الوقت- كشفت منظمة دولية عن معدلات فساد خطيرة في مؤسسات السعودية وخاصة الأمنية وسط تورط لأمراء وكبار المسؤولين. وتستر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على فساد فرعين من الأسرة الحاكمة بينما يستهدف فروعاً أخرى تحت شعار ما تسمى محاربة الفساد. يؤكد ذلك المرتبة المتدينة للسعودية في مؤشر مكافحة الفساد لعام 2021 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، إذ تحل السعودية في المرتبة الـ52 عالمياً بـ53 درجة في معايير الشفافية.
وحسب موقع Intelligenceonline إنه بالنظر إلى الحالات التي تم كشفها رسميا، يبدو أن عمليات “التطهير التي يُفترض أنها مدفوعة بجهود مكافحة الفساد تستهدف الآن فقط عشائر معينة. وأشار الموقع إلى أن التحقيقات التمييزية التي تجري بأوامر من محمد بن سلمان تستهدف حاليا فقط الوكلاء التجاريين المقربين من الملك السابق عبد الله بن عبدالعزيز وولي العهد السابق محمد بن نايف.
وقالت منظمة مكافحة فساد الحكومات الدولية “Government Defence Integrity “إن هناك تنام للفساد في مؤسسات السعودية مع تفشي ظواهره على نحو كبير في عهد الملك سلمان ونجله ولي العهد محمد. و الشواهد كثيرة على أن ولي العهد محمد بن سلمان يستخدم هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعودية المعروفة باسم “نزاهة”، كأداة لتعزيز سلطاته وخدمة نظامه الاستبدادي. وأشارت إلى أن السعودية تحاول التغطية على هذه الفضائح التي ذاع صيتها من خلال الإعلان عن توقيف بعض المسؤولين والضباط والكبار. ونوهت إلى أن السعودية تفقد مبالغ مالية طائلة بسبب هذه المؤشرات من خلال الرشاوى واستغلال النفوذ والاختلاسات.
ويتوالى الإعلان عن اعتقالات على خلفية مكافحة الفساد في السعودية دون تقديم أي تفاصيل تقنع المواطنين في المملكة ما يثير شبهات اقتصار الحملة على الدعاية.
محمد بن سلمان و الفساد وجهان لعملة واحدة
يقول مراقبون ونشطاء سعوديون إن محمد بن سلمان يتعمد الترويج لحملات مستمرة لمكافحة الفساد بغرض التغطية على ممارسات وحدة الفساد الهائل في عهده. غير أن كل أحاديث السلطات السعودية عن مكافحة الفساد والشفافية لا تجد طريقها إلى التصديق، في ظل ما تكشفه تقارير صحفية بشكل متكرر عن بذخ و إسراف محمد بن سلمان
ويكشف هؤلاء أن ابن سلمان يعتقل الموظفين والعسكريين بتهم الفساد، فيما هو في الواقع أكبر فاسد في تاريخ المملكة.إذ في عهده وصل الاحتياطي الأجنبي إلى أدنى مستوياته، وارتفع الدين العام إلى أعلى مستوياته، وارتفعت الأسعار وازدادت الضرائب.
يضاف إلى ذلك الأموال التي أنفقها محمد بن سلمان على شهواته الشخصية وشراء النفوذ لدعم مكانته داخليا وإقليميا دون اعتبار لمصلحة الشعب السعودي. من جهته نشر موقع “The List” الأمريكي تقريرا صادما عن بذخ محمد بن سلمان ولي العهد السعودي وما ينفقه على مشترياته بمئات ملايين الدولارات بغرض الترفيه.
وقال الموقع إنه مع عدم وجود نقص في الثروة، ليس من المستغرب أن العائلة المالكة السعودية معروفة بالعيش ببذخ، إلا أن بعض مشترياتهم باهظة الثمن تركت بعض الذهول.
وذكر أنه على سبيل المثال، في عام 2017، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن محمد بن سلمان اشترى لوحة ليوناردو دافنشي “سالفاتور موندي” مقابل 450.3 مليون دولار.
وبالمثل، ذكرت صحيفة نيويورك بوست أن محمد بن سلمان يمتلك يختًا فائقًا يبلغ ارتفاعه 440 قدمًا كلفه 494 مليون دولار. حيث يُزعم أن اليخت يحتوي على بركتي سباحة ومهبط للطائرات العمودية ، وقيل إنها عملية شراء خاسرة. وحسب الموقع بلغ صافي ثروة آل سعود حوالي 1.4 تريليون دولار (اعتبارًا من 2018)، وهو ما يقرب من 16 ضعف تقدير العائلة المالكة البريطانية.
فضائح الفساد في الأجهزة الأمنية و العسكرية
بين الحين و الآخر تطفو فضائح الفساد لمسؤولي أجهزة أمنية وعسكرية في السعودية، فيما تعمل الحكومة للتغطية على الفضائح التي ذاع صيتها بإعلان توقيف مسؤولين وضباط كبار.
فيما أكدت منظمة مكافحة فساد الحكومات الدولية أن الفساد مستشر في المؤسسات الدفاعية السعودية بشكل كبير وواسع ما يجعل المملكة تخسر مبالغ مالية طائلة بسبب المؤشرات عبر الرشاوى واستغلال النفوذ والاختلاسات.
معايير مزدوجة في محاربة الفساد
كشف موقع “إنتليجنس أونلاين” الفرنسي بأن محمد بن سلمان يتستر على فساد فرعين من أسرة “آل سعود” الحاكمة في السعودية، بينما يستهدف فروعا أخرى تحت شعار “مكافحة الفساد”، مشيرة إلى رجل الأعمال “عبدالله الشقير” كمثال على معايير ولي العهد المزدوجة. وأشار الموقع إلى أن التحقيقات التمييزية التي تجري بأوامر من محمد بن سلمان تستهدف حاليا فقط الوكلاء التجاريين المقربين من الملك السابق عبد الله بن عبدالعزيز وولي العهد السابق محمد بن نايف.
وذكر الموقع أن المقربين من فرعي “مشعل” و”سلطان”، أخوي مؤسس المملكة “عبدالعزيز آل سعود”، في مأمن من حملة “ابن سلمان” المزعومة لمكافحة الفساد، وليس لديهم الكثير ليخافوا منه، رغم وجود أدلة على فساد العديد منهم، حسبما أورده الموقع. وأوضح الموقع أن “الشقير هو أحد المقربين السابقين من مشعل بن عبد العزيز، الذي كان في منصب رئيس لهيئة البيعة في السعودية، التي تتكون من أبناء وأحفاد “الملك” المؤسس، وبالتالي كان له دور مهم في صعود الملك الحالي سلمان وولي عهده إلى سدة السلطة”. وأضاف إن “هيئة الرقابة ومكافحة الفساد السعودية المعروفة باسم “نزاهة”، لا ترد إلا على ابن سلمان، ولم تتخذ أي إجراء بحق الشقير على الرغم من وجود أدلة موثقة على فساده في صفقة توريد سترات واقية من الرصاص إلى الحرس الملكي”.
وحسب الموقع، “تعود تلك الأدلة إلى العام 2019، إذ قدمت شركة “ديفنس تك” الأميركية وثائق من 70 صفحة إلى “نزاهة”، تتضمن إثباتات لسرقة الشقير الملكية الفكرية الخاصة بالسترات الواقية من الرصاص”.
وأوردت الوثائق أن “الشقير مدين لـ”ديفنس تك” بـ5.6 ملايين دولار بعدما لعب دور الوسيط في صفقة بيع 10 آلاف سترة للحرس الملكي، الذي دفع أكثر من 40 مليون دولار، عام 2014، نظير الصفقة، لكنه لم يحصل في النهاية إلا على سترات مقلدة رديئة الجودة، حسب ما يؤكد محامو الشركة الأميركية”.
وحسب الوثائق، فإن “الشقير قاد مخططًا لبيع السترات المقلدة للحرس الملكي بدلًا من سترات “ديفنس تك” بمشاركة مسؤولين بوزارة الداخلية السعودية، بينهم سعيد بن عبد الله القحطاني، وخالد إبراهيم اللحيدان”.
وقد اعتبر بعض المسؤولين الأميركيين أن “ديفنس تك” قدّمت أدلة قوية على فساد الشقير، لكن “نزاهة” لم تتخذ أي إجراء بحقه، حسب ما أكدته مصادر “إنتليجنس أونلاين”، مشيرًا إلى أن اسم رجل الأعمال المقرب من فرع مشعل في آل سعود استمر في الظهور بقضايا فساد أخرى.
يأتي ذلك فيما يواصل ابن سلمان استهداف فروع أخرى من آل سعود في سياق حملته المزعومة لمكافحة الفساد، ويقود عمليات تطهير تستهدف الوكلاء المقربين من الملك السعودي السابق عبد الله بن عبدالعزيز وولي العهد السابق محمد بن نايف.
الفساد في مشروع نيوم يبلغ الذروة
أظهر تحقيق نشرته وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية حجما هائلا من الفساد والإنفاق غير المحسوب بمليارات الدولارات على المشروع، اعتمادا على مقابلات مع أكثر من 25 شخصية من العاملين الحاليين والسابقين في المشروع.
وكشف هؤلاء عن معلومات صادمة عن حجم الهدر المالي الذي يتم في مشروع نيوم لا يعدو أن يكون مجرد خيال، حسب ما يؤكد الكثيرون.
وخلص التحقيق إلى أنه “لم يزل هذا المشروع يمنى بالعديد من الانتكاسات، كثير منها ناجم عن صعوبة تنفيذ أفكار محمد بن سلمان الفخمة والمتغيرة باستمرار، وكذلك من صعوبة مواجهة الأمير، الذي لا يتردد في سجن العديد من أفراد عائلته عندما يخبرونه بأنه لا يمكن تحقيق رغباته”.
وأكد التحقيق أن “مشوار نيوم المضطرب حتى الآن يشير إلى أن حلم محمد بن سلمان الحضري قد لا يتحقق أبداً على أرض الواقع. ونفس الشيء ينطبق على خططه الأوسع للتحول الاقتصادي”.
ويقول آندي ويرث، الأمريكي الذي يشغل منصب مدير في قطاع الضيافة والذي عمل في نيوم في عام 2020: “الذي تم إثباته هناك هو الغياب التام لأي ارتباط بالواقع، وبشكل موضوعي”. واستعرض التحقيق العديد من قصص الفشل في المشروع، ومن بينها “مشروع شاطئ الفضة”، وحقل شمسي بتكلفة 200 مليار دولار لم يلبث أن ألغي مباشرة بعد الإعلان عنه بوقت قصير. يقول أحد المديرين السابقين ممن عملوا في مشروع “شاطئ الفضة”: “لو أردت أن أصف المحصلة النهائية لجميع ما قمت به من أعمال خلال تلك الحقبة لقلت إنها مقترحات وعروض كان ينتهي بها المطاف في سلة المهملات في الأسبوع التالي. في كل حياتي، كانت تلك أقل الفترات إنتاجاً من حيث القيام بعمل حقيقي وأكثرها إنتاجاً من حيث كمية ما جنيته من مال”.
ولفت التحقيق إلى كيفية الإنفاق ببذخ على الموظفين الأجانب بينما يُحرم المواطنون السعوديون من هذه الأموال، حيث قال التقرير إن “نيوم عرضت على بعض كبار الموظفين الأجانب رواتب معفية من الضرائب تتراوح بين 700 ألف و900 ألف دولار وهذا أكثر من عشرين ضعفاً من متوسط دخل الموظف السعودي، إضافة إلى تشكيلة واسعة من المنافع الأخرى”.
بمثل هذه الرواتب والحوافز لم يجد المشروع أدنى صعوبة في جذب الموظفين الأجانب، وخاصة بعد أن هدأت الزوبعة التي كانت قد ثارت في بداية الأمر بسبب جريمة قتل جمال خاشقجي.
معظم الموظفين كان يُطلب منهم السكن في مقر المشروع، حيث أنشأت نيوم سكناً مؤقتاً – عبارة عن شقق مريحة، وإن كانت بسيطة، في الصحراء، مع جيش من الأيدي العاملة المهاجرة للقيام بخدمات إعداد الطعام والتنظيف وغسيل الملابس.
كان السكن على مسافة بعيدة غير محبذ أثناء الجائحة، فاعتمدت الحكومة على طائرات للقيام برحلات خاصة لجلب العاملين في نيوم جواً من لندن إلى السعودية.
ختام القول، منذ تعيينه ولياً للعهد، أطلق ابن سلمان سلسلة خطط ووعود اقتصادية “خيالية”، لكنها لم تطبق حتى الآن بل ذهب بالمملكة إلى الهاوية. ويستمر محمد بن سلمان في تبديد مال المملكة ومال المواطن، على أوجه لا تعود للمملكة بمنفعةٍ، اقتصادية أو ثقافية، بل إنها لا تعود بمنافع شخصية حتى لابن سلمان نفسه. وتكشف التسريبات التي روج لها مغردون ومعارضون للنظام السعودي إبان حملة الفساد المزعومة التي قادها محمد بن سلمان ضد رجال أعمال وأمراء من الأسرة الحاكمة، عن تحصيل ولي العهد السعودي لمليارات الريالات من المعتقلين وإيداعها في حسابه الشخصي أو تحت تصرفه المباشر، بدلاً من إيداعها في خزينة المملكة بوصفها اموال الشعب المنهوبة على مدى عقود.