الوقت - في الوقت الذي يستمر فيه قطبا القوة في اقليم كردستان العراق في التمسك بمواقفهما المتصلبة تجاه بعضهما البعض، تراجعت قدرة الآليات السابقة على ادارة شؤون الإقليم وحل الأزمات الداخلية، ما يثير التساؤل: هل استمرار الخلافات سيؤدي إلى تقسيم الإقليم إلى إدارتين مستقلتين أم لا؟
ويسيطر الحزب الديمقراطي بقيادة مسعود بارزاني على محافظتي أربيل ودهوك فيما يسيطر الاتحاد الوطني بزعامة بافل طالباني نجل الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني على محافظة السليمانية.
ومن اهم محاور الخلافات بين قطبي القوة في اقليم كوردستان العراق هو تعديل قانون الانتخاب ومعادلة جميع المداخيل المالية وكذلك المشاركة الحقيقية في ادارة الحكم الذاتي. وفي آخر قضية من هذه الخلافات، قبل شهرين، رفض نائب رئيس وزراء إقليم كوردستان، قوباد طالباني، المشاركة في اجتماعات مجلس الوزراء احتجاجًا على ما وصفه بـ "احتكار" الحزب الديمقراطي للسلطة. يشغل الاتحاد الوطني مناصب مهمة في مجلس الوزراء المحلي في أربيل (بما في ذلك نائب رئيس الوزراء ونائب رئيس الإقليم ورئيس البرلمان ووزراء التخطيط والبشمركة والتعليم العالي).
تدور الخلافات الرئيسية بين الطرفين حول التخفيض الكبير في الميزانية من قبل حكومة إقليم كردستان، ما تسبب في عدم قدرة المناطق الخاضعة لسيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني، مثل السليمانية، حتى على دفع رواتب الموظفين في الحكومة وقوات الأمن.
كما أن الفارق بين الحزبين لم يخل من أبعاد تاريخية وأيديولوجية. حيث يلتزم الحزب الديمقراطي بنهج ليبرالي، بينما يتبنى الاتحاد الوطني مقاربة اشتراكية ديمقراطية.
والآن، يتهم الحزب الديمقراطي منافسه بمحاولة الابتزاز بالانسحاب من الحكومة المحلية، وأعلن بدء مفاوضات بين وفدي الجانبين لتقليص الخلافات اعتبارًا من يوم السبت هذا الاسبوع.
وكان يشتران صادق عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي قد أعلن الخميس الماضي، أن الحزبين (الديمقراطي) ويكيتي (الاتحاد الوطني) يعتزمان عقد اجتماع يوم السبت.
وقال في بيان صحفي: إن المشاكل بين حزبه والاتحاد الوطني الكوردستاني امنية وادارية ومالية ولن تحل عبر الهاتف. سنلتقي مع جميع الأطراف [في السليمانية]، بما في ذلك الاتحاد الوطني الكردستاني.
من ناحية أخرى، تظهر تقارير إعلامية محلية أن الأحزاب الكردية تتعرض لضغوط من الولايات المتحدة ومندوب الأمم المتحدة لإيجاد طريقة لإنهاء الخلافات من خلال المفاوضات.
التقى الدبلوماسي الأمريكي بريت ماكغورك بقادة الحزبين الكرديين في إقليم كوردستان الأسبوع الماضي لحل الخلافات بين الطرفين. وكما حدث في "اتفاق واشنطن" عام 1998، انتهت الحرب الأهلية في الإقليم بوساطة البيت الأبيض، وخرجت منها اتفاقية الحكم المشترك.
لكن المراقبين السياسيين يشككون في قدرة الخطط المقترحة على إصلاح الفجوات القائمة بين التيارات السياسية في الإقليم لأن المبادرات السابقة فشلت أيضًا في إنهاء المأزق الحالي. ويُخشى الآن أن يؤدي تمسك الحزب الديمقراطي بإجراء انتخابات دون الاستجابة لمطالب الاتحاد الوطني، إلى مقاطعة الانتخابات من قبل الاتحاد، الأمر الذي لن يقاطع العملية الانتخابية فحسب، بل قد يستمر في تهديده بالخروج من الحكومة، وهي تطورات تشير إلى مزيد من انفصال السليمانية عن أربيل.
بل يبدو أنه على الرغم من الجهود العديدة التي تبذلها الأحزاب الداخلية والجهات الأجنبية (خاصة الغربية) لتخفيف حدة التوتر بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، فإن خطر عودة نظام القسمين والتفكك السياسي والقانوني يزداد في حكومة إقليم كردستان.
ازدواجية الإقليم في الطعن في أمر المحكمة الفيدرالية
كانت الأزمة المالية الناجمة عن العجز الحاد في الميزانية أحد الأسباب الرئيسية لتشكل خلافات بين الأحزاب الكردية حول توزيع موازنة الحكومة المحلية في السنوات الأخيرة.
في غضون ذلك، يأمل الحزب الديمقراطي، بصفته الفصيل الرائد في البرلمان والحكومة الإقليمية، في الحصول على حصة تتراوح بين 12 و14 بالمئة من الميزانية من خلال المفاوضات مع الحكومة المركزية لحل الخلافات، وخاصة حول الاستخراج والتصدير، والعائدات النفطية للإقليم.
واجه العراق زيادة حادة في الدخل الأجنبي بسبب ارتفاع أسعار النفط العالمية في العام الماضي. وحسب الإحصائيات، فقد باعت هذه الدولة، وفق معاملات الأحد عشر شهراً الماضية، 3 ملايين و11812 برميل نفط يومياً، مع الأخذ في الاعتبار أن متوسط سعر برميل النفط للحكومة هذا العام بلغ نحو 96 دولاراً، لذا ويقدر اجمالي دخل العراق النفطي في العام بأكمله بنحو 116 مليار دولار.
إلا أنه في حالة كان قادة أربيل يأملون في نتيجة جولات عدة من المفاوضات مع بغداد، وجه حكم المحكمة الفيدرالية العراقية بأنه من غير القانوني إرسال موارد مالية من الموازنة العامة إلى حكومة الإقليم ضربة قاسية إلى آمال الأكراد، فبعد ساعات قليلة على قرار المحكمة، هاجم مسعود بارزاني، الرئيس السابق لإقليم كوردستان، المحكمة الاتحادية العراقية ووصف قرار المحكمة بالموقف "المعادي".
من ناحية أخرى، فإن سلطات أربيل التي تجد نفسها في مأزق صعب، تهدد ضمنيًا بالانسحاب من ائتلاف "إدارة الحكومة"، ونتيجة لذلك، تنهار حكومة السوداني، لإجبار الحكومة العراقية على مقاومة حكم المحكمة الفيدرالية.
المشكلة الرئيسية هي انتهاك الحقوق والمبادئ. الكل يعلم أن مشاركتنا في ائتلاف الإدارة الحكومية وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة كان على أساس برنامج واضح ومفصل تم الاتفاق عليه بين جميع الاطراف.
وفي السياق ذاته، رأى نيجيرفان بارزاني، رئيس إقليم كردستان، أيضًا في قرار المحكمة الاتحادية استهدافاً للعملية السياسية والاتفاق السياسي الذي تم على أساسه تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
وقال في بيان: "قرار المحكمة غير عادل إطلاقا، ولا يستهدف هذا القرار فقط أصحاب الرواتب والمواطنين في كردستان العراق، بل يستهدف أيضًا العملية العامة والاستقرار السياسي والاتفاق الذي تم على أساسه تشكيل الحكومة الفيدرالية الجديدة للعراق.
واضاف: ان العراق مر بعملية سياسية طويلة ومعقدة وغير مستقرة حتى انبثقت اخيرا حكومة في بغداد، والتي تمنى منها الشعب العراقي مرحلة استقرار ومستقبل أفضل. كل التوقعات كانت أن المحكمة الاتحادية العليا في العراق ستحمي مصالح جميع مناطق العراق وتراعي الظروف السياسية وألا تصبح أداة لتخريب الفرصة والأجواء الإيجابية التي خلقت لحل مشاكل أربيل وبغداد وعدم تعريض الاستقرار السياسي في العراق للخطر!
من ناحية أخرى، فإن الفصائل الأخرى الشريكة في ائتلاف الإدارة الحكومية لها وجهة نظر مختلفة عن قادة أربيل فيما يتعلق بحكم المحكمة الاتحادية. وانتقدت عالية ناصيف ممثلة ائتلاف "حكومة القانون" موقف حكومة كردستان من هذا القرار واعتبرت قرار المحكمة الاتحادية تحقيقا لـ "العدالة الاجتماعية".
وقالت في بيان صحفي: "فوجئنا بازدواجية حكومة الإقليم في التعامل مع حكم المحكمة الاتحادية التي أصدرت قبل أيام قرارات تنصف أصحاب الرواتب في الإقليم. هل تصبح سياسية عندما تصدر المحكمة قراراتها لصالح الشعب العراقي؟
كما دعا قيس الخزعلي أمين عام عصائب أهل الحق إلى احترام قرارات القضاء والالتزام بها. وكتب في تغريدة: نؤكد أن القضاء ركن من أركان بلد العراق ونطالب بضرورة احترام قراراته والالتزام بها ونرفض أي انتهاك لقراراته ومؤسساته. "
في غضون ذلك، عارض وليد السهلاني ممثل ائتلاف فتح - أحد أبرز المنظمات في إطار التنسيق - رد الفعل الكردي، واصفا المحكمة الفيدرالية بـ "صمام الامان" للبلد الذي يحافظ على الديموقراطية ووحدة العراق وشعبه.
في مثل هذه الحالة، يبدو أن التهديد بتعطيل الملعب السياسي لن يكون حلاً لقادة إقليم كردستان العراق، والوضع السياسي للإقليم الكردي في شمال العراق يغرق أكثر فأكثر في الأزمة مع استمرار الخلافات وارتباك القادة للرد على المظالم الاقتصادية والاجتماعية.