الوقت_ الجمعة الفائت، أعلن رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية تركي آل الشيخ، انطلاق ما تسمى "فعاليات موسم الرياض 2022" تحت شعار "فوق الخيال"، بالتزامن مع محاولات النظام السعوديّ البائسة لتخفيف سخط المجتمع الدوليّ وإلهاء المجتمع السعوديّ بسبب الجرائم التي يرتكبها حكام المملكة بحق شعبهم، في ظل تصاعد التنديدات الدوليّة نتيجة سلسلة الأعمال الإجراميّة المتواصلة والأسلوب الهمجيّ الحكوميّ، حيث تسعى الرياض بوضوح لتلميع سجلها "المُشين" في حقوق الإنسان، والتي أنفقت مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهيّة وثقافيّة ورياضيّة كبرى، واعتمدتها كاستراتيجيّة مقصودة لحرف الأنظار عن جرائمها المتفشيّة، على الرغن من أنّ الشيء الوحيد الذي يتخطى الخيال هو الإجرام الذي انتهجه حكام هذا البلد في الداخل والخارج كما يقول كثيرون.
منذ اللحظة الأولى التي وجّه فيها تركي آل الشيخ الشكر للملك سلمان بن عبدالعزيز وابنه ولي العهد محمد على الاهتمام الكبير بقطاع الترفيه، انتشرت تغيردات ومنشورات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعيّ تتحدث بإسهاب عن أن سلطات آل سعود تخفي حقيقتها من خلال تلك البرامج الترفيهة المشكوك بأمرها منذ أن بدأت قبل سنوات، في وقت تمارس فيه الأمراء والقيادات قمعاً ممنهجاً وشديداً ضد المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان وتلاحقهم بسبب عملهم ونشاطهم، حيث إنّ محمد بن سلمان، تفرغ إلى ناشطي المعارضة في السنوات الماضية، بعد أن تخلص من أبرز منافسيه من خلال موجات من الاعتقالات التي شملت أهم وأبرز الأمراء وكبار المسؤولين في البلاد، وشمل ذلك دعاة وعلماء وسياسيين وتجار، ناهيك عن الأقرباء الأقرباء المنافسين لولي العهد كأبناء عمومته وأبنائهم وأسرهم.
والمثير للسخرية –وفقاً لمتابعين- هو حديث آل الشيخ خلال حفل افتتاح موسم الرياض عن اهتمام ودعم الملك سلمان وابنه لقطاع الترفيه وموسم الرياض بنسخته الثالثة بالتحديد، وهنا اعتراف صريح وواضح بتركيز العائلة المالكة لبلاد الحرمين عن اهتمام زائد بهذا الاتجاه، وهذا يقودنا بشكل مباشر إلى محاولة الالسعودية التغطية على ملفاتها التي تعبر كـ "الصندوق الأسود في البلاد"، حيث تحاكم السلطات النشطاء بمحاكمات معيبة، وتزجهم داخل السجون لفترات طويلة، بتهم غامضة تتعلق بالممارسة السلميّة لحرية التعبير، كما تستخدم الرياض –وفقاً لمنظمات دوليّة- قوانين سيئة كنظام مكافحة الإرهاب ونظام مكافحة الجرائم المعلوماتية ضدهم، في نهج واضح لاعتقال دعاة السلميّة والمطالبين بالحد الأدنى من حقوقهم، وإن زيادة الترفيه والاستبداد في آن واحد يعني أنه لا نية لحكام المملكة بالسماح لأفضل وألمع المواطنين السعوديين بالتعبير عن آرائهم ذات التوجهات الإصلاحيّة، أو التوجه ببلادهم نحو التسامح والتقدم.
وفي الوقت الذي شمل فيه حفل افتتاح موسم الرياض 2022 على عرض عالميّ لسيرك "دو سوليه" وحفلة غنائية ومجموعة من عروض "الدرونز" التي زينت سماء الرياض، إضافة لألعاب نارية مبهرة، تُصر الرياض على ممارسة الانتهاكات بحق المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، فيما يخدم الملك سلمان وابنه ولي العهد هذا الاعتداء المستمر على حرية التعبير، حيث تتزايد أعداد النشطاء السلميين والكتّاب المعتقلين، مع غياب أيّ قانون يحمي السعوديين من المعاقبة بهذا الأسلوب الساديّ، كما تغيب أيضاً الإحصائيّات الرسميّة حولَ عدد السجناء السياسيين في سجون آل سعود، والذين عادةً ما يتم احتجازهم بشكل تعسفيّ دون تهمة أو محاكمة، وتشمل السجون كل ماهو معارض لتوجه الملوك كالإصلاحيين، ونشطاء حقوق الإنسان، والمحامين، والناشطين في الأحزاب السياسيّة، وعلماء الدين، والمدونين، والمحتجين الفرديين، فضلًا عن مؤيدي الحكومة القُدَامى الذين عبَّروا عن انتقادات بسيطة وجزئيّة لإحدى السياسات الحكوميّة الفائلة.
أيضاً، تُتهم السلطات السعودية بمحاولة شراء المواقف الدوليّة والشعبية بعد أن أصبحت في السنوات الأخيرة، قبلة فنية وثقافية وترفيهية عالميّة، يتوافد عليها نجوم الفن والغناء من مختلف دول العالم، في إطار خطط البلاد للانفتاح على ثقافات العالم بعد عقود من الانغلاق استناداً لتفسيرات دينيّة ما لبثت المملكة أن تخلت عنها، للتغطية على جرائم الحكومة بحق مواطنيها، ولكي تقنع الرياض الرأي العام العالميّ بأنّها أصبحت ديمقراطيّة في ليلة وضحاها، و خلق "صورة مختلفة" للمملكة على الصعيد الدوليّ، بعد الفضائح المشينة التي وثقت المنهج الدمويّ الذي يتبعه حكام السعودية للبقاء في سدة الحكم، حيث أنفقت مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهيّة وثقافيّة ورياضيّة كبرى، واعتمدتها كاستراتيجيّة مقصودة لحرف الأنظار عن جرائمها المتفشيّة، لكنها لم تستطع أبداً تلميع سجلها "الدمويّ" في حقوق الإنسان، كما يقول مراقبون.
وبالتالي، إنّ أشدّ ما يُقلق المتابعين للشأن السعوديّ هو أنّ الخطط التي يُطبقها الأمير الشاب تحارب بلا رحمة التقاليد والتراث السعوديّ ذو الطابع المحافظ وإحلال مظاهر اللهو والفساد بين السعوديين وبالأخص فئة الشباب، للتغطية على إجرامه وفساده وسرقاته التي قلبت حياة المواطن السعودي رأساً على عقب، في وقت يشير فيه محللون إلى أنّ ابن سلمان وهيئته الترفيهيّة لن تتمكن من تغيير معالم المجتمع السعودي بهذه السهولة والبساطة، لأنّ الرياح ربما تسير بعكس ما تشتهي سُفن الطغاة، خاصة بعد أن تفوقت السعودية التي يسيطر عليها آل سعود على نفسها وجيرانها واحتلت مرتبة مرموقة في القمع والاستبداد والظلم.
ختاماً، لا يمكن أن تؤخذ الخطوات السعودية الترفيهيّة إلا في إطار سعي الحكومة هناك إلى التغطية على ملفاتها الدمويّة داخليّاً وخارجيّاً، خاصة مع استعمالها أساليب أكثر تطوراً لإسكات كل من يخالفها حتى في الرأي، وبدلاً من الاعتماد على قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2007 ، تحاول المملكة حجب الإنترنت وزيادة المراقبة من خلال برامج التجسس المتقدمة، فالملوك المسيطرة على بلاد الحجاز لا تخاف من شيء أكثر من حرية الرأي والتعبير، لأنّها تدرك جيداً حجم تأثير الحقيقة في البلاد على مستقبل العائلة الجاثمة على قلوب السعوديين، وهذا ما يدفعها للتعامل بإجرام غير مسبوق في قضيّة التعبير عن الرأي وإظهار أيّ نقد أو معارضة سلمية، وهذا ما كرسه ولي العهد السعوديّ من خلال البطش والقمع الممنهج الذي وصل حد اعتبار أي تعبير عن الرأيّ يمس النظام العام، وجريمة قصوى تستوجب أشد العقاب، بتهم أصبحت مكشوفة بالنسبة للجميع، وهذا ما يفسر اهتمامه البالغ بالترفيه والتغيير هناك.