الوقت- في 10 أغسطس الماضي، اعتقل فرع الاستخبارات اللبنانية رجلاً يدعى إيلي (من مواليد 1984) في مدينة مرجعيون؛ إثر معلومات حول اتصاله بجهاز الاستخبارات الصهيوني عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. تخرج إيلي من كلية الهندسة بجامعة الیسوعیة وعمل مصفف شعر خلال دراسته وعمل في منظمة غير حكومية بعد تخرجه بالتزامن مع حرب يوليو 2006 بين لبنان والنظام الصهيوني. ثم عمل إيلي كرئيس لوجستيات في اليونيفيل (قوات حفظ السلام الدولية في جنوب لبنان) بين عامي 2007 و2011 وعمل لاحقًا كسائق لطبيب.
غادر إلى نيجيريا في عام 2013 للعمل في شركة مقاولات ثم انتقل إلى المملكة العربية السعودية لمدة ثلاثة أشهر ثم ذهب إلى الدنمارك في ذلك العام بحجة السياحة. سافر إيلي إلى تركيا في عام 2017، حيث قابل امرأة تدعى حنين ج. وتزوج منها لتلتحق حنين بزوجها في ساحل العاج في أواخر عام 2019. بعدها استقر إيلي في المملكة العربية السعودية لمدة شهر في عام 2020 وعمل لدى أحد المحامين، ثم عاد إلى لبنان وعمل في مؤسسة إنسانية، ثم سافر إلى ساحل العاج في مايو 2021 وبقي هناك حتى يونيو 2022.
قدم إيلي روايات عديدة عن حياته وقصة رحلاته العديدة إلى مختلف البلدان. قال ذات مرة إنه سافر إلى ساحل العاج في عام 2019، حيث التقى بصديق طفولته توني الحاج وطلب منه مساعدته في العثور على وظيفة في البلدان الأفريقية. من الجدير بالذكر أن توني الحاج عمل مع المرتزقة السابقة في جيش لحد (جيش لبناني خان بلاده بشعار القومية والوطنية وعمل كمرتزقة للنظام الصهيوني، ضد اللبنانيين الذين دافعوا عن بلادهم) وغادر لبنان مع جيش الاحتلال في عام 2000. بدأ اتصال إيلي مع جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) في أغسطس 2021 عن طريق شخص ادعى أنه "رامي" اليهودي الاصل والذي كان يعمل في متجر لبيع الذهب في مجمع تجاري في ساحل العاج.
خلال الاستجواب، أعلن إيلي أنه سأل رامي عما إذا كان بإمكانه العمل في ساحل العاج. أخبر رامي إيلي أننا دولتان جارتان وهناك الكثير من موارد الذهب في مدينة مرجعيون اللبنانية وسيجني ربحاً وافراً إذا تمكن من إحضاره من هناك.
بعد ذلك، كان رامي قد ربط إيلي بشخص يدعى آدم. سأل آدم إيلي عن مدى تمكنه من السفر بحرية إلى جنوب لبنان وما إذا كان قريبًا من حزب الله أو لديه أصدقاء يدعمون حزب الله. ثم أخبر آدم إيلي أنه ضابط أمن إسرائيلي وعرض عليه تقديم معلومات عن حزب الله والقيام بعمليات أمنية والذي قبله إيلي.
بهذا فقد اتفق آدم وإيلي على موعد للتعرف على بعضهم البعض أكثر، وطلب آدم من إيلي الذهاب إلى لبنان لتنفيذ مهمة تجسس في منطقة الخيام ورسم إحداثيات الفندق والمداخل والخروج. وهكذا، دخل إيلي لبنان في مارس الماضي بحجة إجراء عملية جراحية لزوجته. بدا الأمر بمثابة مهمة اختبار من موساد لإيلي الذي بقي في لبنان لمدة 15 يومًا ثم ذهب إلى ساحل العاج واتصل به آدم وطلب منه الاجتماع معه في الأردن؛ حيث تم رفض إيلي في اختبار الموساد هذا، وقدم الضابط الصهيوني آدم 5100 دولار إلى إيلي وأخبره أنه كان مكلفًا بالنسبة له.
لكن إيلي، الذي اعتقله فرع الأمن اللبناني، استجوب بخصوص تواصله مع صديق طفولته توني الحاج وسئل عن دوره في تواصله مع الموساد. وأوضح سرد آخر أنه اتصل بتوني الحاج لتوفير المال لعملية زوجته ومساعدة والدته، التي كانت تعاني من صعوبات معيشية.
وفقًا للقصة، أخبر توني الحاج إيلي أنه يمكن أن يساعده وتقديم صديق يمكنه تقديم وظيفة من شأنها أن تغير حياته، لكنه حذر من أنه قد يكون عرضة للمخاطر. لأن هذا الصديق المسمى آدم هو ضابط في جهاز الأمن الإسرائيلي. وافق إيلي على الاقتراح، ثم طلب منه توني الحاج فتح حساب على Facebook وصنع بريد إلكتروني لنفسه.
بعد أسبوعين، اتصل الضابط الإسرائيلي بإيلي وأخبره أنه يتعين عليه جمع معلومات حول حفلة في لبنان وتنفيذ مهام أمنية في البلاد. وعد آدم بضمان حياة عظيمة ومزدهرة بالنسبة لإيلي، وسيشعر بتغييرات كبيرة في حياته في غضون أيام قليلة. كما سأل الضابط الصهيوني عن شقيق إيلي الذي يعمل في الجيش اللبناني.
كما قال جاسوس النظام الصهيوني للمحققين إن مهمته الأولى كانت تفتيش فندق "لا فيلا" في منطقة الخيام ومراقبة دخول وخروج هذا الفندق وجمع معلومات عن عدد العاملين بالفندق ومساكنهم. طلب الضابط الإسرائيلي المذكور من إيلي التحقق في الخطوة التالية ما إذا كانت هناك عناصر من حزب الله في هذا الفندق أم إنه لم يلاحظ أي حركة مشبوهة في الفندق المذكور؛ لأنه يعتقد أن الصواريخ مطمورة في هذا الفندق.
كما طلب الضابط الصهيوني من إيلي رسم مخطط لموقع مستودع صواريخ خلف مستشفى مرجعيون وتزويده بهذه المعلومات عبر البريد الإلكتروني بعد عودته إلى ساحل العاج. في ساحل العاج، طُلب من إيلي جمع معلومات عن حزب الله والعثور على أرقام هواتف الأشخاص المختصرين "AS" و "HZ" بحجة أنهم مقربون من حزب الله.
ثم طلب الضابط الصهيوني المذكور من إيلي أن يستعد للذهاب إلى الأردن مع زوجته وقبل ذلك أرسل له 1200 دولار لشراء تذكرة وحجز فندق لمدة أسبوع، وقال إنه سيتم إرسال بطاقة SIM أردنية إليه فور وصوله. أقام إيلي وزوجته في فندق لمدة يوم واحد بعد وصولهم إلى عمان عاصمة الأردن، وفي اليوم الثاني جاء سائق سيارة أجرة واصطحبهم إلى منزل من طابقين محاط بحديقة. كان المكان على بعد حوالي ساعة ونصف من الفندق.
هناك ذهب شاب وفتاة لاستقبال إيلي وزوجته، وفي لقاء استمر 5 ساعات، طُلب منهم التحدث عن منازل قادة حزب الله. وسُئلوا أيضاً عن مواقع قوات حزب الله في منطقة مرجعيون أثناء حرب تموز / يوليو 2006، فأجاب إيلي بأن 30 مسلحاً كانوا يختبئون حول منزله أثناء حرب تموز.
هذا الجاسوس لنظام الاحتلال تحدث عن المكان الذي يعتقد أنه قد يكون موقع تخزين أسلحة حزب الله خلف مستشفى مرجعيون وأبلغ عملاء الموساد أن هناك بناية تسمى "البهجات" اشتراها حزب الله.
خلال الأسبوع الذي أمضاه إيلي وزوجته في الأردن، التقى بهم عملاء الموساد عدة مرات وطرحوا عليهم العديد من الأسئلة الأمنية. أبلغ الضابط الصهيوني المعروف باسم آدم إيلي أنه بعد اجتياز الاختبار، أمامه الكثير من العمل، وسيتم تدريبه على إدارة الأدوات التكنولوجية التي ستساعده في تنفيذ مهمته بدقة ومهارة.
وحسب القصة التي رواها جاسوس الموساد للمحققين اللبنانيين، فقد تم اختباره هو وزوجته في غرف منفصلة من قبل عملاء إسرائيليين، واجتازت زوجته الاختبار، لكن إيلي رُفض، واتهمه آدم بالتعاون مع حزب الله أو اللبنانيين، وقال له إن علاقتهما ستنقطع.
في الواقع، كان جاسوس النظام الصهيوني هذا يخطط لإنهاء قصته الثانية بقطع الاتصال بالموساد، لكن ما أثار شكوك المحققين هو أنه عاد إلى لبنان دون زوجته. عندما سُئل إيلي عن هذا، أجاب أنه جاء إلى لبنان بسبب مرض والدته.
من ناحية أخرى، بعد شهر من عودته إلى لبنان، اتصلت به زوجته وأبلغته أن آدم اتصل بها عدة مرات وطلب منها إقناع زوجها بجمع معلومات عن حزب الله وتزويده بهذه المعلومات. ووعد آدم حنين (زوجة إيلي) بمبالغ طائلة إذا نجحت بجمع معلومات من سبعة أو ثمانية مراكز تابعة لحزب الله في عدة مناطق بجنوب لبنان.
واعترف إيلي بأنه أطلع زوجته على معلومات تتعلق بمركز حزب الله في منطقة مرجعيون وخارطة طريق تؤدي إلى مركز آخر في منطقة الخيام. كما جمع معلومات من 3 مراكز أخرى في جنوب لبنان وسجل موقعها بالأمتار والشوارع والطرق الجانبية المؤدية إليها مع وصف كامل لكل مبنى من حيث اللون وعدد الطوابق والأشجار المحيطة به.
بينما تم اكتشاف وتدمير عشرات شبكات التجسس التابعة للنظام الصهيوني في لبنان منذ العام الماضي، لا تزال قوات المخابرات في جهاز الأمن الداخلي في البلاد تبحث عن شبكات يشتبه في قيامها بأنشطة تجسس تتماشى مع مصالح العدو الصهيوني.
على صعيد المقاومة، تتواصل أنشطة التجسس الإسرائيلي على مدار الساعة وعلى مستويات مختلفة، وتحققت نتائج كبيرة في هذا المجال. لكن السلطات المختصة رفضت الكشف عن التفاصيل لأسباب أمنية وقدمت هذه المعلومات إلى جهاز الأمن الداخلي اللبناني.