الوقت - لايُمكن اعتبار الخطوة التي قامت بها الرياض، والتي تتعلق بوقف بث قناة المنار من قمر عربسات، خطوةً مُستغربة لا سيما بعد أن قامت بداية الشهر الماضي بحجب قناة الميادين. لكن الوقوف عند دلالات الموضوع، هو من الأمور المطلوبة، من منطلق الواجب الإعلامي. فالسعودية التي أثبتت بالأفعال أنها بعيدة عن خيارات الأمة الإسلامية تحديداً، تمضي قدماً في سياساتٍ تتطابق مع المصالح الأمريكية الصهيونية. فكيف يمكن تفسير حجب قناة المنار؟ ولماذا قامت السعودية بذلك؟
بعيداً عن الكلام الذي يعبر عن الإنتماءات، ومن خلال التحليل الموضوعي، يمكن قول التالي:
-
إن السعودية تُعتبر اليوم في الصف المناهض للقضايا العربية والإسلامية، وهو ما يمكن إستخلاصه من خلال التاريخ السياسي لها، لا سيما الماضي القريب، والمليئ بكل أشكال العنجهية والظلم. وهنا ولأننا نتحدث بموضوعية، نُشير الى أدلةٍ من الواقع السياسي الذي نعيشه.
-
فتحليل السلوك السياسي للرياض لا يمكن أن ينفصل عن سلوكها في كافة المجالات. فالخلفية واحدة، لنقول أن سلوكها وعلى الصعد المتعددة، لا يعبر إلا عن أيديولوجيتها البعيدة عن الدين أو القيم الإنسانية. فمن بداية تأسيسها، وقيامها بتجهيز داعشيي الماضي وتحديداً طالبان، وصولاً الى نسيان القضية الفلسطينية على مر تاريخ الأداء السياسي للرياض، ولا ينته الأمر بحربها على الشعب اليمني، تُمثِّل السعودية بأدائها، طرفاً تنفيذياً لأفكار ومبادئ الصهيونية.
-
ولأننا لا نريد القول مباشرةً أن الرياض تهدف من خلال إقفالها للمنار أو الميادين قبلها، إكمال حربها على الإعلام المقاوم، أحببنا الإشارة الى المُنطلق الفكري الذي تتعامل به السعودية. لنقول أن أفعالها والتي أصبحت محط إنتقاد مؤسسات حقوق الإنسان في العالم، حتى المحافل الدولية، خير دليلٍ على النهج الذي تنتهجه دولة آل سعود. وهنا وبعد ما تقدمنا به أعلاه، لماذا تُسكت السعودية الصوت المقاوم؟
-
لا شك أن قناة المنار أو الميادين، تُعبِّر عن النهج المقاوم في المنطقة. ومن المعروف اليوم أن هذا النهج أصبح يُحقق نتائج فعالة في الميدان الإعلامي، على الرغم من أن الماكينة الإعلامية لواشنطن والتي تعتبر الرياض جزءاً منها، تمتلك قدراتٍ أكبر. لكن التأثير الذي يحظى به الصوت المقاوم، أصبح يؤثر بشكلٍ مباشرٍ على الواقع الحقيقي للسياسة الأمريكية. وهو الأمر الذي لا يمكن أن تقبل به واشنطن، لا سيما بعد نجاح هذا الصوت، في عصف أدمغة الشعوب، في العالم العربي والإسلامي، بل حتى الغربي.
-
كما أن محاولات الأبواق الإعلامية التابعة لواشنطن، ومنها محافل الإعلام السعودي، ضرب محور المقاومة من خلال الإشاعات أو تحريف الخطابات أو خلق الأحداث، لم تفلح. مما أضطر الرياض لأخذ قرارٍ بإسكات الصوت المقاوم، بعد عجزها في حجب تأثيراته.
إذن تسقط خطوة حجب قناة المنار، أمام أفعال الرياض الإجرامية. فلا عتب على دولةٍ جهزت الإرهاب في منطقتنا وموَّلته. ولا عتب على دولةٍ تتغنى بعلاقاتها التي كانت سرية وأصبحت علنية مع الكيان الإسرائيلي. كما أنه لا عتب على دولةٍ لم تحترم يوماً ما تدعيه من مبادئ إسلامية، لا سيما في سياستها الخارجية، وصولاً الى أحداث منى الأخيرة والتي بيّنت فيها الرياض حجم لامبالاتها بأرواح الحجيج. كما أنه لا عتب على من يجعل من القضية الفلسطينية ومصير الشعوب ورقةً للبيع بأسعار النفط الذي بدأ يُحرقها. بالإضافة لكل ما تقدم، لا عتب على دولةٍ تحارب جارتها اليمن بطريقةٍ تُعبِّر عن حقدٍ دفينٍ، أصبحت تنتقده كل محافل حقوق الإنسان في العالم. فالسعودية التي أمعنت في قتل الأبرياء من أبناء الشعب اليمني، لن تكون بعيدةً عن حجب قناةٍ هنا أو هناك. فهل يمكن العتب بقضايا الأمة، على دولةٍ لا تنتم لخيارات الأمة؟ وهل يمكن إستغراب إقفال الرياض لقناةٍ مقاومة، في وقتٍ تجاهر السعودية بعلاقتها مع الكيان الصهيوني؟ وهل يمكن إعتبار خطوة الرياض مفاجئة، وهي التي باعت فلسطين وحركات المقاومة في سوق النفط والأسلحة؟
إن ما قامت به الرياض لا يعبِّر إلا عن إفلاسها. كما يعبر عن نجاح الصوت المقاوم في تأثيره. أما للمُستهجنين، فإن السعودية عبَّرت عن نفسها بصراحة، بعد أن كانت تختبئُ في الماضي وراء مُبرراتها. لكنها اليوم لم تعد تستطيع فعل ذلك، لأن الصوت المقاوم فضحها، فأرادت إسكاته.