الوقت - قبل توصل مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة خلال الأسابيع المقبلة إلى تقرير حول نزاع الصحراء الغربية، قررت الأمم المتحدة استئناف إرسال مساعدات غذائية وإنسانية الى مخيمات تندوف أقصى جنوب غرب الجزائر لمساعدة اللاجئين الصحراويين وجبهة البوليساريو.
وكانت عودة جبهة البوليساريو الى الحرب واستئناف العمليات ضد قوات الجيش المغربي خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 قد دفعت بالأمم المتحدة الى تجميد إرسال المساعدات الإنسانية الى مخيمات تندوف، حيث يعيش عشرات الآلاف من الصحراويين اللاجئين ويعتمدون في حياتهم على المساعدات الدولية من المنظمات والدول الأوروبية، ويبدو أن الأمم المتحدة حصلت على ضمانات بعدم التعرض لقوافلها.
وكان الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دو جاريك قد أكد نهاية الأسبوع الماضي “سترسل الأمم المتحدة في أقرب وقت ممكن قافلة برية محملة بإمدادات لبعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، والتي ستجرى لأول مرة منذ عام 2020”.
واستطرد إنه “تم التوصل إلى اتفاقات لإرسال قافلة جديدة في أسرع وقت ممكن”، قبل أن يشير إلى أن المينورسو أجرت “مناقشات مع الأطراف” لمعالجة القضايا المتعلقة بتسليم الإمدادات إلى “الخوذ الزرقاء” المنتشرين إلى الشرق من الجدار الرملي الفاصل في الصحراء".
وتريد الأمم المتحدة التخفيف من معاناة الصحراويين في مخيمات تندوف باستئناف إرسال المساعدات الإنسانية، وتنشيط دورها في حل النزاع القائم بين المغرب وجبهة البوليزاريو المدعومة من طرف الجزائر، ومن شأن هذه المساعدات إعادة ثقة البوليزاريو في الدور الأممي بعدما انتقدت الجبهة الأمم المتحدة بشدة خلال السنوات الأخيرة.
وأعلنت روسيا، رئيسة مجلس الأمن الدولي لشهر أبريل، الاثنين، عن برمجة جلسة واحدة مغلقة مخصصة لمناقشة تطورات قضية الصحراء.
ووفقا لجدول أعمال مجلس الأمن الدولي المعلن عنه، والقابل للتغيير أيضا، فقد تمت برمجة جلسة لبحث نزاع الصحراء يوم الأربعاء، الموافق لتاريخ 19 أبريل، إذ سيقدم خلالها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لنزاع الصحراء، ستافان دي ميستور، إحاطة أمام أعضاء المجلس، يثير فيها آخر التطورات ومساعي الأمم المتحدة لإعادة إحياء العملية السياسية للنزاع، تلك المتوقفة منذ استقالة المبعوث السابق، هورست كولر.
ومن المنتظر أن يحيط ستافان دي ميستورا، أعضاء مجلس الأمن الدولي، بدور وعمل بعثة الأمم المتحدة في الصحراء “مينورسو”، والإكراهات التي تواجهها، ووجوب تجاوزها من أجل تنفيذ ولايتها، ومراقبة إتفاق وقف إطلاق النار الموقع برعاية أممية سنة 1991، فضلا عن بسط مخرجات مشاوراته غير الرسمية التي أجراها بمعية المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة البوليساريو، وكذا أعضاء مجموعة “أصدقاء الصحراء الغربية” بمجلس الأمن، كل من إسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا وبريطانيا.
وتأتي الجلسة المغلقة المخصصة لقضية الصحراء، تنفيذا لمقررات قرار مجلس الأمن رقم 2654، الذي مدد الولاية الانتدابية للبعثة إلى غاية أكتوبر 2023، والصادر في أكتوبر الماضي، والذي ينص على وجوب تقديم إحاطة أمام أعضاء المجلس كل ستة أشهر، يُخطرهم فيها الأمين العام للأمم المتحدة، أو مبعوثه الشخصي بتطورات الملف.
كما يأتي هذا الاجتماع بشأن القضية الصحراوية، بعد سلسلة المشاورات غير الرسمية التي كان قد أجراها المبعوث الأممي الأسبوع الماضي مع مختلف الأطراف، حيث ناقشت وجوب استئناف العملية السياسية للنزاع القائم وتجاوز العراقيل المطروحة في سبيل إيجاد تسوية سياسية عادلة ودائمة ومقبولة للملف.
و في هذا الاطار، أجرى دي ميستورا مشاورات مع ممثل جبهة البوليساريو بالأمم المتحدة والمنسق مع بعثة المينورسو، سيد محمد عمار بنيويورك.
و تناولت النقاشات واقع ومستقبل عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في الصحراء الغربية، حيث جدد سيد محمد عمار للمبعوث الشخصي للأمين العام، موقف جبهة البوليساريو بخصوص هذه المسألة والقضايا الأخرى ذات الصلة، مشددا على أن "الحل السلمي والعادل والدائم لقضية تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية لا يمكن أن يتم إلا على أساس الاحترام الكامل لحق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف ولا للمساومة ولا للتقادم في تقرير المصير والاستقلال".
وفي السياق، أكد سيد محمد عمار أن رسالة الشعب الصحراوي هي "الرفض القاطع لسياسة الأمر الواقع وللحلول الخارجة عن إطار الشرعية الدولية"، مشددا على أنه من شروط تحقيق السلام في المنطقة وتصفية الاستعمار من آخر مستعمرة في افريقيا، "توفر الإرادة السياسية الحقيقية لدى الاحتلال المغربي".
واندلع نزاع الصحراء الغربية سنة 1975 بعدما خرجت إسبانيا من المنطقة بعد اتفاق مع المغرب، ولم يشهد طريقه للحل بعد مرور قرابة خمسة عقود، ويعد من أقدم النزاعات التي تشرف عليها الأمم المتحدة ولم تحقق فيها تقدما سوى هدنة من 1991 الى 2020.
فيما يركز المغرب على بحث مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به، وإشراك الجزائر في الموائد المستديرة التي تناقش الحل، وهو ما ترفضه الجزائر، ومن جهتها، تصر حركة البوليزاريو على نقاش يقتصر على استفتاء تقرير المصير.
ولقد خُلق الانطباع لدى المغاربة، بفعل الضخ الإعلامي الكثيف، أن المغرب سيتمكن، بدعم أمريكي، وبمساندة من اللوبي اليهودي المغربي، من طرد "الجمهورية الصحراوية" من الاتحاد الإفريقي، وتضخَّم الحلمُ لدى الكثيرين، إلى درجة صاروا يتوهمون أن أمريكا قد تبادر إلى تصنيف البوليساريو حركة إرهابية.
لكن حين تصف الخارجية الأمريكية البوليساريو في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب لسنة 2022، بأنها حركةُ تحرير، فهذا يعني أن واشنطن تنصلت من الالتزامات التي أبرمتها مع المغرب في الاتفاق الثلاثي، ويعني اعترافا أمريكيا ضمنيا بالبوليساريو، وبأنها طرف معني بما يجري في الصحراء، وقد يكون هذا الاعتراف مقدمة لبدء حوار أمريكي معها، يكرسها حالة تفاوضية قائمة، يتعين الركون إلى رأيها في كل قرار يُتخذ في ملف الصحراء المغربية.
وبطبيعة الحال، فإنها بتصنيفها، البوليساريو، حركة تحرر، لا تبغي واشنطن الإنصاف، وإحقاق الحق، فأمريكا لا ترعى ولا تروج إلا للباطل، وقد لا تكون تخطط لدعم انفصال الصحراء عن المغرب، وإنشاء دويلة في جنوبه تصبح تابعة للجزائر وتحت نفوذها، واشنطن تنفذ السياسة المرسومة للمنطقة، وفقا لما تقتضيه المصلحة الأمريكية العليا، بعيدا عن مصلحة الدولتين معا، المغربية ونظيرتها الجزائرية، وواهم من يتصور، سواء كان مغربيا أو جزائريا، أن أمريكا ستسنُّ سياسة في المنطقة تكون لصالحه، وليس لفائدتها.
الإدارة الأمريكية لا تريد لملف الصحراء الغربية أن يطوى ويركن في الزاوية، إنها مع استمراره جرحا غائرا يستنزف طاقات دول وشعوب المغرب العربي ، فلو كانت أمريكا تريد لهذا المشكل أن يُحلَّ لفائدة المغرب أو الجزائر، لكانت قد ضغطت من أجل حله، في الاتجاه الذي تريده.