الوقت - تظهر أبو ظبي نفسها منذ فترة كفاعل نشط وقريب من جهاز السياسة الخارجية السورية في دمشق.
قبل أقل من شهر، استقبل الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق الشيخ عبد الله بن زايد بن سلطان آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات، حتى يظهر الجانبان أنهما في حقبة جديدة من العلاقات الحميمة والوثيقة.
وتأتي هذه العلاقات الوثيقة في الوقت الذي حذر فيه السناتور الأمريكي جيم ريش الإمارات في 6 يناير 2023، أي قبل يوم واحد من زيارة وزير الخارجية الإماراتي لسوريا، في تغريدة على تويتر حول توثيق العلاقات مع الحكومة السورية. لكن يبدو أن أمريكا تکتفي فقط بالتحذير، وقد لا تكون مهتمةً باتخاذ إجراءات فعلية ضد الإمارات كحليف لها.
في العامين الماضيين، حاولت بعض الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة، مثل الإمارات، العودة إلى ساحة اللعب في سوريا، وفي هذا الصدد تظهر نفسها على أنها من الأصدقاء المقربين لبشار الأسد.
هذا بينما كان حلفاء أمريكا العرب، مثل الإمارات وقطر والسعودية والبحرين، خلال سنوات الحرب الأهلية السورية من عام 2011 فصاعدًا، قدموا أكبر قدر من الدعم للجماعات المسلحة المعارضة للحكومة، لكن خلال العامين الماضيين انتقلوا لتغيير مسارهم من العداء إلى التقارب مع دمشق.
من ناحية أخرى، ورداً على تقارب الدول العربية مع سوريا، وبالاستناد إلى خطتها للعقوبات المعروفة بقانون قيصر، والتي تتضمن فرض عقوبات على دول وشخصيات لها علاقات وثيقة مع الحكومة السورية، يمكن لواشنطن اتخاذ إجراءات ضد حكومة الإمارات، لكن الأمريكيين اکتفوا حتى الآن بالتحذيرات الشفهية فقط، لأن واشنطن تعلم أنها إذا أرادت معاقبة الإمارات بسبب قربها من سوريا باستخدام خطتها الخاصة أي خطة قيصر، تکون قد اتخذت بالفعل خطوةً نحو إبعاد الإمارات، وستكون تكلفة ذلك أعلى بكثير بالنسبة لواشنطن.
لذلك، يفضل الأمريكيون الاكتفاء بالتحذيرات الشفوية فقط بشأن قرب الإمارات من سوريا، وعمليًا فإن خياراتهم محدودة جدًا للعمل ضد حلفائهم.
أداة المساومة
إن استمرار العلاقات الوثيقة بين الإمارات وسوريا، على الرغم من التحذيرات العديدة من المسؤولين الأمريكيين، يظهر أن الإمارات لا تنوي تقليص علاقاتها مع دمشق.
يعتقد أندرياس كريج، الأستاذ المشارك في قسم الدراسات الدفاعية في جامعة كينغز كوليدج البريطانية، أن التقارب المستمر بين أبو ظبي ودمشق، على الرغم من تحذيرات الولايات المتحدة، يشير إلى أن الإماراتيين يحاولون إقامة علاقات وثيقة مع دمشق كأداة مساومة ضد الولايات المتحدة.
بالطبع، يشير كريج أيضًا إلى أن الإمارات ومن خلال علاقات وثيقة مع سوريا، تحاول تعزيز موقعها كقوة وسطى في المنطقة. بالنسبة لأبو ظبي، تتمتع سوريا بميزة التواصل الشبكي. بمعنی أن علاقات الإمارات الوثيقة مع سوريا، ستعزز في الوقت نفسه مكانة الإمارات بين الكتلة المناهضة للغرب والمناهضة للکيان الإسرائيلي في المنطقة.
على مدى العامين الماضيين، اتُهمت الإمارات بالتسوية مع تل أبيب وإهمال حقوق الفلسطينيين من خلال تطبيع علاقاتها مع تل أبيب. ولكن الآن بعد أن أصبحت الإمارات أقرب إلى سوريا، فإنها تأمل في تعزيز موقعها في كتلة الدول المعارضة لتل أبيب في المنطقة. وسوريا من الدول الرائدة في المنطقة ضد تل أبيب، وستقدم هذه الميزة للإماراتيين.
خوف شيوخ العرب من التهميش في سوريا
كما يحاول الإماراتيون إظهار أنفسهم كدولة عربية رائدة في سوريا بعد الحرب الأهلية، ولهذا السبب فإن الإمارات ليست على استعداد لتقليص حجم علاقاتها مع دمشق.
بالطبع، ليست قضية الدول العربية وحدها هي التي جذبت الإمارات إلى سوريا. بل إن أبو ظبي وحتى شيوخ عرب آخرين في المنامة والبحرين وحتى الرياض، يعرفون أنهم بسبب دعمهم للمتمردين والميليشيات المسلحة في السنوات الماضية، فقد خسروا اللعبة أمام إيران وروسيا، اللتين بقيتا مع الحكومة المركزية في سوريا حتى النهاية. ولذلك، يشعر شيوخ الخليج بنوع من التهميش أمام العلاقات الوثيقة جدًا بين طهران ودمشق وموسكو.
تحاول الإمارات أن تجد مكانتها السابقة في سوريا الآن حيث يتجه الوضع في سوريا نحو التطبيع، والجهود ذاتها يتبعها البحرينيون في المنامة أيضًا. حتى القطريون في الدوحة، بعد تليين موقف تركيا تجاه بشار الأسد، لم يعد لديهم مواقف الماضي العنيدة ضد سوريا، والشيخ تميم ينتظر الوقت والفرصة المناسبة للعودة إلى سوريا.
کما أعلنت إذاعة أوروبا العام الماضي، نقلاً عن مصادرها، عن جهود المسؤولين بين السعودية وحكومة بشار الأسد لإعادة العلاقات. وفي هذا الوضع، تعرف الإمارات أن جيرانها العرب الآخرين يتجهون نحو تطبيع الوضع مع السوريين، وبالتالي فهي تحاول استعادة موطئ قدمها في التطورات في سوريا في وقت أسرع من بقية شيوخ الخليج الفارسي.
ولذلك، ليس من المستغرب أن الإمارات قررت إعادة فتح سفارتها في دمشق عام 2018، وعادت الشبكات الإماراتية بسرعة كبيرة، وخاصةً في المجالين المالي والتجاري، إلى دمشق مرةً أخرى.
موقف دبي بالنسبة لدمشق
بالطبع، لم تكن الإمارات وحدها هي التي سعت إلى تحسين العلاقات مع حكومة الأسد. فبالنسبة للحكومة السورية، التي تخضع للعقوبات الأمريكية منذ سنوات، فإن عودة الإمارات هي فرصة لشركات الأعمال السورية لتكون موجودةً في دبي كمركز تجاري ومالي رئيسي.
يمكن لميناء دبي، بدوره التجاري والاقتصادي البارز، أن يقدم مساعدةً كبيرةً للحكومة والشركات السورية لتجاوز العقوبات الأمريكية الأحادية الجانب. لذلك، تأمل حكومة بشار الأسد ومن خلال الاستقبال الحار لحكام الإمارات، في إمكانية استخدام الأنشطة الاقتصادية في دبي لتجاوز العقوبات الأمريكية أحادية الجانب.