رمى الفلسطينيون القنابل الحارقة عليها.
وتؤكد المجلة أنه وسط كل هذا كان هناك طرف غائب بشكل ظاهر: السلطة الوطنية الفلسطينية التي أنشئت قبل 30 عاما بعد توقيع اتفاقيات أوسلو كإدارة مؤقتة تقود الفلسطينيين إلى الدولة. ولكن المؤسسة التي يترأسها اليوم محمود عباس، 87 عاما لم تعد مهمة وهي علامة أخيرة على العملية السلمية المحتضرة، فهي غير ديمقراطية وغارقة بالفساد، وفقدت الصلة مع الفلسطينيين.
وكان هذا واضحا للعيان في العام الماضي عندما اعتقلت قوات الأمن الفلسطينية مصعب اشتية، ممول لحماس بمدينة نابلس في الضفة الغربية. وأدى اعتقاله لأعمال عنف في نابلس مطالبة بالإفراج عنه من الاعتقال الفلسطيني، ولم يلاحقهم الجنود الإسرائيليون، بل قوات الأمن الفلسطينية.
وتعلق المجلة أن شرعية السلطة الوطنية قامت منذ البداية على كونها شريكا في العملية السلمية التي كانت تعني إقامة دولة فلسطينية إلى جانب "الدولة اليهودية"، ولكنها اليوم تواجه أزمة وجودية بسبب تجمد العملية منذ عقد.
وأشارت دراسة أعدها مركز استطلاعات فلسطيني بارز يديره خليل الشقاقي ووجدت أن نسبة 54% من الفلسطينيين، قالوا ولأول مرة إن انهيار أو حل السلطة في مصلحتهم.
وترى المجلة أن هناك عدة أسباب تشير إلى فقدان الفلسطينيين الثقة بالسلطة، وأهم سبب هو عجزها عن الرد على استمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، كما ولم تكن السلطة قادرة على حماية الفلسطينيين من العنف الذي يمارسه المستوطنون الذين يعيثون فسادا في داخل البلدات والحقول الفلسطينية ويدمرون البساتين والكروم.
وزاد العنف العام الماضي وتصاعد بعد عودة بنيامين نتنياهو في كانون الأول/ديسمبر كرئيس للوزراء وبدعم من الأحزاب المتطرفة، بمن فيها أحزاب يقودها دعاة التفوق اليهودي.
وتقوضت مصداقية السلطة أكثر عندما قامت إسرائيل بمداهمات في مناطق ألف التابعة لها، أي المدن الفلسطينية المفترض أنها واقعة تحت سيطرة قوات الأمن الفلسطينية.
وتقول المجلة إن الكثير من الفلسطينيين استسلموا ومنذ انهيار محادثات السلام إلى فكرة تحول السلطة من مبشر بالدولة الفلسطينية إلى بلدية مفخمة مهمتها فقط هو تقديم الخدمات الاساسية.
وحتى هذا الدور باتت تفشل في أدائه، فالخدمات العامة شبه مشلولة نظرا للإضرابات بشأن الرواتب، فالمدارس في الضفة الغربية لم تعمل إلا بالقدر اليسير منذ إضراب 20.000 مدرس عن العمل بداية شباط/فبراير وتعاني المستشفيات من نقص الأدوية الضرورية.
ونقلت عن رجا الخالدي، من معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني القول إنه “لم تعد السلطة قادرة على الوفاء بالتزاماتها”. و “هذا نوع من الانهيار إن لم يكن انهيارا ماديا”.
ويرد المسؤولون الفلسطينيون أن الاحتلال الإسرائيلي يصعب مهمتهم في الحكم، وهناك مشكلة المال وتعليق إسرائيل لأربعة مليارات شيكل (1.1 مليار دولار) من موارد الضريبة التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة.
وتقول المجلة إن إسرائيل ترد بأن السلطة الوطنية لم تف بالتزاماتها للحفاظ على السلام وبأنها تدفع رواتب لعائلات منفذي عمليات ضدها. لكن عضو حراك المعلمين يوسف جحا يقول إن المسألة ليست في الرواتب، بل هي أزمة ثقة بالسلطة.
وتشير المجلة إلى أن مشاكل الميزانية وتداعي قدرات السلطة الإدارية تؤثر على الأمن والقوات الأمنية أيضا.
وقال ضابط بارز إن حوالي 2.500 عنصر من عناصر قوات الأمن البالغ عددهم 83.000 عنصر لا يحضرون لممارسة واجباتهم لأنهم يحاولون دعم رواتبهم بأعمال في قطاع البناء أو الفنادق في إسرائيل. ويمكن أن يحصل الجنرال على راتب 12.160 شيكلا أما العناصر في الصفوف المتدنية فلا يحصل الواحد منهم إلا على 1.900 شيكل، وبالمقارنة يحصل العامل اليدوي في إسرائيل على 9.000 شيكل في الشهر.
وفي الأشهر الأخيرة، فقدت السلطة السيطرة على ما يبدو في الضفة الغربية، حيث ظهرت جماعات مسلحة في نابلس وجنين مثل عرين الأسود. وتعرضت السلطة لضغوط دولية كي تعيد السيطرة على نابلس وجنين، وهي في مأزق، فلو أرسلت قواتها كما فعلت في العام الماضي في حالة اشتية، فستواجه خطر خسارة المزيد من شرعيتها في عيون الفلسطينيين. ولو لم تفعل فمن المحتمل تدخل إسرائيل وبنتائج قاتلة.
ويعارض الجيل القديم العودة للعنف لأنه سيكرر انتفاضة مثل الانتفاضة الثانية التي قتل فيها أكثر من 3.000 فلسطيني و1.000 إسرائيلي. ولكن المواقف تتغير، فحسب استطلاع أجراه الشقاقي الشهر الماضي وجد أن 54% من الفلسطينيين يعتقدون أن العنف هو الطريق الوحيد لإنهاء الاحتلال، ودعمت نسبة 68% تشكيلات مثل “عرين الأسود” التي لا تسيطر عليها السلطة.
ومع كل حدث ميداني أو سياسي جديد تبدو السلطة الفلسطينية أنها تزداد ضعفا وحرجا على نحو أكبر مما مضى.
ويرى مراقبون أن الاعتداءات الإسرائيلية المتصاعدة في الضفة الغربية والقدس المحتلة وقطاع غزة في السنوات الأخيرة، ظهرت وكأنها معيار لقياس مدى ضعف السلطة وتراجع مكانتها، لدرجة تعاظم التساؤل لدى الشارع الفلسطيني "هل ما يجري دليل على تلاشى السلطة تدريجيا؟.
دفع خطاب السلطة وسلوكها الباردين تجاه الأحداث الأكثر سخونة في القدس والضفة منذ سنوات طويلة إلى نقمة من قبل الناس نحو السلطة، وشكلت سياسات السلطة وأساليبها دليلا لدى الناس بأن السلطة لا ترغب بالإضرار بمصلحة قياداتها وامتيازاتها في رام الله؛ الأمر الذي خلق مسافة كبيرة بين القيادة والشعب، بل تزداد يوميا لدرجة الإحباط الكبير.
ختاماً يمكن القول إن الوقائع المتسارعة في الضفة والقدس وفي أراضي-48 مرورا بصواريخ غزة ولبنان، تدلل على أن السلطة على هامش الأحداث وليست طرفا فيما يجري.