الوقت- مثلت القبائل في الخليج الفارسي على مدى قرون العمود الفقري و الأساسي لدول المنطقة. و لطالما اعتُبرت صمام الأمان في جزيرة العرب فقد شكلت أهم أشكال الحفاظ على القيم و المبادىء الاسلامية و الأخلاق العربية الأصيلة، إلا أن ابن سلمان لا ينفك عن شن حروبه على القبائل في السعودية لخلخلة التوازن القبلي متذرعاً بالعديد من الأسباب و متخفياً بالكثير من الأهداف. و قد كشف الباحث والمهتم بشؤون الخليج الفارسي فهد الغفيلي عبر تويتر، أبرز الوسائل والأهداف في الحرب التي يشنها محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، على القبائل في المملكة.
القبائل، العمود الفقري لدول الجزيرة العربية عبر التاريخ
تعتبر قبائل الجزيرة العربية الأساس الذي بني عليه المجتمع العربي قبل ظهور الإسلام، حيث تمثل حجر الزاوية الذي قامت عليه الحضارة العربية القديمة والثقافة العربية، العادات والتقاليد التي نشؤوا عليها، وكذلك الروابط الأسرية، وقد اعتبرت هذه الروابط، حسب المؤرخين والباحثين، النواة الأولى التي تشكلت منها الحضارة العربية، وقد ارتبطوا بالدم.
من جهة أخرى لطالما شكلت القبائل في الجزيرة العربية القوة الأساسية التي تمد حكام المنطقة بالأموال و الرجال التي تحمي البلاد و تدافع عنها ورغم تعاقب العديد من الحكام على جزيرة العرب عبر القرون، إلا أنه لم يجرؤ أحد منهم على إضعاف القبائل أو تفكيكها وإفراغها من قيمها الإسلامية والعربية التي توارثتها، بل سعى معظمهم لتقويتها وكسب ولاءات شيوخها وزعمائها لضمان استقرار حكمه. كما بقيت أخلاق القبيلة وشيمها أحد معرّفات هوية الدولة وسماتها.
محاولة إضعاف البنية الأساسية للبلاد
بالتزامن مع وصول محمد بن سلمان إلى سدة الحكم يسعى هذا الفتى الطائش جاهداً لتغيير هوية المجتمع وتغريبه بأساليب شتى ورغم أن سفير المملكة في لندن خالد بن بندر أعلن بوضوح أن السعودية لم تقم على الدين أصلًا وإنما كانت مجرد قبيلة انتصرت على غيرها في الحرب. إلا أن ابن سلمان استخدم اساليب متعددة لتشويه الهوية العربية للبلاد و فرض الطابع الغربي على المجتمع بالبطش تارة و بالحفلات الفارهة تارة أخرى. و كان للقبائل في البلاد نصيبها من ظلمه و حملته التغريبية الشرسة. فقام بشن حملة واسعة لتفكيك القبائل وإضعاف رجالها و وظّف ابن سلمان إعلام البلد وأمواله لتشويه سمعة القبائل الكبيرة وهدم قيمها وأعرافها وإضعافها أمام المجتمع وذلك بهدف كسر أي إرادة تهدد وجوده ومشاريعه. و حسب الدراسة الصادرة عن مركز Geopolitical Futures الأمريكي للدراسات إن العديد من السعوديين من القبائل المعروفة، مثل “المالكي” و”الدواسر” و”الشمري” يشعرون بالتهميش، لأن الحكومة لا تعاملهم كمواطنين. وذكرت الدراسة أن هؤلاء يتهمون “آل سعود” بسرقة ثروات البلاد والسيطرة على 60% من أراضيها و30% من إيرادات النفط الهائلة.
وحسب الباحث فهد الغفيلي فقد أعلن ابن سلمان حرباً على العديد من قبائل المملكة اتخذت أشكالاً عدة أبرزها:
تفكيك القبائل الكبيرة وإضعافها: بينها ما تعرضت له قبيلة حرب بعد إنهاء خدمات خالد بن قرار الحربي مدير الأمن العام وإحالته للتحقيق العام الماضي، واعتقال رئيس جامعة الملك عبد العزيز الدكتور عبدالرحمن اليوبي وسجنه بدعوى فساد.
تشويه سمعة القبائل و قيمها: و من أبرز الأمثلة على ذلك اعتقال الدكتور اليوبي، و الذي كان يمكن أن يكون عاديًا كغيره من الاعتقالات، لكن حملات التشويه الكبيرة التي قادها الإعلام والذباب أكّدت الأصابع الخفية التي يحرّكها الديوان، كما تم نشر قوائم موظفين من قبيلة حرب في جامعة رابغ وجدة والتشهير بهم وذلك بهدف تشويه سمعة القبيلة. و من الأساليب الأخرى المستخدمة في تشويه قيم القبائل و أخلاقها كانت الدراما حيث كانت قبيلة عتيبة العريقة و الكبيرة المستهدف الأول، فبعد توظيف الدراما لحادثة جهيمان العتيبي لتشويه القبيلة بأكملها، تم إنتاج مسلسل (الرشاش) الذي أبرز أحد رجال عتيبة كزعيم عصابات خطيرة هدّد أمن الدولة لسنوات، وكان من الممكن أن تؤدي الدراما دورها دون التركيز على قبيلة بعينها وتشويه صورتها لدى النشئ الجديد.
اعتقال شيوخها ورموزها: عطفًا على محاولة تشويه سمعتها، نالت قبيلة عتيبة الأذى بعد اعتقال أميرها فيصل بن سلطان بن جهجاه بن حميد إثر انتقاده لحفلات هيئة الترفيه وأوضاع الفقر وسوء الحالة المعيشية للمواطن قبل أن يُفرَج عنه لاحقًا، وكان الهدف قمع الأصوات المؤثرة التي تنتقد الحكومة.
زرع الفتنة بين القبائل: وفيما يخص زرع الفتنة بين القبائل، فقد استدعى ابن سلمان في منتصف يونيو 2017 (بعد حصار قطر) عددًا من شيوخ قبيلة آل مرة المنتشرة في دول الخليج ليدلوا ببيان يهاجموا فيه قطر ويحرّضوا عليها في محاول لزرع الفتنة بين شيوخها وتوظيفهم سياسيًا، ولكن القبيلة لم تنجر لفتنته ورفضت تفكيك صفوف القبائل
إبراز النماذج السيئة من القبائل واحتضانها: وعمل ابن سلمان على إبراز النماذج السيئة من القبائل واحتضانها، وأبرز مثال على ذلك ما فعله مع عائلة آل الشيخ التي عُرفت عبر القرون بمكانتها الدينية ورموزها الكثُر في المجتمع، فبدأ بإفراغها من رمزيتها الدينية المقرونة بالعلم والفقه أو تعيين الموالين له الذين يسيؤون لسمعة الدين والعائلة.
وحسب الباحث فهد الغفيلي “ما بقي من آل الشيخ هو اللقب فقط، أما المحتوى فتم إفراغه! ولتشويه سمعة آل الشيخ أكثر، تم اختيار أحد أفرادها ليكون عرّاب الفساد والمجون في بلاد الحرمين، فقام تركي آل الشيخ باستقدام كبار الساقطين والساقطات من شتى الأصقاع! فأراد ابن سلمان أن يكون اسم العائلة مقترنًا بالفساد!”. ولفت إلى أن ابن سلمان وظف إعلام المملكة وأموالها لتشويه سمعة القبائل الكبيرة وهدم قيمها وأعرافها وإضعافها أمام المجتمع وذلك بهدف كسر أي إرادة تهدد وجوده ومشاريعه، ولتفكيك أي قوة أو تجمّع لا تأتمر بأوامر ولا تروّج لرؤاه وأفكاره.
حيث بدأ إعلام النظام بالترويج للمشاهير واستضافتهم وإبرازهم كنماذج في المجتمع وتم التركيز على المنتمين لكبرى القبائل كهند ورهف القحطاني وفوز العتيبي وغيرهم.. هذا الضرب القيمي للقبائل جعل عددًا من المشاهير يتطاولون على قيمها كما في ظهور فوز العتيبي وقولها: أشرف القبيلة أنا!
تهجير القبائل بالقوة من أراضيها وقراها: عمد ابن سلمان إلى تهجير القبائل عنوة من أراضيهم التي ارتبطوا بها لقرون وذلك لتحقيق مصالحه ومشاريعه أو خوفًا من تنامي نفوذهم وقوتهم، مستشهدا بما حدث مع قبائل نجران، أما الحويطات فنالهم التهجير والطرد والسجن والقتل وذلك لأجل مشروع نيوم. فيما نددت أوساط حقوقية بإصدار السلطات السعودية أحكاما تصل إلى عقوبة الإعدام لمن يرفض التهجير القسري في المملكة في سابقة تعبر عن حدة القمع الحاصل في البلاد. حيث كانت المحكمة الجزائية المتخصصة قد أصدرت في أكتوبر 2022، أحكامًا بالإعدام بحقّ شادلي الحويطي، وإبراهيم الحويطي، وعطالله الحويطي، من قبيلة الحويطات المتضررة من مشروع نيوم.
وقد أصدرت الجزائية المتخصصة، التي أسست في 2008 بزعم التصدي لقضايا الإرهاب، حكمها بالقتل على شادلي الحويطي بعد أنْ قتلت قوات الأمن السعودية أخاه عبدالرحيم الحويطي في أبريل 2020، في منزله في “الخريبة” في منطقة تبوك، الواقع ضمن الأراضي التي خصصتها السلطات لمشروع “نيوم”.
وذلك بعد أنْ نشر عبدالرحيم مقطع فيديو له عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أعلن فيه رفضه التهجير القسري الذي تمارسه السلطات بحقّ أهالي المنطقة في سبيل تنفيذ المشروع
و من جهة أخرى حاول ابن سلمان جاهداً زج قبائل المملكة عنوة في حربه في اليمن حيث عملت السلطات السعودية خلال السنوات الماضية على إصدار قرارات بإخلاء لمناطق واسعة من القبائل و في حال عدم استجابة القبائل لقرارات الاخلاء التعسفية تقوم السلطات السعودية بفرض حصار عليهم و منع الماء و إدخال الطعام لهم و استفزاز شبابهم و اعتقالهم لمساومة أهاليهم على الرحيل و إخلاء المناطق و حسب ما جاء في رسالة لهذه القبائل “لا تكف السلطات السعودية عن إرهابنا و ابتزازنا, فكل اسبوع تقوم بإشعارهم بأن لهم مهلة اسبوع لترك ديارهم أو سيتم استخدام القوة الجبرية لطردهم من ديارهم وأرضهم". ورفض القبائل الانصياع لدعوات التهجير وأبدوا استعدادهم للتصدي لمحاولات اغتصاب أراضيهم التي يعتقدون أنها قد تحول لمشاريع سياحية او تؤول لشركات لمصلحة أمراء آل سعود بحجة الحرب.
اتباع سياسة التهميش: نوهت دراسة صادرة عن مركز Geopolitical Futures الأمريكي للدراسات إلى أنه في نيسان/ أبريل 2022 صرح ولي العهد محمد بن سلمان لمجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية بأن عدد المواطنين يبلغ 14 مليوناً فقط. وذلك بينما تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد السكان حوالي 34 مليون شخص، ويعني ذلك؛ أن هناك عدداً كبيراً من القبائل تعاني التهميش الاقتصادي والاجتماعي. وقبل أشهر كشف تقرير سري مسرب عن نوايا ولي العهد محمد بن سلمان زيادة تهميش القبائل في السعودية والعمل على إسقاط وحدتها وهيبتها.