الوقت- فيما اشتدت الاشتباكات الدامية في جنوب اليمن بين قوات المجلس الانتقالي الموالي للإمارات وقوات "المقاومة الشعبية" الموالية لمجلس وزراء عدن، أفادت وسائل الإعلام عن سقوط ثلاثة قتلى على الأقل في هذا الصراع. وفي الجزء الشمالي من البلاد، أعيد تنشيط الحركات الدبلوماسية مع وصول وفد عماني إلى صنعاء لمنع اندلاع الحرب وإبرام اتفاق جديد لوقف إطلاق النار. وهذه هي الزيارة الثانية للوفد العماني إلى صنعاء الشهر الماضي لإحياء محادثات السلام. وهذه المفاوضات، التي يصفها أنصار الله لتعطيل الجانب السعودي على نطاق واسع في الوفاء بالتزاماته بتحسين الوضع الإنساني ورفع الحصار، تم تهميشها عمليًا في الأشهر الماضية، وساد مناخ تصعيد متجدد للحرب. ولم تُنشر بعد التفاصيل الدقيقة للمقترحات المحتملة التي قدمها الوفد العماني إلى صنعاء، لكن وكالة سبأ للأنباء أفادت بأن العمانيين التقوا بممثلي أنصار الله وعلى رأسهم محمد عبد السلام "لمناقشة آخر التطورات".
وقال السيد عبد السلام: "رحلة الوفد العماني هي استمرار للاجتماعات الأخيرة وبعد ذلك نقلنا العديد من الرسائل". كما أشار مهدي المشاط، رئيس المجلس السياسي الأعلى في اليمن، إلى "الحالة الإنسانية" على أنها "خطوة أولى نحو السلام" في لقاء مع الوفد العماني. وكان الممثلون العمانيون في صنعاء في ديسمبر للمساعدة في إحياء محادثات السلام بهدف إنهاء الحرب، لكن عناد الجانب السعودي في قبول الحد الأدنى من المطالب المشروعة تمامًا للشعب اليمني، وهي تحسين أوضاع حقوق الإنسان وتخفيف ضغوط العقوبات، وخاصة في مجال الدواء والوقود والغذاء، وإطلاق الرحلات الجوية من مطار صنعاء، والانتهاء التام لهجمات التحالف، ودفع رواتب الموظفين من قبل البنك المركزي اليمني، الذي تم نقله إلى عدن، ما تسبب في فشل المفاوضات.
الخوف ينتشر في أروقة الرياض
بعد عدم تجديد سلسلة وقف إطلاق النار التي استمرت شهرين، والتي بدأت قبل عدة أشهر هذا العام واستمرت حتى منتصف سبتمبر، سيطرت حالة لا حرب ولا سلام على المعادلات الميدانية للأزمة اليمنية. وحسب أنصار الله، فإن هذا الوضع يُنظر إليه من جانب واحد لمصلحة الجانب السعودي، لأن كلا العقوبتين مطبقتان على اليمن، كما تمت إزالة ظل التهديد بالهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة على المنشآت النفطية والمدن السعودية، حيث تمكنت الرياض من التعامل بأمان مع التصدير الآمن لنفطها.
وفي هذه الحالة، جعل أنصار الله، خطوة بخطوة، أولاً من خلال التخطيط لهجمات على محطات تصدير النفط في الموانئ الجنوبية للبلاد، وخاصة ميناء الزبح في محافظة حضرموت، من المستحيل عملياً على مجلس الوزراء في عدن مواصلة تصدير النفط، ومن جهة أخرى، في الأيام الماضية، زادت التهديدات ببدء جولة جديدة من عمليات الردع الجديدة في عمق أراضي الدولتين المعتديتين السعودية والإمارات.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلن المجلس السياسي الأعلى بقيادة أنصار الله ومقره صنعاء أن القوات المسلحة "على استعداد تام للتعامل مع أي تهديد لسيادة اليمن". وحذر المجلس في بيان صدر في اجتماع رفيع المستوى من "مخاطر السياسة الحالية المتمثلة في" لا سلام ولا حرب "التي يمارسها التحالف الذي تقوده السعودية، مضيفا إن" الوضع لا يمكن أن يستمر إلى الأبد ". لذلك، فإن التسلسل الزمني للزيارة المفاجئة للوفد العماني إلى صنعاء بموجة تهديدات أنصار الله يظهر أن السلطات السعودية أخذت تحذيرات اليمن على محمل الجد وخوفًا من قلب المعادلات الميدانية وتحمل جولة جديدة من وابل من الصواريخ على منشآتها النفطية، ارسلت الرياض، عمان مرة أخرى للوساطة.
ما لا شك فيه أن سياسة شراء الوقت للسعودية لمواصلة تعطيل القضية الإنسانية ودفع رواتب الموظفين اليمنيين قد فشلت بذكاء قيادات صنعاء، ولن يعود السعوديون قادرين على اللجوء إلى هذا التكتيك لخلق مظلة أمنية لأنفسهم، وفي عام 2023 ستكون أوضاع الحرب في اليمن بالكامل لمصلحة صنعاء. وبمعرفة هذا الوضع، يريد السعوديون أن يظهروا أنهم يؤيدون إنهاء الحرب، لكن هناك بالتأكيد فجوة كبيرة بين توقعات الرياض وصنعاء لتحقيق السلام المنشود.
يحاول التحالف السعودي والأمريكي إبقاء اليمن في حالة "لا حرب ولا سلام" لتقويض الحرب، لكن صنعاء قالت إنها لن تسمح لهذا الوضع بالانتشار في البلاد بل حذرت أمريكا من ذلك. وإذا بدأت العملية العسكرية على نطاق واسع، فإن دخانها سوف يذهب إلى أعين جميع الغزاة. وإذا استهدف أنصار الله مرة أخرى منشآت النفط الإماراتية والسعودية، فإن هذه القضية ستكون مكلفة بالنسبة للغرب. ويواجه الأوروبيون أزمة طاقة بعد الحرب في أوكرانيا، وإذا توقف تصدير النفط من مشيخات الخليج الفارسي إلى الأسواق العالمية، فإن أسعار ناقلات الطاقة سترتفع وسيضطر الغربيون إلى دفع ثمن باهظ لشراء نفط.
لذلك، اتخذت المملكة العربية السعودية، خشية تحذيرات أنصار الله، خطوات لرفع المستوى الأمني لمنشآتها النفطية. وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة الدفاع السعودية عن إجراء تمرين بحري مشترك لمدة خمسة أيام في قاعدة الملك عبد العزيز البحرية لحماية منشآت أرامكو النفطية، حيث تم تنفيذ عمليات كسح ألغام ومحاربة طائرات مسيرة وزوارق غير مأهولة. والغرض من هذا التمرين هو تحسين جاهزية جميع الوحدات المشاركة، وزيادة التنسيق للعمل المشترك، وتحسين مستوى التنسيق وتبادل المعلومات بين هذه الوحدات. واستهدفت جماعة أنصار الله أرامكو مرتين ووجهت ضربات شديدة للسعوديين، ولن تؤدي مثل هذه التدريبات العسكرية في أي مكان إلى زيادة أمن هذه المنشآت، لأن صنعاء اكتسبت قدرات عديدة في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة التي ستستخدم ضد الأعداء إذا لزم الأمر.
طرد الأمم المتحدة والجهات الهامشية
واجهت الجولة الجديدة من محادثات وقف إطلاق النار تطوراً مهماً، وهو استبدال عُمان كوسيط بدلاً من ممثل للأمم المتحدة. ومن المؤكد أن المواقف غير المبدئية وغير المتوازنة لتمثيل الأمم المتحدة في شؤون اليمن خلال السنوات الماضية خلقت هذا الرأي والتصور بين شعوب وقيادات اليمن بأن هذه المنظمة لعبت دورًا في تمثيل خطط وأهداف اليمن لصالح الجانب المعادي والولايات المتحدة في المفاوضات ولذلك، فإن الأمل في أن تلعب هذه المنظمة دورًا في حل الأزمة مع حماية المصالح الوطنية لليمن هو توقع لا طائل من ورائه. وخلافًا لواجبه الأصيل والأساسي، فقد فشلت هذه المنظمة حتى في إجبار الجانب السعودي على احترام حقوق الإنسان للشعب والمدنيين في الحرب لمنع استمرار الأزمة الإنسانية، لكنه دأب على إدانة الجيش اليمني الشرعي والرادع ضد المعتدين. ويقال إن السبب الرئيسي لتأجيل رحلة هانز جروندبرج إلى اليمن هو أن صنعاء لم ترحب بهذه الرحلة. ومع ذلك، التقى وزير الخارجية العماني سيد بدر البوسعيدي مع الممثل الخاص للأمم المتحدة في مسقط الأربعاء الماضي قبل زيارة الوفد العماني إلى صنعاء.
الآن، مع تهميش الأمم المتحدة في المفاوضات وأخذها دورًا ثانويًا في هذه العملية، فإن الجهات الفاعلة في المعادلات الميدانية، مثل حكومة عدن الضعيفة، ستنسحب أيضًا من المرحلة الرئيسية للمفاوضات، وفي الواقع، سوف تتفاوض أنصار الله بشكل مباشر مع المملكة العربية السعودية.
